2021: أتعبتنا يا شيخ رفيق..

مدة القراءة 5 د

ينشر أساس بدءًا من اليوم سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث 2021، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022.

 

مئة عام من الارتباك، عنوان حكاية سُنّة لبنان منذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 وصولاً إلى الانهيار الكبير عام 2021.

1- ارتبك سُنّة لبنان مع مفتيهم مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا عام 1920 ما بين الرغبة بالانسلاخ عن الدولة العثمانية ورفض الانضواء والتبعية لانتداب دولة أوروبية أجنبية.

2- تواصل الارتباك عام 1932. أوّلاً برفض الإحصاء الرسمي، فبقي كثيرٌ منهم مكتومي القيد. ثانياً، عندما رفض المفوّض السامي الفرنسي آنذاك أوغست هنري بونصو وصول مسلم سُنّيّ إلى سُدّة الرئاسة في لبنان، وهو الشيخ محمد الجسر ابن منطقة الحدّادين في طرابلس. فانصاعوا لذاك الخيار حفاظاً على وحدة البلد وطمعاً باستقلال لبنان.

أفسد الرئيس الشهيد رفيق الحريري سُنّة لبنان من فرط قوّته وكرمه وسخائه وشجاعته وإقدامه وحركته الدائمة

3- ارتبكوا مجدّداً عام 1975 ما بين الوطن والقضيّة، فكان الانحياز إلى فلسطين. فحصد اليسار بكلّ تلوّناته الطائفية مكاسب من منظمة التحرير وتوابعها، فيما حصد السُنّة مقولة إعلامية غير واقعية تقول: “إنّ الفلسطينيّين جيش السُنّة في لبنان”.

4- ارتكبوا الارتباك عام 1982 عن سابق إصرار وتصميم، معتقدين أنّ احتلال إسرائيل للبنان هزيمة لهم وحدهم دون اللبنانيين والعرب، ففاوضوا العالم عبر زعيمهم صائب سلام كي يوقف الاجتياح الإسرائيلي ويحفظ كرامة المقاومة الفلسطينية من خلال رعاية انسحابها من لبنان.

5- عام 2005 بلغ السُنّة ذروة الارتباك في الاختيار ما بين العدالة والحقيقة من جهة، أو حفظ البلاد والعباد من جهة أخرى، عندما وجدوا ظهيرة 14 شباط زعيمهم الكبير رفيق الحريري محترقاً في أحد شوارع بيروت وحوله الكثير من الأشلاء.

حكاية الارتباك أوصلت السُنّة إلى الاتّكال، فاستندوا إلى الدولة العثمانية بصفتها دولة الخلافة، ثمّ إلى الفلسطيني بوصفه شعب القضية وجيشهم الذي سيدافع عنهم في الملمّات، ثمّ تراخوا واطمأنّوا بوجود رفيق الحريري فوصلوا إلى ما وصلوا إليه عام 2021.

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بات سُنّة لبنان كما يقول الحديث النبويّ الذي رواه الترمذي عن أنس بن مالك: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ”. هم بالخيار بين ثلاثة مصائر:

1- الاتّهام بالإرهاب فيصبح الرجل منهم طريداً في الجرود من عرسال وصولاً إلى بيت جن على الحدود السورية أو في الجغرافيا الضائعة من بادية الشام إلى أنبار العراق.

2- الانتساب إلى سرايا ما يسمّى بالمقاومة ليكون المنتسب عميلاً دائماً مشكوكاً في ولائه مرفوضاً منبوذاً من بيئته.

3- أن يلتزموا الصمت فلا يبارحوا الطريق ما بين منازلهم وعملهم مع هامش الثرثرة والندب على وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها من مجموعات الواتساب إلى التغريد كعصفور النهر على تويتر.

ليس سهلاً أن تكون سنّيّاً في لبنان وتُجاهر بسنّيّتك فعلاً وقولاً أو أن تحمل اسماً دالّاً على سُنّيّتك من عمر أو خالد وانتهاءً بزياد.

لقد دفع سُنّة لبنان ثمن الانتساب إلى المدينة والاسترخاء بالانتساب إلى الأمّة وما تعنيه من طمأنينة حتى يصدق بهم قول الشاعر: “نحن شعب غنّوا له كي ينام فمات”.

أتعب رفيق الحريري سُنّة لبنان بحجم أحلامه، وبأنّ المستحيل يمكن دائماً تحقيقه. كان يفعل كلّ شيء عنّا وعن أهلنا وعن جمعيّاتنا ومؤسّساتنا ونوادينا

.. أفسد الرئيس الشهيد رفيق الحريري سُنّة لبنان من فرط قوّته وكرمه وسخائه وشجاعته وإقدامه وحركته الدائمة. أنسى أغنياءهم أنّ في سراويلهم جيوباً فيها نقود فائضة كثيرة، وأنسى الفقراء منهم أنّهم معدمون، وعليهم العمل ليحصّلوا قوت عيشهم، وأنسى حجارة المدينة تعبها وترهّلها، فكان يرمّم الرصيف قبل أن يتهالك، ويشقّ الطريق ليس من أجل أن يسير هو أو نحن عليها، بل كي يعبرها أولادنا، بل أحفاد أحفادنا.

أتعب رفيق الحريري سُنّة لبنان بحجم أحلامه، وبأنّ المستحيل يمكن دائماً تحقيقه. كان يفعل كلّ شيء عنّا وعن أهلنا وعن جمعيّاتنا ومؤسّساتنا ونوادينا.

استسلم السُنّة لرفيق الحريري فتوقّفت مدنهم من طرابلس إلى بيروت وصيدا، مروراً بالبقاع وعكّار وشبعا، عن إنتاج النُخب، فيما التبرير الدائم أنّ الرفيق قادر على استيراد النخب عبر الحدود وأنّه صاحب الحق الحصري بالاعتراف بالنُخب. توقّفوا عن التواصل مع عمقهم العربي والإسلامي مبرّرين ذلك أن لا حاجة لهم إلى أيّ تواصل، فـ “الرفيق” يعرف الجميع داخل الحدود وخارجها.

اختصر رفيق الحريري السُنّة بشخصه، واختصر السُنّة أحلامهم وطموحاتهم به. عمل رفيق الحريري وكأنّه لن يغادرنا يوماً، واسترخينا وراهنّا عليه وكأنّه لن يفارقنا أبداً.

ظلَمَنا رفيق الحريري نحن سُنّة لبنان. ظلَمَنا بضخامة حجمه وبارتفاع السقف الذي بناه فوقنا حتى بات صعباً جدّاً لأيّ شخص خاصة نجله سعد أن يلمس هذا الارتفاع فكيف بالآخرين أياً كانوا.

إقرأ أيضاً: نستذكر رفيق الحريري كي نبقى على قيد الحياة

بتنا لا نقبل أيّ زعامة لا تشبه زعامته، وأيّ رئيس في السراي أقلّ من صورته، ولم يعد يعنينا أيّ تواصل مع الخارج دون مستوى تواصله. خَدَعنا عندما قال لنا: “ما حدا أكبر من بلده”، فيما الحقيقة أنّه كان أكبر منّا، ومن البلد في الكثير من الأشياء.

عندما صمت أو تواطأ الشركاء في الوطن بكلّ طوائفهم ومذاهبهم على قهر السُنّة وإلغاء دورهم في المعادلة الوطنية، وصل السُنّة ومعهم كل الطوائف ومعهم لبنان إلى العام 2021 عام الارتباك.

مواضيع ذات صلة

العربُ بين عامَين: دول صعدت وأخرى نزلت

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

2021: عام التخبّط الفرنسي

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

مصر 2021.. رئيس و22 ملكاً

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….

العراق: 8 فرص ضاعت… والآتي أصعب

بدأ “أساس”، منذ اليوم الأخير في 2021، بنشر سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث العام الماضي، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022….