في الصرح البطريركيّ، كان سيّئاً وقعُ خبر استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لأخذ إفادته في أحداث الطيّونة، على أثر إفادات موقوفين تحدّثت عن مسؤوليّته في إطلاق النار من جهة عين الرمّانة. وتزامن الإعلان عن هذا الاستدعاء مع زيارة قائد الجيش جوزيف عون للصرح، ولقائه البطريرك بشارة الراعي.
لا مبرّر لاستدعاء “رئيس أكبر الأحزاب المسيحية” في مفهوم بكركي، إذ ترى في هذا الإجراء عودةً إلى زمن استضعاف المسيحيّين: “وإلا فليُستدعَ كلّ المسؤولين المعنيّين بالأحداث، وليس رئيس حزب القوات وحده
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ البطريرك كان سبق أن طلب من العماد عون اللقاء متى رأى ذلك مناسباً. وقد أراد الراعي من لقائه عون “ليس الاطّلاع على مضمون التحقيق، بل التأكّد أنّ مسار التحقيق مستقلّ ولا يخضع للضغوط”. يتقاطع هذا الكلام مع عظة الراعي التي ألقاها في قدّاس إلهي مساء السبت، وقال فيها: “نتمنّى أن يَحترمَ التحقيقُ مع الموقوفين حقوقَ الإنسانِ بعيداً عن الترهيبِ والترغيبِ وما شابه. لا نريد تبرئةَ مذنِبٍ ولا اتّهامَ بريء. لذلك لا بدّ من تركِ العدالةِ تأخذُ مجراها في أجواء طبيعيّةٍ ومحايدةٍ ونزيهةٍ في الأحداث الأليمة التي حصلت أخيراً في بيروت. ونَحرِصُ على أن تَشمُلَ التحقيقاتُ جميعَ الأطرافِ لا طرفاً واحداً كأنّه هو المسؤولُ عن الأحداث. إنّ الجميعَ تحتَ القانون حين يكون القانونُ فوق الجميع”.
لا مبرّر لاستدعاء “رئيس أكبر الأحزاب المسيحية” في مفهوم بكركي، إذ ترى في هذا الإجراء عودةً إلى زمن استضعاف المسيحيّين: “وإلا فليُستدعَ كلّ المسؤولين المعنيّين بالأحداث، وليس رئيس حزب القوات وحده. لا يتعلّق الأمر بالدفاع عن جعجع، فلو حصل الأمر نفسه مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لكان لبكركي الموقف نفسه”، بحسب مصادر البطريركية.
الدولة مسؤولة، وعلى الوزراء المعنيّين تحمّل مسؤوليّتهم تجاه ما حدث، “فلا يتمّ توريط القضاء باستدعاءاتٍ انتقائيّةٍ واعتباطيّةٍ ومنحازةٍ من شأنِها أن تُعرِّضَ السلمَ الأهليَّ للخطر، إذ إنَّ الظلمَ يولِّدُ القهرَ، والقهرُ يولِّدُ الانفجار. ولا يجوزُ للقضاءِ الذي هو علاجُ الأحداثِ أن يَتسبَّبَ بأحداث”، والكلام للمصادر.
تتساءل بعض المصادر المعنيّة بالتحقيق: كيف يُستدعى جعجع والتحقيق لم ينتهِ بعد؟ مَن يحاول زجّ المؤسسة العسكرية في “مشكل” بين المسيحيين؟ هي أسئلة تُطرح بحذر بهدف عدم تكرار تجارب الماضي
تبرّر المصادر المقرّبة من بكركي هذا الكلام بأنّه ليس تدخّلاً في القضاء. خصوصًا عندما تُسأل عن لماذا يحق لبعض الشخصيات زيارة بكركي والاحتماء بعباءتها بينما لا يحق لشخصيات أخرى من طوائف أخرى بزيارة مرجعياتها الدينيّة والوقوف عند مواقفها، تجيب المصادر المقربة من بكركي على هذه الاشكالية بالقول إنها في قضية التحقيق في تفجير مرفأ بيروت سبق أن رفضت استقبال أي شخصية معنية بالتحقيق وليس لبكركي ازدواجيّة معايير في التعامل مع الملفّات القضائية لأنّ الفارق بين قضيّة تفجير المرفأ وأحداث الطيّونة كبير جدّاً ولا تجوز المقارنة بينهما: “تفجير المرفأ مرتكبه مجهول، أمّا بفضل كلّ الصور فإنّ مسار أحداث الطيّونة معلوم”. لذا ترفض بكركي استضعاف أهل عين الرمّانة الذين دافعوا عن بيئتهم. عبّر البطريرك عن ذلك بالقول: “لا نَقْبلُ، نحن المؤمنين بالعدالةِ، أن يَتحوّلَ مَن دافعَ عن كرامتِه وأمنِ بيئتِه لُقمةً سائغةً ومَكسرَ عصا. هؤلاء، مع غيرِهم، حافظوا على لبنانَ وقدّموا في سبيلِ وِحدتِه وسيادتِه ألوفَ الشهداء. نريد عدلاً في السويّةِ والرعيّة ولا نريد ظلماً في أيّ مكان. ابتَعِدوا عن نيرانِ الفتنة. إذا كانت الدولةُ سائبةً فنحن لسنا سائبين”.
تدرك بكركي أنّ مسار الأمور خطير مع محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمن الانقسام الطائفي في البلاد. غير أنّ استضعاف فريق وسلخ رئيس حزب عن حزبه، كما يحاول البعض أن يفعل، أمر أخطر. تتساءل بعض المصادر المعنيّة بالتحقيق: كيف يُستدعى جعجع والتحقيق لم ينتهِ بعد؟ مَن يحاول زجّ المؤسسة العسكرية في “مشكل” بين المسيحيين؟ هي أسئلة تُطرح بحذر بهدف عدم تكرار تجارب الماضي. يرفض المقرّبون اتّهامهم بتعزيز الانقسام الطائفي لأنّهم “أكثر حرصاً من أيّ وقت مضى على الشراكة الوطنية”، لكن اختصر الراعي بعبارة واحدة المزاج العامّ والتوجّه العامّ في قوله: “نحن لسنا سائبين”. وهي دعوة إلى أن لا يستضعف أحدٌ المسيحيين، “وألا يعودوا إلى زمن غازي كنعان وملفّات القضاء المفبركة”.
إقرأ أيضاً: هل تصدر مذكّرة إحضار بحقّ سمير جعجع…؟
تختم مرجعيّة مقرّبة من بكركي بقولها: “مَن لا يعرف المسيحيّين فليعلم أنّهم تاريخيّاً مقاتلون. اعتقدت منذ سنوات المنظّمات الفلسطينية أنّها تستطيع سحقهم، وأنّهم ضعفاء يسهرون ويمرحون وبيعملوا “سكي” على الثلج، لكن سرعان ما كان قزحيا وبطرس وبولس بالمرصاد، فكانت أكثر المواجهات دمويّة”.
لذلك حرصاً على عدم الدخول في مواجهات أخرى، فلتقُم الدولة بواجباتها.