تؤكّد مصادر دبلوماسية عربية وإقليمية وأجنبية أنّ تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هو محطّة جديدة في الأوضاع الداخلية اللبنانية، وهو محصّلة لمتغيّرات إقليمية ودولية وداخلية. وهذا يدلّ على أنّ لبنان دخل مرحلة جديدة تتطلّب إعادة النظر في كلّ الشعارات التي رُفِعت في آخر سنتيْن لخوض المعارك السياسية والشعبية، إذ يحتاج مختلف الأفرقاء إلى شعارات تتناسب مع طبيعة المرحلة القادمة، سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي.
فما هي الشعارات التي رُفِعت خلال آخر سنتيْن (أي منذ 17 تشرين الثاني الماضي حتى اليوم)؟ وما هي طبيعة الشعارات والأهداف التي يمكن التركيز عليها من قبل القوى والشخصيات والهيئات اللبنانية الداعية إلى تغيير الواقع السياسي أو إصلاحه؟
نحن بحاجة إلى شعارات جديدة تنسجم مع طبيعة الوضع اللبناني والإقليمي والدولي الجديد، حيث نشهد تراجع دور بعض الدول وتقدّم دول أخرى. ولا يمكن لبنان أن يكون جزءاً من محور ضدّ محور، بدليل تعاون دولة شرقية (إيران) مع دولة غربية (فرنسا)
يمكن استعراض بعض هذه الشعارات والأهداف بالآتي:
أوّلاً: إجراء الانتخابات النيابية المبكرة. فهذا الشعار انتهى، ونحن اليوم دخلنا في مرحلة الاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة في شهر أيار من العام المقبل، والمطلوب رفع شعار: الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها، مع مراجعة قانون الانتخابات الحالي، وإجراء التغييرات المناسبة عليه، ما دام صعباً الاتفاق على قانون انتخابات جديد. والمهمّ أن تُجرى الانتخابات في موعدها ضمن أفضل الظروف.
ثانياً: استقالة أو إسقاط الرئيس العماد ميشال عون. لم يعُد هذا الشعار ممكناً عمليّاً، لأنّ الرئيس يقوم بواجباته الدستورية، وسيكون معنيّاً بمتابعة عمل الحكومة الجديدة بالتعاون مع رئيس الحكومة وفقاً لاتفاق الطائف. والأهمّ اليوم رفع شعار عدم التمديد للرئيس في حال لم تجرِ الانتخابات النيابية في موعدها، وتمّ التمديد للمجلس النيابي، ما دامت الحكومة الجديدة التي تشكّلت يمكن أن تتولّى إدارة البلاد عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. والأهمّ المطالبة بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها أيضاً. وهذا مطلب مهمّ أيضاً.
ثالثاً: مواجهة الاحتلال أو النفوذ الإيراني. هذا الشعار غير واقعي وغير دقيق، لأنّ النفوذ الإيراني كان له دور إيجابي في تشكيل الحكومة بالتعاون مع الفرنسيين. وكان له دور مهمّ في كسر الحصار عن لبنان عبر إرسال المازوت والبنزين، الذي دفع بدوره الأميركيين إلى العمل لمساعدة لبنان والسماح للسلطات اللبنانية بالحوار مع سوريا. المطلوب الآن ممّن يرفعون هذا الشعار، إذا كانوا منصفين، أن يطالبوا بتحرير الإرادة اللبنانية من كلّ التدخّلات الخارجية السلبية، والترحيب بكلّ تدخّل خارجي إيجابي، وخصوصاً من مصر والأردن وإيران وفرنسا وغيرها من الدول الداعمة للبنان اليوم.
رابعاً: الدعوة إلى تشكيل حكومة اختصاصيين بعيداً عن القوى السياسية والحزبية. هذا الشعار غير واقعي ولا يمكن تنفيذه في لبنان لأنّنا لسنا في نظام رئاسي، ولسنا في نظام برلماني ديموقراطي طبيعي، بل نحن في نظام ديموقراطي توافقي. أمّا الأهمّ فهو اختيار وزراء مختصّين جديرين بمواقعهم ومناصبهم بغضّ النظر عمّن يختارهم ومَن يمثّلون. لذا المطلوب طرح شعار جديد، وإعادة النظر في طبيعة النظام كي يكون برلمانياً خالصاً وفقاً للديموقراطية الحقيقية ومن خلال صراع الأحزاب بعيداً عن الطائفية والمذهبية. طبعاً، يحتاج هذا الملفّ إلى شعارات إصلاحية جديدة.
تؤكّد مصادر دبلوماسية عربية وإقليمية وأجنبية أنّ تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هو محطّة جديدة في الأوضاع الداخلية اللبنانية، وهو محصّلة لمتغيّرات إقليمية ودولية وداخلية
خامساً: رفض الحوار أو الدعوة إلى التقسيم أو الفيدرالية أو تحقيق حقوق الطوائف أو الدفاع عن حقوق الطوائف. كلّ هذه الشعارات سقطت وساهمت في تعزيز المذهبية والطائفية، وبدلاً من ذلك ينبغي رفع شعار الحوار الوطني الشامل، وطرح جميع القضايا الخلافية على طاولة حوار وطنية برعاية دولية أو أمميّة أو إقليمية. ومن خلال ذلك نعالج كلّ الملفّات بعيداً عن التخوين والاتّهام بالعمالة.
سادساً: تحييد لبنان أو الحياد أو محاربة الشرعية اللبنانية أو الذهاب إلى الشرق وغير ذلك من الشعارات والدعوات. لم تتحقّق هذه الشعارات، بل أدّت إلى المزيد من الخلافات والصراعات. ولذا نحن بحاجة إلى شعارات جديدة تنسجم مع طبيعة الوضع اللبناني والإقليمي والدولي الجديد، حيث نشهد تراجع دور بعض الدول وتقدّم دول أخرى. ولا يمكن لبنان أن يكون جزءاً من محور ضدّ محور، بدليل تعاون دولة شرقية (إيران) مع دولة غربية (فرنسا)، وبمباركة دول عربية وغربية وشرقية لكلّ ما جرى. نحن إذن أمام توليفة جديدة للدور اللبناني وعلاقاته الخارجية، تفرض طرح شعار جديد للبحث: أيّ لبنان نريد؟ وأيّ دور للبنان نريد في المرحلة المقبلة؟
إقرأ أيضاً: حكومة ميقاتي.. والحقيقة المرّة
هذه نماذج لشعارات انتهت، وأخرى يمكن أن تُطرَح. ويمكن إضافة نماذج أخرى، وإعادة النظر في كلّ الأفكار والطروحات التي ينبغي أن تُطرَح في المرحلة المقبلة التي هي مرحلة انتقالية حتى إجراء الانتخابات النيابية، إذا ما تمّت في موعدها المقرّر في شهر أيار من العام المقبل.