يروي رئيس اتحاد العائلات البيروتية الأسبق الدكتور فوزي زيدان أنّ “طلاب الليسيه الفرنسية الكبرى الكائنة في شرق بيروت واجهوا مشكلة كبيرة في الذهاب إلى مبنى المدرسة مع تدهور الأوضاع الأمنيّة عام 1984، وكانت ابنتاي طالبتين في المدرسة. فشكّلتُ مع الأهالي لجنةً لمتابعة أوضاعهم كي لا يضيع العام الدراسي عليهم مع توجّه فرنسي بعدم تسجيل 175 تلميذاً وتلميذةً من كلّ الطوائف في ليسيه فردان وليسيه عبد القادر في غرب بيروت، بذريعة عدم وجود أماكن لهم”.
ويتابع زيدان: “كانوا قد نقلوا مدرسة الليسيه الفرنسية الكبرى إلى عمق المنطقة الشرقية للتلاميذ الساكنين هناك. فذهبتُ إلى الدكتور سليم الحص، وكان وزيراً للتربية، وأخبرته بما حدث معنا، وطلبتُ منه أن يتحدّث مع السفير الفرنسي. وعدنا بعد أيّام لنتابع مع الرئيس الحصّ، فقال لي: “السفير لم يجاوبني”.
عمامة المفتي ليست مجرّد عمامة، بل هي خيمة الوطن وملاذ المواطنين وقت الشدائد والصعاب
ويكمل: “لم تنحلّ معي القصة إلا عندما ذهبتُ إلى المفتي الشيخ حسن خالد. وفيما كنت أروي له تفاصيل مشكلتي، حمل عمامته ووضعها على رأسي، وقال لي: “أنتَ مفتي الجمهورية، يمكنك التحدّث مع المستشار الفرنسي على أنّك المفتي، وأنا أدعمكَ بكلّ ما تقوله”. وبعد مرور أسبوع واقتراب العام الدراسي من الانتهاء اتّصلت بالمفتي، وأخبرته عمّا جرى معي، فرفع سمّاعة هاتفه وأجرى اتصالاً بالسفير الفرنسي، وقال له بنبرة صوت فيها الكثير من الغضب: “بكرا إذا ما بتنحلّ المشكلة، أنا سأقود انقلاب المسلمين ضدّ الفرنسيين”. في اليوم الثاني جاء المستشار الفرنسي “كلافيه” إلى سماحة المفتي، وأبلغه بحلّ قضية الطلاب”.
هي عمامة الحقّ تتقدّم عندما يحلّ القهر والذلّ في البلاد. عمامة العدالة تتصدّر عندما يصيب الظلم العباد.
عمامة المفتي ليست مجرّد عمامة، بل هي خيمة الوطن وملاذ المواطنين وقت الشدائد والصعاب. ليس مصادفةً أن يُطلق على المفتي لقب مفتي الجمهورية اللبنانية، أي مفتي كلّ الطوائف والمذاهب في البلاد.
مرّةً جديدةً تبرز عمامة المفتي ملاذاً للعدالة والحقّ. هذه المرّة على يد الشيخ عبد اللطيف دريان. الظلم قد استبدّ، والاستنسابيّة بالأحكام والاستدعاءات لم تعد تستهدف أشخاصاً، بل تستهدف المسلمين والوطنيين، ممّا يُنذر بالفوضى والفتن ما هبّ منها ودبّ.
يلمس زائر دار الفتوى، خلال اليومين الفائتين، كميّة الغضب والسخط عند المفتي دريان. فكلّ ما يحدث من تطاول على مقام رئاسة مجلس الوزراء لم يعد باستطاعة المفتي تحمّله، ولا تمريره وكأنّه لم يكن. هو ينظر للأمر على أنّه حرب إلغاء تطول زعامات السُنّة ورموزهم وكراماتهم مع الاحترام الكامل للعدالة أو حقّ الضحايا وأهلهم في معرفة الحقيقة وما خفي من مسؤوليّات.
يلمس زائر دار الفتوى، خلال اليومين الفائتين، كميّة الغضب والسخط عند المفتي دريان. فكلّ ما يحدث من تطاول على مقام رئاسة مجلس الوزراء لم يعد باستطاعة المفتي تحمّله، ولا تمريره وكأنّه لم يكن
عمامة المفتي هي عمامة كلّ ضحيّة، وعمامة أحزان الجميع، لأنّ ما حدث في مرفأ بيروت هو انتهاك لكلّ المحرّمات. لكنّ الحقّ لا يستوي بأن تُعالَج الضحية بضحية أخرى، وأن يُرفَع الظلم بظلم آخر. إذ إنّ الأمر كلّه منوط بالعدالة التي لا تلحظ استنساباً ولا أهدافاً سياسية ولا مطامع انتخابية، بل تتحقّق بالوصول إلى الحقيقة، وبالمساواة بين الجميع، وبحفظ الكرامات.
لم يسقط هاتف المفتي من يده في الساعات الماضية، إذ كان يتواصل مع كلّ المرجعيّات من رؤساء ووزراء ونواب ومراجع روحية، بدءاً من الرئيس نبيه بري وصولاً إلى البطريرك بشارة الراعي. لكنّ أبرز تلك الاتصالات كان اتصاله برئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، الذي أكّد له أنّ دار الفتوى والمفتي حاضران عند الشدائد وعند الملمّات، ولن يسمحا بظلم أحد ولا بإلحاق الإهانة بطائفة كبرى صنعت مجد هذه البلاد.
.. قال لي الشيخ أحمد البابا ذات مرّة: “عندما يغيب القادة السياسيون يتقدّم المفتي لملء الفراغ وطمأنة الناس وحمايتهم والذود عن الوطن بوجه كلّ المؤامرات”.
هذه كانت سيرة المفتي الشيخ محمد توفيق خالد وهو يقرع أبواب رؤساء الحكومات عند صلاة الفجر، صارخاً: “حيّ على الصلاة”. وهذه كانت سيرة المفتي الشيخ محمد علايا وهو يبني العديد من المؤسسات، فيأخذ من الثريّ ليُفرح قلب الفقير. وهذه كانت سيرة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد الذي تمسّك واستشهد من أجل أن يبقى لبنان واحداً لا لبنانات.
إقرأ أيضاً: نعم سُنّة لبنان يعترضون ويصرخون أيضاً…
اليوم مع المفتي عبد اللطيف دريان سيقف المجلس الشرعي ليحفر فصلاً جديداً في تاريخ الإفتاء عنوانه: “إنّ عمامة المفتي هي عمامة الحقّ والعدالة وكرامة كلّ لبناني وكلّ إنسان”.
وليقُل إنّ من يبحث عن عنوان الدكتور حسان دياب، عليه أن يعلم أنّ عنوانه صار: “دار الفتوى – الزيدانية”.