لن يَمثل رئيس الحكومة السابق حسّان دياب غداً أمام المحقّق العدلي طارق البيطار للاستماع إلى إفادته كمدّعى عليه. وزيارته إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والمواقف التي أعلنها الأخير وزبدتها “إمّا الجميع إلى التحقيق أو لا أحد”، لن تغيّر على ما يبدو في أجندة عمل المحقّق العدلي، الذي يُتوقّع أن يُصدِر مذكّرة توقيف غيابيّة بحقّه في امتداد لمسارٍ ارتضاه في تحقيقاته بالقفز فوق الدستور والقوانين. وهذا احتمال جديّ لكنّه غير مؤكّد. لأنّ الوكيل القانوني لدياب يدرس تقديم دعوى مخاصمة مع القضاء، ما يرفع يد البيطار عن اتخاذ أيّ إجراء بحقّ دياب فقط إلى أن تقرّر الهيئة العامة للتمييز، أو دفوعاً شكلية تفرض على البيطار تحديد جلسة لاحقة للتحقيق مع المدّعى عليه.
تفيد معلومات أنّ رئيس الجمهورية، وإثر الجلسة الأخيرة لجلسة مجلس الوزراء في 12 تشرين الأول الجاري، أجرى أكثر من اتصال مع الجهات المعترضة على أداء القاضي البيطار، مؤكّداً أنّه يعرف “بوجود ثغرات في التحقيق، لكنّ المسألة متروكة للمعالجة القضائية
وقد يتوجّه البيطار إلى إصدار مذكّرتيْ توقيف بحقّ النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق اللذين لن يمثلا يوم الجمعة أمام قاضٍ “ليس ذا صلاحيّة بالاستماع إليهما حتّى كشهود”.إلا إذا تقدّم وكلاؤهما القانونيون بدفوعٍ شكلية. عندها سيحدّد القاضي موعداً آخر للمتّهمين.
سيسبق كلّ هؤلاء عدم مثول رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اليوم أمام فرع التحقيق في مديريّة الاستخبارات تنفيذاً لقرار قضائي من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بطلب الاستماع إلى إفادته في أحداث الطيونة – عين الرمانة المرتبطة عضويّاً بالمسار الذي ينتهجه البيطار في تحقيقات المرفأ.
هنا تسييس وهناك تسييس. سقطت كلّ “محاضرات” الفريق الخصم للمدّعى عليهم في قضية المرفأ، والذين نظموا قصائد الشِعر على مدى أشهر في ضرورة احترام القضاء والقرارات القضائية وإدانة المُرتابين من أدائه، فإذا بهم يجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها يرفعون أبيات الهجاء في “الاستهداف السياسي” من بوّابة قضاء غبّ الطلب!
تنحو الأزمة بكل متفرّعاتها نحو مزيد من التعقيد. وبين محوريْ المرفأ وعين الرمانة – الطيونة يرتفع تدريجياً مستوى الخطاب السياسي والطائفي والمذهبي. حسان دياب في دار الفتوى، والبطريرك الراعي يلتقي عون وبرّي وميقاتي “مُستهجِناً” استدعاء جعجع إلى التحقيق، ونواب وقيادات من المعسكرين المتضادّين يستخدمون مصطلحات من زمن المتاريس والحرب الأهليّة.
سقطت كلّ “محاضرات” الفريق الخصم للمدّعى عليهم في قضية المرفأ، والذين نظموا قصائد الشِعر على مدى أشهر في ضرورة احترام القضاء والقرارات القضائية وإدانة المُرتابين من أدائه، فإذا بهم يجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها يرفعون أبيات الهجاء في “الاستهداف السياسي”
وهو واقع دَفَع مسؤولاً أمنيّاً إلى التحذير من مغبّة استمرار الشحن السياسي الذي قد يجعل الشارع أكثر عرضة للاشتعال بالتزامن مع تحرّكات يجري الإعداد لها في المناطق اعتراضاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وأخرى تأتي ضمن سياق قد يقود إلى الفوضى. مع تسجيل تحرّك مضاد من جانب القوات اليوم دعمًا لجعجع من خلال انتشارٍ لأنصار الأخير من جونية وحريصا مروراً ببكركي وصولًا إلى معراب مع توجّه لقطع عددٍ من الطرقات. وبالتزامن جرى إلغاء التحرّك الذي دعا إليه اتحادات النقل العام والنقل البرّي تحت عنوان “يوم الغضب”.
وقد عَكَس موقف رئيس الجمهورية أمس بضرورة العودة إلى اجتماع الحكومة سريعاً “لأنّ مجلس الوزراء لا يعيش فقط على عمل اللجان”، ضغطاً رئاسيّاً يُقابَل بضغطٍ مضادٍّ من جانب الفريق الشيعيّ الذي اعتبر نفسه المعنيّ برسالة الرئيس عون الذي دعا فيها إلى “ضرورة عدم تدخّل السياسيين في تحقيقات المرفأ”.
ومع ذلك، تردّدت معلومات عن مشروع حلّ سوّق له البطريرك بشاره الراعي خلال زيارته الرؤساء الثلاثة أمس ويقوم على وضع مجلس النواب يده على ملف ملاحقة رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء السابقين ومن يثبت تورّطه يحال أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وذلك في مقابل استمرار القاضي البيطار في تحقيقاته. وبدا الطرح غير صلب في ظل تشبّث المحقّق العدلي في ملاحقة من لا يجيز الدستور له ملاحقتهم.
وتفيد معلومات أنّ رئيس الجمهورية، وإثر الجلسة الأخيرة لجلسة مجلس الوزراء في 12 تشرين الأول الجاري، أجرى أكثر من اتصال مع الجهات المعترضة على أداء القاضي البيطار، مؤكّداً أنّه يعرف “بوجود ثغرات في التحقيق، لكنّ المسألة متروكة للمعالجة القضائية”.
وهو الأمر الذي دفع الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصرالله أخيراً إلى الغمز من قناة بعبدا قائلاً: “يقولون لنا معكم حقّ، وهناك شوائب في التحقيق، فلماذا أنتم صامتون؟”. ويأتي الجواب من محيط الفريق نفسه بالإشارة إلى أنّ “رئيس الجمهورية متوجّس من ردّة فعل الأميركيين، ويربطها بحسابات شخصية وسياسية، ولذلك يقف في المقلب المضادّ لنا بعدما وفّر الحماية للمدير العامّ لأمن الدولة اللواء طوني صليبا”.
إقرأ أيضاً: بكركي ترفض استدعاء جعجع
وبينما تفيد المعلومات بأنّ وزير العدل هنري خوري لم ينجح حتى الآن في تقديم اقتراح يلقى موافقة الطرف الشيعي، خصوصاً بعد سقوط اقتراح إنشاء هيئة اتّهامية في المجلس العدلي، لاقى اجتماع مجلس القضاء الأعلى مع القاضي البيطار يوم الاثنين أصداء سلبية لدى أوساط هذا الفريق الذي اعتبر الاجتماع “وكأنّه لم يكن، وفي أسوأ الحالات مَنَحَ المحقّق العدلي مشروعيّة قضائية في الاستمرار بأدائه المنحرف في تحقيقات المرفأ”.