لا تربط وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي علاقة خاصّة ومميّزة بحزب الله وإيران وحركة أنصار الله (الحوثيّين) في اليمن. صحيح أنّ قرداحي شارك في بعض احتفالات قناة المنار أو مؤسّسات تابعة للحزب في سنوات سابقة، وأطلق مواقف داعمة للمقاومة، لكن في المقابل كانت هناك مواقف له تدافع عن السعودية، وتشيد بإنجازاتها، وتنتقد أحياناً سياسات الحزب. ويؤكِّد عمل قرداحي في مؤسّسات إعلاميّة خليجيّة طوال السنوات الماضية أنّ مواقفه وأداءه الإعلاميّ ليسا بعيدين عن دول الخليج. من هنا كان صدى كلامه أكبر بكثير من أي كلام لبناني آخر…
بدايةً لقي اختيار رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية لقرداحي لوزارة الإعلام اعتراضاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لأنّ قرداحي من منطقة كسروان، وهي أحد معاقل التيار الوطني الحر، واختياره كان رسالةً من فرنجية إلى باسيل تفيد إمكانيّة التنافس مستقبلاً في هذه المنطقة، لكن تمّ تجاوز اعتراضات الرئيس عون وباسيل، واختير قرداحي لوزارة الإعلام لأنّه إعلاميّ معروف في الأوساط العربية، ويمكن أن يكون له دور إيجابيّ في تحسين صورة لبنان السياسية والإعلامية.
مواقف الحزب ومسؤوليه كانت رسالةً بأنّ قضية قرداحي ليست إشكاليّةً إعلاميةً بل مرتبطة بمعركة المنطقة ككلّ
لكنّ تصريحات قرداحي عن حرب اليمن فاجأت الجميع، ومن بينهم حزب الله وأنصاره ومؤيّدوه. وكانت المفاجأة الكبرى في ردّة الفعل السعودية ودول الخليج العربية على هذه التصريحات التي أخذت أبعاداً تتجاوز تصريح قرداحي وتطرح عمق المشكلة مع لبنان وحكومة الرئيس ميقاتي، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان حين اعتبر أنّ المشكلة تتمثّل في هيمنة إيران وحزب الله على الواقع السياسي اللبناني.
من هنا كانت ردّة فعل الحزب في دعم قرداحي ورفض استقالته. وقد شكّلت مواقف الحزب ومسؤوليه وأنصاره وكلّ الإعلاميين الدائرين في فلك محور المقاومة رسالةً واضحةً بأنّ قضية الوزير قرداحي ليست إشكاليّةً إعلاميةً فحسب أو تعبيراً عن موقف سياسي ممّا يجري في اليمن، بل لها أبعاد أعمق تتعلّق بكلّ المعركة الدائرة في لبنان والمنطقة.
وفي حين ربطت بعض الأوساط المؤيّدة للحزب ما يجري بالتطوّرات الميدانية في اليمن، وخصوصاً السيطرة على منطقة مأرب، فإنّ أوساطاً أخرى أشارت إلى أنّ الضغط السعودي والخليجي له علاقة بالمفاوضات الإيرانية – السعودية، وأنّ الوضع اللبناني هو ورقة ضغط في هذه المفاوضات. لكنّ اللافت كان الموقف الذي أعلنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بقوله إنّ “هذه المعركة مرتبطة بالانتخابات النيابية المقبلة، وإنّ الضغوط على لبنان ستزداد وتقوى، وقد تهدف إلى تعطيل الانتخابات النيابية لأنّ نتائج هذه الانتخابات لن تكون لمصلحة حلفاء السعودية في لبنان”.
يبدو أنّ تصلّب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وعدم موافقته على إقالة الوزير قرداحي، وترك الأمر للقرار الشخصي لوزير الإعلام، وعدم توافق رئيسيْ الجمهورية والحكومة على إقالة الوزير، ورفض قرداحي للاستقالة إلا بعد الحصول على ضمانات معيّنة بمعالجة المشكلة، والتدخّل الأميركي – الفرنسي لمعالجة المشكلة ورفض استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والسعي إلى تهدئة الأجواء من خلال التواصل مع المسؤولين السعوديّين، كلّ هذه المؤشّرات تؤكّد أنّ مشكلة تصريحات الوزير قرداحي وردود الفعل عليها لها أبعاد أعمق من إشكاليّة الموقف الإعلامي من حرب اليمن، وأنّها مرتبطة بتحديد مستقبل الوضع في لبنان والمنطقة، وبالمفاوضات الإيرانية – السعودية، وبالمفاوضات حول الملفّ النووي الإيراني، التي تتواصل المحاولات للعودة إليها، في ظلّ تصعيد إسرائيلي وتهديدات بالذهاب إلى الخيار العسكري في حال فشل المفاوضات والخيار الدبلوماسيّ.
إقرأ أيضاً: بعبدا تطلب الحوار مع الرياض… وميقاتي “يطلب النجدة”
نحن إذن أمام خلط أوراق كبير في لبنان والمنطقة، وتصريحات الوزير قرداحي كشفت هشاشة الواقع السياسي اللبناني وإمكانيّة تعرُّض لبنان لمزيد من الضغوط الخارجية مستقبلاً، في ظلّ مخاوف من تصعيد كبير في الأيام المقبلة على كلّ الصعد. وهذا ما حذّرت منه بعضُ الشخصيّات المطّلعة في إيران بعضَ الجهات اللبنانية طالبةً منها الحذر والانتباه إلى ما قد يحدث في المرحلة المقبلة، وعدم الانجرار إلى أيّ تصعيد أمنيّ أو سياسي كبير.
فهل تُطوى صفحة تصريحات الوزير قرداحي بسرعة أم تكون فتيلاً لإشعال معركة كبرى حول مستقبل لبنان والمنطقة؟