بدأ “أساس”، منذ أمس الأوّل، في نشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث 2021، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022.
اُبتُلي العالم بجائحة لم يسبق لها مثيل في ذاكرة معظم سكان المعمورة. تحدِّثنا الكتب عن جائحة الإنفلونزا التي أصابت العالم مع نهاية الحرب العظمى في 1918. لربّما هناك أفراد، امتدّ بهم العمر، لا يزالون يتذكّرون ما حصل بسبب ذلك الوباء. والحقيقة أنّ الجائحة نبّهت العالم إلى أنّ قضية الأمن الصحيّ والأمن الغذائيّ من أولى أولويّات الأمن الوطني.
هذه الحقيقة تراها متجلّيةً في عدد ضحايا جائحة كورونا في الولايات المتحدة الذي تعدّى عدد القتلى في كلّ حروب الولايات المتحدة الخارجية. ولكن إذا ما قارنّا الاستثمار في العتاد الحربي بالمقارنة مع الاستثمار في مجال الصحّة فإنّ الفارق كبير لمصلحة الأول.
تستطيع الدول أن تستثمر في العنصر البشري والتكنولوجيا واقتصاد المعرفة لتحسين ظروف هذه الفئة العمرية المتحفّزة دائماً. وإذا لم يتمّ توظيف هذه الطاقات الكامنة في اتّجاه إيجابي، فإنّ عواقب الإهمال ستكون كبيرة على بلدان المنطقة
لقد شاركت في عدّة ندوات خلال الأسابيع الماضية تناقش الأحوال الأمنيّة في المنطقة بعد انجلاء هذا الوباء العظيم. وبدايةً كان اللقاء السنوي لمركز الإمارات للسياسات في أبوظبي في تشرين الثاني الماضي، تحت عنوان “عالم ما بعد الجائحة”. حضر اللقاء، كالعادة، لفيف من الخبراء والمسؤولين لمناقشة قضايا العالم ورؤاهم لعالم ما بعد الجائحة. وقد غطّت الندوة ومداخلات المتحدّثين مواضيع متنوّعة تتعلّق بالتكنولوجيا والاقتصاد والتفاؤل الحذر بمستقبل المنطقة لجهة التواصل بين الجيران. وتضمّن نشاط المؤتمر نقاشاً حول الاتفاق الإبراهيمي وما سيتمخّض عنه من سلام مأمول للمنطقة عموماً. وناقشت الجلسة الأخيرة موضوع أفول الإسلام السياسي.
وعلى المنوال نفسه، كان هناك لقاء في مسقَط بَحَثَ المستجدّات السياسية في المنطقة. واحتلّت الجائحة مكانة في النقاش لأنّها فرضت نفسها على التحوّلات الجارية في الإقليم. وقد شمل النقاش التحرّكات الإقليمية والنشاط الدبلوماسي الحثيث للخروج من المنطقة وهي متعافية صحّياً واقتصادياً. ولا شكّ أنّ هناك مردوداً سياسياً لمجمل هذه التحرّكات الإيجابية في المنطقة. فالتواصل بين الأشقّاء الخليجيين يعزّز من اللحمة بين دول المنطقة، ويعزّز من استقرار المنطقة.
كذلك النشاط الدبلوماسي مع دول الجوار يزيد من درجة التعاون ويعزّز من فرص السلام الإقليمي الذي تنشده كلّ الأطراف. فعلاقة دول الخليج مع محيطها الإقليمي، سواء إيران أم تركيا، هي خطوة إيجابية. ففي المنطقة فرص اقتصادية كبيرة إذا ما اتّجهت نحو العلاقات المستقرّة ونبذت التوتّر فيما بينها.
وتتميّز المنطقة بسكّانها الشباب والباحثين عن فرص لحياة أفضل. وتستطيع الدول أن تستثمر في العنصر البشري والتكنولوجيا واقتصاد المعرفة لتحسين ظروف هذه الفئة العمرية المتحفّزة دائماً. وإذا لم يتمّ توظيف هذه الطاقات الكامنة في اتّجاه إيجابي، فإنّ عواقب الإهمال ستكون كبيرة على بلدان المنطقة.
وفي سياق الموضوع، ناقشت الندوة المقاربات المختلفة لدول المنطقة لكيفيّة مواجهة الجائحة. وعلى ما يبدو أنّ معظم دول الخليج العربية كانت أكثر استعداداً للجائحة. وقد استثمرت هذه الدول في البنية الصحيّة لبلدانها. واستقطبت وأهّلت الكوادر الصحية للعمل في مجال الرعاية الصحية عموماً، أو لمواجهة أيّ طوارئ في المستقبل. وقد أفادت هذه الاستثمارات في الحدّ من الجائحة وآثارها. وبادرت هذه الدول إلى التطعيم المبكر، سابقةً في ذلك كثيراً من الدول المتقدّمة.
أخيراً وليس آخِراً، اللقاء الذي عُقد في دبي في كانون الأول، ويتعلّق بإجراءات بناء الثقة والأمن بين الأطراف المتنازعة. وتناولت النقاشات أنجع الطرق لتخفيف التوتّر بين الدول، خاصة في حالة حصول حوادث في البحر والبرّ، وإجراءات احتواء الأزمة في مكانها لتفادي التصعيد. وناقش الاجتماع سعي دولة الإمارات العربية إلى بثّ روح التسامح في المجتمع وتجريم ما من شأنه أن يؤدّي إلى ازدراء الأديان والمعتقدات والانتماءات العرقية والإثنية. فالإمارات تروم نشر السلام في المنطقة من خلال الحوار والدبلوماسية والتأثير الإيجابي بين الدول عبر التعاون.
إقرأ أيضاً: 2021: السعوديّة والقاعدة الذهبيّة
أما في أبوظبي فقد عقد أخيراً اجتماع منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي تمحور حول المواطنة. وهو أحد المساعي التي تقوم بها الدولة للتقريب بين الأديان والمجتمعات لنبذ التطرّف والكراهية في العالم. وهذا غيض من فيض ما يُعقَد من منتديات واجتماعات وندوات لتحقيق الأمن والسلم والاستقرار في منطقتنا.