عاش اللبنانيون ساعات رعب يوم الخميس الماضي بسبب سلاح حزب الله وحركة أمل الذي روَّع الآمنين في بيروت على خلفيّة مطالبة الحزب وأمل بضرورة تنحّي المحقّق العدليّ في قضيّة مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. ولا يهمّ مَن أطلق الرصاص أوّلاً، فالأهمّ هو مَن سمح للسلاح بأن يكون فوق الدولة، وغالباً للدولة، وهذه جريمة حزب الله بدون منازع.
منذ تشكّل الحكومة الجديدة، وهناك مطالبات لبنانية وفرنسية وغربية بضرورة دعم لبنان وحكومته، فهل هذا لبنان المطلوب دعمه سياسياً واقتصادياً؟ هل هذا لبنان الذي يرتضيه الرئيس الفرنسي، أو الإدارة الأميركية، ويطالبون بدعمه؟
إنّ قوى الاعتدال العربي محقّة عندما نأت بنفسها عن الخراب اللبناني، ومحقّة عندما وصلت إلى قناعة بأن لا أمل في الأوضاع اللبنانية، وهذا ليس انتقاصاً من اللبنانيين، ولا تقليلاً من معاناتهم، بل هو تقويم سليم للواقع الذي تسبّبت به إيران وميليشياتها في لبنان
هل هذا النموذج الأمثل لمفهوم دولة لم يتبقَّ منها شيء بسبب سلاح حزب الله؟ هل يُعقَل أن تقبل باريس، أو واشنطن، بلبنان المدمّر إيرانيّاً هكذا، لبنان الذي يوجِّه فيه حزب الله سلاحه إلى اللبنانيّين؟
هذه ليست المرّة الأولى، إذ سبق أن احتلّ حزب الله بيروت بقوّة السلاح. وهو الاحتلال الثاني لبيروت، إذ كان الأوّل إسرائيليّاً، وكان الثاني من قبل حزب الله. فهل هذا النموذج المطلوب في منطقتنا، حيث يقرّر حزب الله مَن القاضي المحقِّق في قضيّة متّهم هو فيها، وهي كارثة مرفأ بيروت؟ هل مقبول أن يُفسد حزب الله المحاكمة المتعلّقة بمرفأ بيروت، كما سُمِح له وللنظام الأسديّ بإفساد محاكمة الشهيد رفيق الحريري؟
وعليه، هل يمكن مساعدة لبنان المختطَف من قبل سلاح حزب الله الإيراني؟ هل مقبول أن تسود هذه الفوضى، بل الإرهاب، في لبنان والمنطقة؟ ألا يرى الغرب الدماء المُسالة في العراق، والرفض العراقي لهذا النموذج الإيراني الذي رأيناه بصورة صارخة يوم الخميس في لبنان؟
والسؤال هنا للفرنسيّين والأميركيّين، وكلّ الغرب: ما الفرق بين داعش والقاعدة مقارنة بما شهدناه في بيروت الخميس الماضي من قبل حزب الله وحركة أمل؟ الإجابة بسيطة جدّاً: لا فرق.
داعش والقاعدة يريقان الدماء، ويدمّران الدول، ويُذكيان الحروب الطائفية والأهليّة، وينتهكان كرامة الإنسان، وهذا ما تفعله الميليشيات المؤتمرة بأمر إيران في كلّ من لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن.
والسؤال للمرّة المليون: هل هذا ما تريده فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية للبنان أو العراق أو سوريا أو كلّ المنطقة؟ هل الإرهاب الإيراني مقبولٌ، فيما غيره مرفوض؟ هل هو الضعف الغربي، ولا سيّما الفرنسي والأميركي، أم هو القصور في الفهم السياسي الغربيّ؟
أعتقد أنّها كلّ ما سبق، وخصوصاً في الحالة الفرنسية، إذ إنّها مجرّد حالة تصريحات من دون أيّ قوّة مساندة تُذكر. إضافةً إلى ضعف أميركي مع إدارة لديها خلل حقيقيّ، ومهادنة ساذجة للتمدّد والإرهاب الإيرانيّيْن، وهذا الإرهاب ليس في المنطقة وحسب، بل وفي إيران نفسها.
إقرأ أيضاً: “الشارع بالشارع”.. مجانينُ نحن اللبنانيّين
ولذا فإنّ قوى الاعتدال العربي محقّة عندما نأت بنفسها عن الخراب اللبناني، ومحقّة عندما وصلت إلى قناعة بأن لا أمل في الأوضاع اللبنانية، وهذا ليس انتقاصاً من اللبنانيين، ولا تقليلاً من معاناتهم، بل هو تقويم سليم للواقع الذي تسبّبت به إيران وميليشياتها في لبنان وسط سذاجة غربية واضحة.
كان الله بعون اللبنانيين، لكن لا بدّ من قول الحقيقة، وهي أنّ لبنان بلد مكسور جُبِر كسره بالخطأ، ولا بدّ أن تُصحّح الأوضاع، وإن كان العلاج مؤلما.