تطوّران قضائيان شهدهما ملفّ انفجار المرفأ خلال الساعات الأخيرة، يثبت أوّلهما أنّ “فاخوري العدلية” لا يتوانى عن تركيب “أذن الجرّة” كما يريد. والفاخوري هنا، بنظر منتقديه، هو رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود “الراعي” لملفّ التحقيقات العدلية والحامي الأوّل للمحقّق العدلي القاضي طارق البيطار… ولو على حساب صدقيّة السلطة القضائية ووحدة جسمها. فيما يضع التطوّر الثاني الهيئة العامة لمحكمة التمييز أمام اختبار ثانٍ بعدما نأت بنفسها عن الاختبار حين ردّت “شكلاً” دعاوى مخاصمة الدولة.
– التطوّر الأوّل هو تعيين القاضية رندى حروق لرئاسة الغرفة 12 لتحلّ محلّ القاضي نسيب إيليا للنظر في ملفّ طلب الردّ بحقّ القاضي البيطار المقدّم من الوزير السابق يوسف فنيانوس، والمعروف بالملف 69.
استئناف البيطار لتحقيقاته قد يواجَه من جديد بطلبات ردّ، وهذه المرّة أمام محكمة التمييز التي سيكون عليها النظر في المضمون، على خلاف طلبات الردّ السابقة
وفي هذا السياق، يتحدّث المعترضون عن “التفاف” فاضح على القانون تمّ ارتكابه على نحوٍ ملتبسٍ وبهدف واضح هو تحرير يد المحقّق العدلي. إذ يروي هؤلاء أنّ القصة بدأت بعد تقدّم فنيانوس بطلب ردّ المحقّق العدلي أمام الغرفة رقم 12 برئاسة القاضي نسيب إيليا، الذي قرّر التنحّي لأنّه سبق أن بتّ دعويَيْن مماثلتين، فصدر قرار من الغرفة رقم 15 التي يرأسها القاضي حبيب رزق الله بردّ عرض التنحّي، فعاد القاضي إيليا لرئاسة الغرفة، وتقدّم في حينه وكيل فنيانوس بطلب ردّ القاضي إيليا الذي سُجّل تحت رقم 72، فتنحّى إيليا من جديد عن الدعوى 72، وقُبِل تنحّيه، وعُيِّن القاضي حبيب مزهر الذي طلب ضمّ الملف 72 إلى 69، وكفّ يد القاضي إيليا، وتمّ تبليغ القاضي البيطار، فتوقّفت الملفات 72 و69 و1/2021. ثمّ تقدّمت مجموعة “متّحدون” بدعوى طلب ردّ القاضي مزهر (الدعوى 80)، فتقدّم وكيل فنيانوس بطلب نقل الدعوى للارتياب المشروع بغرفة الرئيس إيليا عن متابعة الملف رقم 80، وذلك أمام محكمة التمييز المدنية، فتوقّفت الإجراءات في الملفّات الثلاثة. عندئذٍ تقدّم بعض وكلاء الضحايا بطلب فصل الملفّين 69 و72 أمام القاضي رزق الله، فردّ الملفّ 69 إلى رئيس الغرفة 12 القاضي إيليا المكفوفة يده، ولم ينتظر الأخير قرار دعوى التمييز حول الارتياب المشروع لأنّها مفتاح “الشربوكة” الحاصلة، فتقدّم إيليا بطلب تنحٍّ جديد بالملف 69، وأبلغ عن استشعاره الحرج في متابعة هذه الدعوى، فقُبِل تنحّيه، وتمّ تعيين القاضية حروق رئيسةً للغرفة 12 بدل إيليا لبتّ الملفّ 69.
ويُفهم من هذا الإجراء أنّ القاضية حروق بصدد اتّخاذ قرار بالرجوع عن إبلاغ المحقّق العدلي بالقرار الصادر عن مزهر (كفّ يده)، وردّ الدعوى شكلاً في ضوء ما صدر عن الهيئة العامة للتمييز التي حدّدت محكمة التمييز المرجع المختصّ لردّ المحقّق العدلي. وهذا يعني أنّ البيطار سيكون يوم الإثنين، أو يوم الثلاثاء في أبعد حدّ، طليق اليدين من جديد.
يتحدّث المعترضون عن “التفاف” فاضح على القانون تمّ ارتكابه على نحوٍ ملتبسٍ وبهدف واضح هو تحرير يد المحقّق العدلي
– التطوّر الثاني هو تقدّم فنيانوس بواسطة وكيله المحامي طوني فرنجية بدعوى مخاصمة الدولة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز. والجديد في هذا الإطار هو استناد المُدّعي، أي فنيانوس، إلى ردّ الهيئة ذاتها في طلبات مخاصمة الدولة المقدّمة من الرئيس حسان دياب والنائب نهاد المشنوق، الذي اعتبرت فيه أنّ المدّعي “لم يستنفد ما أتيح له من وسائل قانونية تجاه القرار المشكوّ منه قبل سلوك المراجعة الراهنة”. ولمّا كان قد صدر قرار عن المحقّق العدلي بحقّ الوزير فنيانوس (مذكّرة توقيف)، واستنفد الأخير الوسائل القانونية المتاحة (الدفوع الشكلية التي رفضها البيطار)، فقد تقدّم مجدّداً بدعوى مخاصمة يُفترض أن تنظر في مضمونها الهيئة العامة للتمييز.
ومع أنّ استئناف البيطار لتحقيقاته قد يواجَه من جديد بطلبات ردّ، وهذه المرّة أمام محكمة التمييز التي سيكون عليها النظر في المضمون، على خلاف طلبات الردّ السابقة، إلا أنّ هناك مَن يعتقد أنّ إنجاز القرار الظنّيّ من شأنه أن يُنهي حفلة “الجنون القضائية” التي خرّبت التحقيق وأغرقت الحقيقة في متاهات رُسِمت وفق أجندات سياسية.
إقرأ أيضاً: بين العدليّة ومجلس النواب: تحقيقات المرفأ في “الكوما”
وفق هؤلاء، فإنّ المجلس العدلي قد يعلن في نهاية المطاف، بعد تسلّمه القرار الظنّيّ، عدم صلاحيّته في ملاحقة الرؤساء والوزراء، سواء تقدّم هؤلاء بدفوع شكلية أم لم يتقدّموا، وذلك بعد أن يختم المحقّق العدلي تحقيقاته ويراسل النيابة العامّة قبل أن يضع قراره الظنّيّ. ويؤكّد مواكبون للملفّ أنّ البيطار بصدد كتابة قراره الظنّيّ، لكنّ ما يحول دون ذلك هو عدم قدرته على اختتام كلّ التحقيقات والاستجوابات، الأمر الذي قد يتعثّر أكثر إذا ما تمّ التصدّي له من خلال طلبات ردّ جديدة.