انتخابات لبنان والعراق: إنّها السياسة… وليس الفساد

مدة القراءة 7 د

يوم الأحد المقبل تتوجّه الأنظار إلى العراق، حيث ستُجرى الانتخابات التشريعية التي كان إجراؤها أحد المطالب الأساسية لحراك تشرين العراقي قبل سنتين. والمفارقة أنّ “التشرينيّين” العراقيين غير متحمّسين للمشاركة في هذه الانتخابات باعتبار أنّها لن تبدّل الكثير في المشهد العراقي. لكن من المتوقّع في المقابل أن تشهد الانتخابات استقطاباً سياسياً حادّاً لأنّ نتائجها ستحدّد هويّة رئيس الحكومة المقبل، وعلى وجه أكثر تحديداً ستحسم ما إذا كان رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي سيفوز بولاية ثانية أو لا.

ولعلّ الدور المهمّ والنوعيّ الذي لعبه الكاظمي طوال فترة ولايته، سواء داخل العراق أو في المنطقة عموماً، في لحظة إقليمية ودولية حرجة جدّاً، زاد من أهميّة موقع رئاسة الحكومة العراقية وجعله أحد المعايير الرئيسية الذي تُقاس عليه مسارات العلاقات الإقليمية والدولية في المنطقة، سواء اتّجهت نحو الصدام أو الحوار والتلاقي.

ينظر الحزب إلى الاستحقاق الانتخابي في 27 آذار بوصفه استحقاقاً مصيريّاً لا يقلّ أهمّيّة أبداً عن انتخابات 2005 و2009 و2018، لا بل هو يفوقها أهميّة على وقع وتيرة الاشتباك الأميركي – الإيراني

على المنوال نفسه، ستُحدّد الانتخابات التشريعية اللبنانية، المرتقبة مبدئيّاً في 27 آذار المقبل، هويّة الرئيس اللبناني المقبل، وهو ما يشكّل أحد أبرز أسباب أهمّيّتها. لكنّ الرئيس ميشال عون لم يلعب طوال فترة ولايته أدواراً كبرى كتلك التي لعبها الكاظمي، لا بل على عكس الكاظمي، كان الرئيس عون منذ بداية عهده رئيساً طرفاً في اللعبة الداخلية وفي خريطة المحاور الإقليمية، أي أنّه راعى إلى الحدود القصوى سياسات حليفه الرئيسي حزب الله الذي اعتبر نائب أمينه العام الشيخ هاشم صفي الدين أخيراً أنّه جزء من “المعادلة الإقليمية”. تلك المعادلة التزم بها العهد، فلم يحاول إقامة توازن بين موازين القوى الداخلية ومصالح لبنان الخارجية على غرار الكاظمي الذي حاول ونجح في تجنيب العراق تفاقم الاشتباك الإيراني – الأميركي على أرضه، وذلك على الرغم من كلّ الضغوط الإيرانية على الواقع العراقي من خلال الحشد الشعبي. أكثر من ذلك، استطاع الكاظمي رعاية 4 جولات حوار بين المملكة العربية السعودية وإيران، ولذلك ما عاد بالإمكان اعتبار مصيره بعد الانتخابات العراقية شأناً عراقياً بحتاً، بل أصبح شأناً إقليمياً بامتياز.

وبالتوازي مع تأثيرها على المستقبل السياسي للكاظمي، ستحدّد نتائج الانتخابات العراقية أيضاً حجم النفوذ الإيراني في عراق ما بعد “الانسحاب” الأميركي المقرّر قبل نهاية العام الحالي. ولذلك تهتمّ طهران بهذه الانتخابات، خصوصاً أنّ ثمّة جدالاً سياسيّاً مفتوحاً داخل العراق حول مستقبل الحشد الشعبي، ومن المتوقّع أنّ تكون نتائج الانتخابات الأحد مؤثّرة في مسار هذا الجدال.

يشكّل هذا الأمر نقطة تقاطع بين الانتخابات العراقية والانتخابات اللبنانية. فإيران تمتلك نفوذاً رئيسياً في كلا البلدين، وهي حريصة على تأكيده وتوسيعه، خصوصاً في ظلّ تحوّلات السياسة الأميركية في المنطقة. لكن على الرغم من ذلك تعرف طهران وحلفاؤها في المنطقة جيّداً أنّهم لم يكسبوا المعركة ضدّ “الشيطان الأكبر” مع أنّ نفوذهم اتّسع في أربعة بلدان عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن. ففي العراق سيواصل الجيش الأميركي مهمّاته الاستشارية والتدريبية، وفي سوريا ليس فإنّ انسحاب القوات الأميركية ليس محدّداً بعد. وحتّى لو انسحب الأميركيون من سوريا، فإنّ موسكو تسعى إلى اتفاق مع واشنطن حولها، وهو ما يثير ريبة طهران بحليفتها موسكو. وهي ريبة ذكّرت بها تطوّرات أذربيجان الأخيرة. أمّا في لبنان فتتصاعد حدّة تصريحات الحزب ضدّ أميركا، وقد كان أبرزها أخيراً توعّد الشيخ صفيّ الدين الوجود الأميركي في أجهزة الدولة، لكنّه أجّل المعركة لاجتثاثه إلى وقت لاحق! والأكيد أنّ هذا التصعيد من جانب الحزب متّصل اتصالاً وثيقاً بالانتخابات المقبلة، فهو بمنزلة هجوم دفاعي يقوم به الحزب إزاء استشعاره بتزايد الضغوط الأميركية عليه عشيّة الاستحقاق الانتخابي، وذلك بهدف زعزعة ثقته بإمكان حيازته الغالبية البرلمانية مجدّداً.

الظرفان الدولي والإقليمي مختلفان الآن عمّا كانا عليه في عام 2004. لكن في مطلق الأحوال ستكون الانتخابات اللبنانية المقبلة، في حال حصولها في موعدها، انتخابات ذات طابع جيوبوليتيكي بامتياز

لذلك ينظر الحزب إلى الاستحقاق الانتخابي في 27 آذار بوصفه استحقاقاً مصيريّاً لا يقلّ أهمّيّة أبداً عن انتخابات 2005 و2009 و2018، لا بل هو يفوقها أهميّة على وقع وتيرة الاشتباك الأميركي – الإيراني. وفي هذا السياق، يُطرَح سؤال رئيسيّ عن مدى تأثير تطوّرات المفاوضات النووية الإيرانية – الأميركية على مسار الانتخابات اللبنانية. فهل استئناف المفاوضات في الأسابيع المقبلة سيجعل واشنطن تليّن موقفها من حزب الله، وتمتنع عن توظيف إمكاناتها القصوى لكي يخسر الغالبية النيابية؟

وحتّى لو توصّلت واشنطن وطهران إلى اتفاق حول الملفّ النووي، فإنّ مصير تفاهمهما حول ملفّيْ توسّع إيران الإقليمي وبرنامجها الصاروخي يبقى معلّقاً بل مستبعداً، وهو ما سينعكس مباشرة على لبنان، حيث يمثّل حزب الله بقوّة هذين الملفّين. لذا فإنّ عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع إيران المعروف بخطة العمل الشاملة لن تؤدّي بالضرورة إلى غضّ طرفها عن نفوذ حزب الله في لبنان. وكلّ ذلكّ من شأنه أن يوضح الإطار الجيوسياسي العريض الذي ستجري أو لا تجري في ظلّه الانتخابات النيابية.

الأكيد أنّ إيران وحلفاءها لن يبدّلوا سياساتهم تجاه الولايات المتحدة مهما انعكست تحوّلات سياساتها في المنطقة إيجاباً عليهم. فها هي طهران، وعلى الرغم من وصفها جلسات الحوار مع الرياض بـ”البنّاءة”، إلّا أنّها لم تثنِ حليفها الحوثي عن مواصلة قصف الأراضي السعودية بطائرات بدون طيّار وبصواريخ باليستيّة. وعلى المنوال نفسه، لن تهادن إيران وحلفاؤها الأميركيّين، أقلّه خطابيّاً وسياسيّاً، في حال عقدت طهران وواشنطن اتفاقاً حول الملفّ النووي. من هنا فإنّ وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، من بيروت، عن أنّ وجود القوى الغربية في ربوع المنطقة يشكّل العامل الأساسي الذي يعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، يُفهم على أنّه كلام مفتاحيّ لاستراتيجيّة إيران خلال المرحلة المقبلة. ويتقاطع منوقفه مع توعّد صفيّ الدين “الوجود الأميركي في أجهزة الدولة”. وفي المحصّلة فإنّ إيران وحلفاءها يصوّرون المعركة الانتخابية في العراق ولبنان كجزء رئيسي، أو نقطة مفصليّة، في مسار صراعهم مع أميركا.

والسؤال المطروح إزاء هذا الواقع هو: ماذا سيفعل الغربيون، وتحديداً الأميركيين، إذا أرجأت السلطة الحالية الانتخابات بدفع من الحزب في حال استشعر الأخير أنّه قد يخسر الغالبية البرلمانية في ظلّ التحوّلات الكبرى في المزاج الشعبي بعد 17 تشرين 2019؟ لا سيّما أنّ حليفه الرئيسي التّيار الوطني الحرّ يواجه تحدّياً انتخابياً جدّيّاً في الساحة المسيحية، جعل رئيسه جبران باسيل يقنّن ظهوره الإعلامي ويقصره على الحديث عن الانتخابات، وهو ما يعكس انهماكه بالاستعداد للمعركة الانتخابية التي ستكون قاسية جدّاً عليه.

وهل يشكّل الإصرار الغربي على إجراء الانتخابات في موعدها توطئة لتصعيد دولي ضدّ السلطة والحزب في حال أُرجِئت الانتخابات، تماماً كما حصل في عام 2004 عندما شكّل التمديد لإميل لحود بداية مسار تصعيد دولي ضدّ نظام الوصاية السورية تُوِّج بإصدار القرار الـ1559، ثمّ انسحاب القوات السورية من لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

إقرأ أيضاً: الانتخابات النيابيّة: مع إيران أو ضدّها

الظرفان الدولي والإقليمي مختلفان الآن عمّا كانا عليه في عام 2004. لكن في مطلق الأحوال ستكون الانتخابات اللبنانية المقبلة، في حال حصولها في موعدها، انتخابات ذات طابع جيوبوليتيكي بامتياز، ولن تكون أبداً حقلاً لمكافحة الفساد، وهو الشعار الذي ينادي به الجميع، ومن بينهم الأشدّ فساداً!

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…