الانتخابات النيابيّة: مع إيران أو ضدّها

مدة القراءة 5 د

هل تتأجّل الانتخابات النيابية؟ كل الكلام الرسمي على وسائل الإعلام للقوى السياسية المؤثّرة يؤكّد إجراء الانتخابات في موعدها، لا بل يذهب بعيداً في تأكيد حتميّة إجرائها من دون تعديل أو تأجيل. إلا أنّ الوقائع الميدانية والشعبية، وما يدور في الكواليس من همسات وهمهمات، تشير إلى أنّ التأجيل بات أقرب إلى أن يكون قراراً عند قوى السلطة وسط مخاوف تتنوّع من حزب إلى آخر، ومن تيّار إلى آخر، إلا أنّها كلّها تلتقي عند حتمية هذا التأجيل.

هل يمكن تأجيل الانتخابات، المفترض أنّها ستضع حدّاً لكلّ هذا التردّي البرلماني والحكومي والاقتصادي في البلاد؟

حادثة “شويّا”، وقبلها “خلدة”، وما بينهما تغريدة النائب وليد جنبلاط الذي قال فيها: “سمعت أنّ دولاً ستصرف مليار دولار على أندية المجتمع المدني المتعدّدة. أفضّل إعطاء هذا المال للمستشفيات الحكومية وللجيش وقوى الأمن وللمؤسسات المعروفة، مثل المقاصد، عين وزين، الجامعة الأميركية، وغيرها من المؤسسات التربوية والاستشفائية”، جعلت القوى السياسية الرئيسية تهاب صناديق الاقتراع وما يمكن أن تحمله من مفاجآت، بخاصّة مع غياب القدرة على الحشد للتوجّه إلى هذه الصناديق.

وعليه تلوح معركة مقبلة بين سلطة سياسية تأمل وتعمل لتأجيل الانتخابات خوفاً من خسارات مقبلة عليها حتماً، ولو بنسب متفاوتة، وبين مجتمع دولي لا يترك مناسبة إلا يؤكّد فيها ضرورة الالتزام بموعد الانتخابات النيابية المقبلة المقرّرة في ربيع 2022.

فلِمَن تكون الغلبة؟ 

بدأت القوى السياسية والطائفية بتحصين ساحاتها. فمخاوف وليد جنبلاط من مدى تأثير الأموال المقبلة على المشهد الانتخابي في الجبل، قابلها بتحصين الساحة الدرزية عبر التقاء القيادات الدرزية في خلدة، واتفاقها على الاختلاف. من جهته، بدأ سعد الحريري المعركة أيضاً من بوابة الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة، ومحاولة شدّ العصب السنّيّ عبر التصعيد بوجه حزب الله، وبدأ المسيحيون الاستعدادات الانتخابية في مناطق نفوذهم من بوابة تفجير المرفأ خشيةً من الأسوأ. غير أنّ مشهد الاستعدادات هذا لا ينفي اقتناع القوى بأنّ خرق لوائحهم أصبح أمراً مؤكّداً. لا تنحصر هذه القناعة بالمسيحيين والسنّة والدروز، بل إنّ احتمال الخرق موجود لدى اللوائح الشيعية أيضاً، وتحديداً في بيروت.

تحدّث جنبلاط في ما لا يجرؤ كُثُر على التحدّث فيه: تأثير التحوّلات، التي أفرزتها احتجاجات 17 تشرين الأول 2019، والتدهور الاقتصادي الحادّ، على الأحزاب اللبنانية التقليدية، التي طالما نجحت في كل الاستحقاقات النيابية، بعد الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، وفق كل أنواع قوانين الانتخاب، التي فُصِّلت عمليّاً على قياسها. وإذا كانت معظم الأحزاب تعيد حساباتها الانتخابية، وتتصرّف على قاعدة أنّ “الانتخابات ستجري في موعدها”، إلا أنّها تجتمع على مصلحة مشتركة في العمل على تأجيل هذا الاستحقاق بسبب ضرره الشعبي عليها.

قال الأميركيون في أكثر من محطة إنّ “لبنان لن يكون لإيران”. وعلى قاعدة هذا الخطاب، ستكون الانتخابات المقبلة من أهمّ المفاصل التاريخية للبنان وللّبنانيين، بعد أكثر من قرن على ولادة “لبنان الكبير”

هل يمكن تأجيل الانتخابات، المفترض أنّها ستضع حدّاً لكلّ هذا التردّي البرلماني والحكومي والاقتصادي في البلاد؟

الرغبة المحلية السلطوية بتأجيل الانتخابات، هل يمكن أن تلاقي رغبة القوى الخارجية بإجراء هذا الاستحقاق لإحداث التغيير:

1- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبق أن تحدّث عن “التغيير في صناديق الاقتراع”، أثناء زياراته الثلاث إلى بيروت، بعد انفجار المرفأ في 4 آب 2020.

2- والأهمّ أنّ الأميركيين ليسوا في وارد السماح بتأجيل الانتخابات، كما بدا ذلك في كلمة السفيرة دوروثي شيا، لمناسبة الذكرى الـ245 لاستقلال بلادها، بقولها: “نشارككم في التطلّع إلى انتخابات العام المقبل التي تُعتبر في بعض النواحي الشكل النهائي للمساءلة أمام الجمهور. آمل أن يشهد العام المقبل خطوات مسؤولة إلى الأمام لإخراج لبنان من أزماته المتعدّدة، وتوجيهه نحو الازدهار الذي يستحقّه شعبه، وإفساح المجال أمام الإمكانات التي يمثّلها هذا البلد”.

الموقف الأميركي ليس جديداً، بل يعيدنا إلى سنوات مضت. فبعد استشهاد رئيس الحكومة رفيق الحريري في 14 شباط 2005، دار حديث في البلاد، كما هو حاصل اليوم، حول احتمال تأجيل الانتخابات. يومها قال السفير الأميركي في بيروت، جيفري فيلتمان، كلمته الشهيرة: “elections now”. وهي الانتخابات التي تلت تطوّرات عدّة في لبنان، بدءاً من انسحاب الجيش السوري في 26 نيسان من العام عينه، وعودة الرئيس ميشال عون من المنفى في 7 أيار، ثمّ إطلاق سراح رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع في 26 تموز.

قد يقول البعض إنّ ثمة فارقاً شاسعاً في المشهد السياسي بين عام 2005 واليوم. كلام صحيح. هذه المرّة يدخل المجتمع الدولي داعماً قوى ومجموعات لبنانية في الاستحقاق الانتخابي المقبل. سبق لوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان أن استقبلهم في قصر الصنوبر في بيروت معوِّلاً على قدرتهم على اختراق القوى التقليدية. “سنجيِّش المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات”، هكذا قال لودريان في وقت حذّرت فيه فرنسا، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، القوى اللبنانية من التذرّع بعدم الاتفاق على قانون انتخابي.

إقرأ أيضاً: عقوبات عقوبات عقوبات

الفوارق بين عام 2005 واليوم تؤكّد دخول المجتمع الدولي مرشِّحاً وناخباً في المعركة، وتؤكّد مفصليّة هذه المرحلة في سياق الاشتباك الأميركي الإيراني في المنطقة، وتحديداً في لبنان حيث بدأ كلام جدّيّ عن أنّ غياب الاتفاق على تشكيل حكومة سيؤدّي إلى عدم إجراء الانتخابات النيابية حكماً.

قال الأميركيون في أكثر من محطة إنّ “لبنان لن يكون لإيران”. وعلى قاعدة هذا الخطاب، ستكون الانتخابات المقبلة من أهمّ المفاصل التاريخية للبنان وللّبنانيين، بعد أكثر من قرن على ولادة “لبنان الكبير”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…