نموذج السيسي: ما الذي يزعج الكبار ويخيفهم؟ (2/2)

مدة القراءة 9 د

أكثر ما يُزعج الكبار، بشكل مخيف، هو 3 أمور:

1- قدرة نموذج السيسي على تحقيق معادلة تنويع مصادر التسليح بشكل مؤهّل غير مسبوق. فهو النظام الوحيد الذي يمتلك أسلحة فرنسية وأميركية وروسية وصينية وكورية شمالية وإيطالية وألمانية وسويسرية وبرازيلية وبرتغالية ومجرية في آن واحد.

وتأتي مصر في صدارة دول المنطقة في عدد ومستوى وكفاءة المناورات التكتيكية الفردية والمشتركة لكلّ أفرع الأسلحة في السنوات السبع الأخيرة.

وهناك تخوّف استراتيجي دائم من أمرين متناقضين:

2- الخوف من تحوّل مصر إلى دولة فاشلة يمكن أن تتسبّب بفوضى سخيفة غير مسبوقة في محيطها ولدى جيرانها، وأهمّهم إسرائيل.

في عهد الرئيس السيسي هناك إنجاز فعلي حقيقي على الأرض غير مسبوق تاريخياً، لكن  للأسف لا تسويق له في الداخل أو الخارج


3- الخوف من أن يحدث ما هو حادث الآن، وهو تنامي قوّة مصر بشكلٍ يجعلها في حالة استقلال ذاتي وقوة داخلية يمكن أن تنعكس على محيطها الإقليمي، وتجعل مصر تنافس مراكز القوة غير العربية، وهي تركيا وإيران وإسرائيل.

إذن الخوف الدولي من مصر الفاشلة، وأيضاً الخوف الأكبر من “مصر القوية المستقلّة”.

المطلوب دوليّاً للدور المصريّ أن يجمع بين أن تكون “مصر غير فاشلة، وأن تبقى دائماً تحت السيطرة لأنّها في ظرف اقتصادي ضاغط وبحاجة إلى المساعدات والدعم الدولي”.

مصر القوية في الداخل تصبح الدولة “السوبر إقليمية، وذلك على مرّ التاريخ”.

حدث ذلك في عهد رمسيس الثاني، وصلاح الدين، ومحمد علي باشا، وجمال عبدالناصر، وحسني مبارك في تحرير الكويت.

والآن يتمّ بمفهوم جديد للقوّة، وهو المفهوم الصحيح للقوة التي تبدأ بقوة الاقتصاد الوطني، وخفض الاعتماديّة على الغير، ورفع مستوى الخدمات الأساسية للشعب المصري.

يدرك الرئيس السيسي أنّ مصر القوية يجب ألا تكون قوية عن حقّ بجيشها فقط، فتعريف ومفهوم القوة عنده هو قوة شعب يدعمه الجيش.

من هنا كان لا بدّ من نقل نموذج القوة الذي جعل جيش مصر التاسع عالميّاً، حسب مؤشّر “فاير باور” العسكري، إلى أداء كلّ المؤسسات المدنية.

المسألة ليست عسكرة مصر، أو تحويل البلاد والعباد إلى ثكنة عسكرية كبيرة كما يدّعي إعلام الإخوان، لكنّها مشروع إصلاحي شامل تقوم به المؤسسة الأكثر قدرة والأكثر كفاءة من أجل إنقاذ البلاد والعباد من انهيار مشروع الدولة وإعلان إفلاس الاقتصاد المصري.

من هنا يمكن الاستدلال على حجم “الإنجاز المعجزة” الذي تمّ في 92 شهراً، بموارد شبه معدومة لا يمكن أن ينكرها أكثر خصوم نظام 30 حزيران 2013.

باختصار إنّه أعلى وأسرع وأضخم إصلاح شامل شهدته مصر منذ عصر محمد علي باشا منذ قرنين من الزمان.

لذلك نعرض، على سبيل المثال وليس الحصر، ما أنجزه الرئيس والجيش وشعب مصر في الـ92 شهراً الماضية:

1-  الحفاظ على الدولة الوطنية.

2-  معيار القوة الشاملة يبدأ بالاقتصاد وينتهي بالقوة العسكرية.

3- الرضاء للمواطنين ليس بالوعود ولكن بالإنجازات الملموسة على الأرض.

4-  أوّل حقوق الإنسان هو حقّه في الحياة الكريمة.

5-  إصلاح أحوال الناس مسألة حياة أو موت.

6-  علاج أمراض المجتمع صعب ومؤلم، ويجب ألا يعرف التردّد.

7-  مصر القوية واجب وطني مصري، لكنّه أمر يخيف دولاً في المنطقة، وأمر غير مرغوب فيه من الكبار.

8-  مصر لا تلعب لعبة المحاور.

9-  مصلحة البلاد التعاون مع الجميع إقليمياً ودولياً.

10-  تنويع مصادر السلاح مسألة حياة أو موت.

11-  استخدام القوى العسكرية هو آخر الخيارات.

12-  سيناء، اليمن، السودان، ليبيا، سدّ النهضة، كلّها محاولات لاستدراج مصر عسكرياً بهدف تعطيل مشروع الإصلاح المصري عبر استراق مواردها.

13-  لا سقف للحكم، ومصر القوية يجب أن تكون مصر الكبرى.

14- الوقت هو العدوّ الرئيسي لمشروع الإصلاح المصري، لأنّ الناس التي عانت لأكثر من نصف قرن من صعوبات الحياة لا وقت لديها للانتظار، لذلك السباق مع الزمن محموم.

15- نقص الموارد هو حجّة بليدة ومبرِّر غير مقبول للفشل ولبطء الإنجاز.

16- الديموقراطية آتية، لكن بعد تحديث البشر والحجر في مصر، وإلا فستكون مشروعاً فاشلاً.

17-  لا تكبت مَن يعمل، ويجب عدم الهبوط بمستوى الحوار.

18-  السياسة هي خدمة المصالح العليا للبلاد، وليس العكس.

19-  مستعدّ للذهاب إلى آخر العالم لخدمة مصر.

20-  هناك ذراعان للقوّة المصرية: القوى العسكرية والتأثير الاقتصادي.

تركيبة السيسي هي تركيبة نادرة. فهو إداري عمليّ براغماتي صارم إلى أقصى حدّ، لكنّه أيضاً مؤمن متديّن إنساني متعاطف، في داخله حالة زهد ونزعة صوفية صافية

– لاحظ تاسع قوة عسكرية في العالم.

–  لاحظ معدّل التنمية في المنطقة حسب تقرير صندوق النقد الدولي.

–  لاحظ أهمّ بانٍ للسدود في إفريقيا.

 – لاحظ آفاق خطّ الكهرباء مع السعودية، وآخر مع السودان وليبيا، وآخر مع الأردن وسوريا يصل إلى لبنان، وأخير مع قبرص واليونان لدعم أوروبا.

–  لاحظ أهمّ دولة في اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط.

–  لاحظ أهمّ مصدر للسدود والموالح في العالم العربي والعالم.

–  تحسين الخدمات العامّة للناس مسألة مصيرية.

–  لاحظ مشروع حياة كريمة لتنمية الريف المصري.

–  لاحظ بناء عاصمة إدارية مثالية و12 محافظة جديدة تُضاف إلى تطوير المحافظات القائمة.

–  لاحظ برامج الدعم الاجتماعي.

–  لاحظ مشروعات صغار المستثمرين وشباب الأعمال والأسر المنتجة والمرأة المعيلة.

–  لاحظ نقل مليون ونصف مليون مواطن من خراب العشوائيات إلى مساكن آدميّة.

–  لاحظ تحقيق المعدّل العالمي في شفاء مرضى الكبد الوبائي باعتراف منظمة الصحة العالمية.

–  لاحظ التطوير الشامل للمستشفيات العامّة، وإنشاء البرامج الرئاسية للكشف المبكر المجاني لكلّ المواطنين.

–  لاحظ تطوير نظام بطاقات التموين ومضاعفة قيمة الطعام المدعوم على البطاقات.

–  رفع الحدّ الأدنى للأجور لموظّفي الدولة الذين يعملون والبالغين 7 ملايين موظف وعامل.

21 – في الوقت ذاته هناك صراحة شديدة وانضباط غير مسبوق في الحفاظ على حقوق الدولة في الأراضي المستولى عليها، وفي متابعة عمليات التهرّب الضريبي ورسوم التصاريح وتوفيق الأوضاع.

هنا للأمانة لا بدّ من طرح السؤال: ما هو التحدّي الأكبر الذي يواجهه عهد الرئيس السيسي؟

إنّها قضية ورثها، وهي شديدة التعقيد والصعوبة، وهي كيفيّة “تشكيل وعي سياسي في البلاد عبر وسائل إعلام ليست على مستوى الإنجازات”.

في عهد الرئيس جمال عبد الناصر كان الإعلام الرسميّ يخلق صورة ذهنية تقوم بتسويق مشروع الناصريّة القائم على قوّة قادرة على قهر العدوّ الإسرائيلي، وقادرة على تحقيق رخاء اقتصادي يصل إلى مرحلة إنشاء “تماثيل رخام وأوبرا على كل قرية عربية”، حسب أشعار العظيم صلاح جاهين.

في عهد الرئيس السيسي هناك إنجاز فعلي حقيقي على الأرض غير مسبوق تاريخياً، لكن  للأسف لا تسويق له في الداخل أو الخارج.

في عهد السيسي الإنجاز أكبر من التسويق بعكس عهد عبد الناصر.

يقول مصدر يعرف التركيبة الشخصية للرئيس السيسي: “نحن نتحدّث عن ابن الطبقة فوق المتوسطة. عاش في حيّ الجمالية، وحفظ القرآن في صباه، وعاصر الصناعة الحِرَفيّة اليدوية في متجر والده، وعرف فن البيع في المحلّ التجاري في البازار بمنطقة الحسين”.

ويضيف المصدر: “عاش الصبي عبدالفتاح السيسي في منزل فيه المسلم والمسيحي واليهودي، في منطقة تعرف التديّن الصافي والتسامح الديني بلا أيّ تعصّب”.

ويتابع المصدر: “عشق الحياة العسكرية وكان يحلم أني كون طيّاراً مقاتلاً”.

عالم عبدالفتاح السيسي واسع بلا حدود، ساعده على ذلك سلسلة من الخبرات الحياتية في الكلّيّة الحربية، وسلاح المشاة، والمنطقة العسكرية الشمالية، والاستخبارات الحربية والاستطلاع، والدورة العسكرية في كليّة أركان الحرب الأميركية بمدينة كارتيل بولاية بنسلفانيا.

تقول تقارير أساتذة السيسي عنه: “كان طالباً مميّزاً، يسمع أكثر ممّا يتكلّم، لديه دائماً أسئلة عميقة ومدروسة”.

ويقول أحد زملائه: “كان متديّناً، لكن ليس متعصّباً، وكثيراً ما كان يؤمّ زملاءه المصلّين في أداء الصلاة بالمسجد في مواعيدها”.

وقيل أيضاً إنّه “رجل شديد الانضباط، شديد التهذيب، مجامل ولطيف مع الجميع”.

أعطت هذه الدراسات الرجل فرصة لرؤية العقيدة الغربية فطريّاً وعمليّاً عن قرب.

لم يخرج الرجل من هذه التجربة بمواقف متطرّفة إعجاباً أو عداءً، لكن تعامل معها بعقل مفتوح يقدِّر الإيجابيّات ويفهم مخاطر السلبيّات.

يدرك السيسي أنّ الكبار الأميركيّين، الروس، الصينيين، الإنكليز، الفرنسيين، الألمان، جميعهم يضعون قراراتهم الخارجية لخدمة مصالح داخلية بالدرجة الأولى، وأنّ كلّ هؤلاء الحكّام على استعداد للبيع والشراء، الشدّ والجذب، الأخذ والعطاء، المساندة أو التخلّي، بناء على مصالحهم الوطنية وما يخدم مراكزهم في الحكم.

لا توجد أوهام عنده في وجود عواطف لدى هؤلاء الحكّام، لكنّه بالتأكيد يدرك أنّ بناء علاقات شخصية قائمة على التفاهم والاحترام هو أمر يدعم خدمة مصالح مصر العليا.

يخطىء تماماً مَن يعتقد أنّ الإنسان عبد الفتاح السيسي “راغب أو عاشق للسلطة”، إذ يعتبر “حكم مصر مسؤولية تنوء بحملها الجبال”. إنّ الحكم بشكل عامّ هو “ابتلاء في الدنيا، وله حساب صعب في الآخرة”.

تركيبة السيسي هي تركيبة نادرة. فهو إداري عمليّ براغماتي صارم إلى أقصى حدّ، لكنّه أيضاً مؤمن متديّن إنساني متعاطف، في داخله حالة زهد ونزعة صوفية صافية.

هذه التركيبة النادرة، وهذه الخبرات المتراكمة على مرّ السنين، تجعل لدى الرجل حلماً واحداً وحيداً، وهو أن يقف أمام المصريين والعالم في 30 حزيران 2030 ليعلن بكلّ فخر أنّه “استطاع منذ عام 2014 أن يبعد مصر عن انهيار الدولة، ويجعل منها سابع قوة اقتصادية في العالم وسادس قوة عسكرية”.

إقرأ ايضاً: نموذج السيسي: كيف فعلها الرجل؟ (1/2)

بعد أن يُعلن ذلك سوف يصلّي ركعتين شكراً لله، ثمّ يذهب إلى منزله الخاصّ، وقد بلغ 72 عاماً وهو يردّد: “الحمد لله، أنا مصري.. وأفتخر”.

هذا هو نموذج إنجاز رجل اسمه عبد الفتاح السيسي.

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…