أسهَمَت أزمة لبنان غير المسبوقة مع دول الخليج في اندلاع أزمات سياسية “صامتة” على مستوى قوى الداخل، وظهرت من خلال:
– التعارض بين حركة أمل وحزب الله حول مطلب استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، والموقف العامّ ممّا يعتبره الحزب “حرباً مُعلنة ضدّه” من السعوديّة والإمارات. وآخر النماذج، بعد صمت قيادات الحركة، خلوّ بيان المكتب السياسي لحركة “أمل” أمس من أيّ إشارة إلى الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج التي تكاد تطيح بحكومة “صديق” الرئيس نبيه برّي.
– دخول عامل توتّر إضافي على خطّ العلاقة بين الحليفين حزب الله وميشال عون ربطاً بكيفيّة مقاربة الأزمة التي بدأ طرف خيطها من تحقيقات مرفأ بيروت، وامتدّ إلى أحداث الطيونة وصولاً إلى انفجار بركان الغضب السعودي بوجه حكومة يعتبرها رئيس الجمهورية “فرصةً أخيرةً” لإنقاذ ما تبقّى من عهده.
ما يثير هواجس فريق ميقاتي هي العلاقة التي تنحو نحو السلبيّة بين واشنطن والرياض، لأنّ سقف الاشتباك العالي قد يطيح بالحكومة
في هذا السياق، اعتبر قريبون من أوساط رئيس الجمهورية وجبران باسيل أنّ “القرار بعدم تقديم قرداحي استقالته موجّه ضدّ العهد مباشرة، حتّى لو لم يقُد إلى تراجع فوريّ عن الإجراءات الخليجية، إذ لن يحتمل العهد في آخر سنته ضربة إقليمية بهذه الخطورة”.
– وجود استياء رئاسي في قصر بعبدا من “استخدام” حزب الله وزيراً في الحكومة، يصدف أنّه مسيحي، والإملاء عليه عدم الاستقالة ضمن سياق مواجهة مع المحيط السنّيّ قد لا يكون للبنان قدرة على تحمّلها، والمسيحيون قد يذهبون فرق عملة فيها. الوزير عبدالله بو حبيب، المحسوب على رئيس الجمهورية، وبعد إعلان “صديقه جورج”، كما وصفه، قراره بعدم الاستقالة، لم يتردّد في إبداء تخوّفه من أن “يتحوّل إلى كبش محرقة في قضية باتت أكبر منه”.
– تعرُّض الحكومة لهزّة داخلية بسبب خروج وزراء فيها عن مبدأ التضامن الوزاري، وفق أوساط ميقاتي. وقد سجّل الأخير انزعاجه الشديد من تغريدة وزير الأشغال علي حميّة، مع توجّسه من المواقف التصعيدية لبعض نواب الحزب وقياداته. وقد بقيت قناة التواصل الأساسية مع الحزب عبر الحاج حسين خليل شغّالة طوال الأيام الماضية.
وعلى وقع عودة سفراء لبنان “المطرودين” من دول السعودية والإمارات والبحرين والكويت، لا يُعوَّل الكثيرُ على لقاءات رئيس الحكومة على هامش قمّة المناخ في اسكتلندا، ومن بينها اللقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما دامت المعادلة، باعتراف معسكريْ المواجهة اليوم، وإن من منطلقات متناقضة تماماً، هي “محور ضد محور”، الأمر الذي يحوِّل الاستقالة إلى تفصيل هامشيّ جدّاً. لكن مع ذلك راهنت عليه رئاسة الجمهورية وميقاتي ورئيس مجلس النواب منعاً للذهاب نحو الأسوأ.
بيد أنّ قريبين من ميقاتي أكّدوا أنّ “رئيس الحكومة حاول قبل العودة إلى لبنان إنضاج ظروف المعالجة، وتخفيف الاحتقان، وتلمّس خارطة طريق أكثر وضوحاً لمسار الأزمة، ومعرفة إمكان تجاوزها وبأيّ كلفة”.
تفيد المعلومات بأنّ فرط عقد خليّة الأزمة في وزارة الخارجية له لسببان: المواقف الخليجية التصعيدية التي تلزمها تدخّلات دولية على مستوى عالٍ جداً، ومحاولة الخليّة ترجمة توافق رئيسيْ الجمهورية والحكومة على دفع قرداحي إلى تقديم استقالته
الغرب يحمي الحكومة
وقال هؤلاء: “الغرب لن يُغامِر بترك حكومة نجيب ميقاتي تسقط من دون بديل يلوح في الأفق، وهو ما قد يُدخل لبنان في فوضى كاملة. والحكومة حتّى الآن هي حاجة دوليّة، ولا تزال تتمتّع بالدعمين الأميركي والفرنسي، والوساطات مستمرّة لإيجاد مسلك للخروج من هذا النفق”.
وفق المعلومات، وقبيل مشاركته في فعّاليّات قمّة التغيّر المناخي في غلاسكو، أجرى رئيس الحكومة اتصالات بالرئيسيْن عون وبرّي وبعض الأصدقاء، وكان الجامع المشترك تسليمهم بأنّ “الأزمة باتت أكبر من أيّ مساعٍ داخلية للجم تداعياتها”، ملمّحاً إلى أنّ “خيار الاستقالة هو من ضمن الاحتمالات الجدّيّة التي لن يكون مفرٌّ منها، خصوصاً في حال إعلان الدول الخليجية المعنيّة قطع العلاقات رسميّاً مع لبنان بعد تجاوزها مسألة استقالة الوزير، وهو واقع يجعل من الصعب على أيّ حكومة أن تتحمّله”.
لكنّ ما يثير هواجس فريق ميقاتي “هي العلاقة التي تنحو نحو السلبيّة بين واشنطن والرياض، لأنّ سقف الاشتباك العالي قد يطيح بالحكومة، إلا إذا تضافرت الجهود الأميركية والإيرانية والفرنسية لمنع ذلك، في وقت لم يعد جورج قرداحي وزيراً فحسب.
يقابُل ذلك عامل اطمئنان لدى فريق ميقاتي تجسّد من خلال “عدم ركوب الفريق السنّيّ، وعلى رأسه تيار المستقبل، موجة التصعيد الخليجي، باستثناء بيان رؤساء الحكومات السابقين الذي دعا إلى استقالة قرداحي وليس استقالة حكومة ميقاتي، وهذا تفصيل أساسيّ يعكس عدم رفع الغطاء السنّيّ الداخلي عن ميقاتي”.
وثمّة خطوط مفتوحة من بعبدا مع مفاتيح دوليّة لإقناع السعوديّة ببدء حوار مع الطرف اللبناني عبر وسيط غربي أو عربي. وتقول أوساط عون إنّ “هذا الحوار ضروريّ، وكان يجب أن يبدأ منذ سنوات لوضع العلاقات مع الرياض ودول الخليج ضمن إطارها المؤسّساتي وليس الشخصيّ”.
إقرأ أيضاً: حكومة ميقاتي “خارج الخدمة”: إنّها الحرب!
وتفيد المعلومات بأنّ فرط عقد خليّة الأزمة في وزارة الخارجية له لسببان: المواقف الخليجية التصعيدية التي تلزمها تدخّلات دولية على مستوى عالٍ جداً، ومحاولة الخليّة ترجمة توافق رئيسيْ الجمهورية والحكومة على دفع قرداحي إلى تقديم استقالته، لكنّ ردّة فعل حزب الله أحبطت هذا المسعى.