هل تصدر مذكّرة إحضار بحقّ سمير جعجع…؟

مدة القراءة 7 د

لم يعد بالإمكان فَصْل مسار التحقيق في قضيّة انفجار المرفأ عن مسار التحقيق في أحداث الطيّونة والتحقيقات فيها من جانب مديريّة الاستخبارات، بإشراف النيابة العامّة العسكرية. فالأولى قادت إلى الثانية، وجامعهما المشترك قاضٍ اسمه طارق البيطار.

ويخفي هذا الربط مشهداً أكثر أهميّة. عمليّاً، نحن أمام “متراس” قضائي لجهة المرفأ يتمترس خلفه التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية في مواجهة “المعسكر” الآخر، و”متراس” قضائي لجهة الطيّونة يتمترس خلفه الفريق الشيعيّ في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع القوات اللبنانية، ومن “شظاياها” طلب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي من فرع التحقيق في الاستخبارات استدعاء رئيس الحزب سمير جعجع للاستماع إلى إفادته في أحداث الطيّونة.

يرى مراقبون أنّ البيطار، ومن ضمن هامش الصلاحيّات المُعطى له كمحقّق عدلي، يستطيع بكلّ بساطة عدم تلبية دعوة مجلس القضاء الأعلى

شُبِّعت القضيّتان بكثير من السياسة، وفاحت منهما روائح شعبويّة ومزايدات وحسابات مكشوفة وركيكة.

ومن الآخِر، لم يعد باستطاعة التيار والقوات معايرة النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق واللواء عباس إبراهيم بعدم المثول أمام المحقّق العدلي المتمادي في ارتكاباته بغطاء قضائي وخارجي.

فقد وفّر القصر الجمهوري الحماية الكاملة للّواء طوني صليبا بعدم منح الإذن بملاحقته. وما كان يردّده العونيون في مجالسهم الخاصّة قاله جبران باسيل علناً منذ أيام في معرض مخاطبته البيطار: “يا بتقدر تجيب الكلّ على التحقيق، أو ما حدن بروح على التحقيق. نحن عنّا كمان ناس بالحبوسة وانظلموا”.

أمّا جعجع فيُفترض أن يُلغي من قاموسه معايرة الآخرين بالهروب من وجه العدالة بعدما وضع شروطاً للحضور إلى فرع التحقيق في مديريّة الاستخبارات: “لا مانع لديّ وتكرم عينو، بس بشرط يروح حسن نصرالله قبلي. وعندما يتمّ التحقيق بشكل صحيح نحن جاهزون”.

 

جعجع و”تقمّص” المظلومية

لقد “تقمّص” جعجع مظلوميّة المدّعى عليهم في قضية المرفأ الذين يوجِّهون اتّهامات صريحة للقاضي البيطار بالتسييس والاستنسابيّة، وذلك عبر “إطلاق النار” على القاضي فادي عقيقي ووصف قريبين من جعجع التحقيق الذي يجري بإشرافه بـ”الباطل.”

وقد شكّل اتّهام جعجع لعقيقي بأنّه “مفوّض حزب الله” مزيداً من التسييس للملفّ، في وقت تجزم مصادر مطّلعة أنّ “فرع التحقيق في مديرية الاستخبارات، الذي يتولّى التحقيق في أحداث الطيّونة، يقوم بكلّ الإجراءات وفق إشارات قضائية مسبقة من مفوّض الحكومة، ومن بينها المواكبة الأمنيّة لبعض الجرحى في المستشفيات من مسلّحي القوّات الذين أُصيبوا خلال اشتباكات يوم الخميس الماضي. وتبيّن أنّ إصابة أحدهم حرجة، وقد خضع لجراحة دقيقة”.

وهكذا نفّذت مديرية الاستخبارات، بصفتها ضابطة عدليّة، إشارة القضاء باستدعاء جعجع إلى التحقيق عبر تبليغه هاتفياً من خلال أحد مساعديه. وفي حال تمنّعه عن الحضور، وهذا أمرٌ مؤكّد، يعود للقضاء فقط اتّخاذ ما يراه مناسباً بحقّه من إجراءات قضائية قد تكون مذكّرة إحضار أو مذكّرة بحث وتحرٍّ… أو بكل بساطة التطنيش.

وفيما تناقص عدد الموقوفين من الطرفين بعد إخلاء سبيل موقوفين سوريين ليصل إلى 17، فإنّ داتا كاميرات المراقبة ومحاضر بعض الإفادات باتت تضع القوّات مباشرة في مربّع الاتّهام بالضلوع في الإعداد العسكري المسبق لمواجهة أيّ تطوّر خلال مسار تظاهرة 14 تشرين الأول.

وهو الأمر الأساس الذي دفع القاضي عقيقي إلى استدعاء جعجع للتحقيق معه، إضافة إلى مقابلته التلفزيونية التي تلت أحداث الطيّونة، ومواقف بعض نواب القوات التي جاءت في إطار تبنّي مواجهة المحتجّين بالسلاح.

لم يعد باستطاعة التيار والقوات معايرة النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق واللواء عباس إبراهيم بعدم المثول أمام المحقّق العدلي

مجلس الوزراء “مكربج

يلاقي الاستدعاءات المُجمّدة في القضيّتين جمودٌ كاملٌ على خطّ إعادة تفعيل جلسات مجلس الوزراء، في ظلّ إصرار حركة أمل وحزب الله على وضع حدٍّ لمسار البيطار “المُنحرف” في إدارة التحقيق العدلي.

وفق المعلومات، لا يتوافق رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود مع مدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات على التوجّه نفسه حيال استدعاء البيطار واجتماعه مع أعضاء المجلس.

ومع تسليم عبّود بأنّ هناك حدوداً واضحة لتدخّل مجلس القضاء الأعلى في عمل أيّ محقّق عدليّ، فإنّ حجم القضيّة يستأهل انعقاد الجلسة للتداول والاستفسار من دون فرض شروط وإملاءات.

أمّا عويدات فيرى أنّه في ظلّ عدم وجود صلاحيّة للمجلس لتصويب مسار المحقّق العدلي باستثناء إحالته إلى التفتيش القضائي، وهو أمرٌ غير واردٍ، لذلك فالخيار الأسلم هو عدم عقد الاجتماع.

ويرى مراقبون أنّ “البيطار، ومن ضمن هامش الصلاحيّات المُعطى له كمحقّق عدلي، يستطيع بكلّ بساطة عدم تلبية دعوة مجلس القضاء الأعلى”.

أمّا وزير العدل هنري خوري، الذي أُوكِل إليه إيجاد حلٍّ، فلا يزال يدور حولَ نفسِه. والأمر المؤكّد حتّى الآن أنّ الرؤساء ميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي ليسوا بوارد التوافق على اقتراحات قوانين تُقَرّ في مجلس النواب لتقييد عمل المحقّق العدلي، وكلٌّ منهم له أسبابه المختلفة، ولا سيّما أنّ غاية أمل وحزب الله سلوك أقصر الطرق لتنحية البيطار أو تصويب أدائه.

 

اقتراحات حلّ بالجملة

وفق المعلومات أيضاً، فإضافة إلى اقتراح إنشاء هيئة عدليّة اتّهاميّة من ثلاثة قضاة تتولّى بتّ النزاع حيال قرارات المحقّق العدلي، فإنّ اقتراحاً جدّيّاً أخذ مداه في النقاش لجهة إعادة النظر في نصوص إنشاء المجلس العدليّ بعد التيقّن من خطورة تسليم قاضٍ واحدٍ هو المحقّق العدلي صلاحيّات شبه مطلقة تحوِّله إلى حاكم بأمره.

وورد أيضاً اقتراح تحديد المرجع الصالح الذي تُقدَّم أمامه دعاوى الردّ في ظلّ وجود إشكاليّات في النصوص الحاليّة، والأهمّ هو حسم الجدل القائم بين مجلس النواب وبين المحقّق العدلي حيال المرجعيّة الصالحة لملاحقة الرؤساء والوزراء والنواب، بعدما تعدّى البيطار بوضوح على النصوص الدستورية.

ويَدفع رئيس الجمهورية بكلّ ثقله لانعقاد مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، فيما يوجّه محيطه اتّهامات صريحة للفريق الشيعي بممارسة ضغوط قد تؤدّي إلى انفجار الشارع على خلفيّة “كربجة” عمل الحكومة والذهاب نحو الأسوأ.

وقد صدرت عن اجتماع كتلة نواب حزب الله رسالة واضحة بأنّ فترة تصريف الأعمال قد تطول عبر دعوة الوزراء إلى “تفعيل إنتاجيّتهم ضمن هامش الصلاحيّات المتاحة لهم في وزاراتهم”.

هذا ويبقى أكبر لغم سيواجه الحكومة بُعيْد انعقادها هو التعيينات في مراكز إدارية وقضائية ودبلوماسية وفي الهيئات الناظمة، وهو ما يدفع ميقاتي إلى التريّث في الضغط من أجل التئام الحكومة إلى حين التوافق على التعيينات وملفّات أخرى لا تزال عالقة كالبطاقة التمويليّة وخطة الكهرباء.

تقول مصادر ميقاتي في هذا السياق إنّ “العمل الوزاري ماشي عبر اللجان التي يشارك فيها وزراء أمل وحزب الله بانتظار الفرج الحكومي، وهو ما قد يُسهّل بتّ الكثير من الملفّات بعد استئناف الجلسات”.

وفيما ردّ رئيس الجمهورية قانون الانتخاب بعد التعديلات التي طالته في مجلس النواب وبعد تقديم نواب التيار الوطني الحر طعناً في القانون، يجزم مطّلعون أنّ “ذلك سيعقّد أكثر المشهد الحكومي”.

إقرأ أيضاً: المسيحيون كلّهم: وقت الخطر… “قوّات”

وقد علّل عون الردّ بأسباب عديدة، أبرزها أنّ “إلغاء حقّ المغتربين بانتخاب نوابهم الـ6 دون مبرر يشكّل حالة من حالات اضمحلال أو تقليص الضمانات القانونيّة لممارسة حقوق أساسيّة”. واعتبر أنّ “موعد إجراء الانتخابات يمكن أن يتسبّب بعدم تمكّن ناخبين من ممارسة حقّهم الانتخابي بسبب العوامل الطبيعية والمناخية التي غالباً ما تسود في آذار (أمطار وعواصف رعدية وثلوج)، سيّما في المناطق الجبلية والجردية… ويحرم من حقّ الانتخاب 10685 مواطناً ومواطنة من جميع الطوائف، يبلغون سنّ الـ21 في الفترة بين أوّل شباط والثلاثين من آذار 2022”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…