“السفينة أرضٌ لبنانيّة”. جملة شعريّة. أبعد من السياسة، وأقرب من المنطق. أصلاً ابتعدنا كثيراً عن المنطق، حتّى صرنا ضائعين كما لو في عرض البحر، ونحترق.
السفينة أرض لبنانيّة. جملة تصلح لأن تكون قصيدة، أو تشبيهاً كثيفاً لأحوال هذا البلد.
كيف لسفينة أن تكون أرضاً؟ ربّما كما يكون الوطن حقيبة، على ما رفض محمود درويش ذات تهجير. أو كما يكون البلد فندقاً، على ما يرفض الوطنيّون في أدبيّاتهم الخشبيّة. في النهاية هي استعارات أو تشبيهات لنقول فكرة شديدة الضخامة. وطبعاً، كلّما اتّسعت الفكرة، ضاقت العبارة.
صدّقناك.. صدّقناك. الباخرة أرضٌ لبنانيّة. والأرض اللبنانيّة تضيق وتتّسع كلّما أمر السيّد. فحيناً نهبّ لحماية مرقد في الشام. وحيناً نذهب لندافع عن المظلومين في اليمن. وطوراً نحارب مع أهل العراق ضدّ أهل العراق.
إذا كانت الدولة أرضاً وشعباً وسلطةً، فنحن بتنا بلا أرض محدّدة. حدودنا هي قرارات الحزب. والشعب في لبنان مصطلح ممتلئ بالإشكاليات. والسلطة في يد رجل واحد. وهذا الرجل قال إنّ السفينة باتت أرضاً
صدّقناك. أصلاً مساحة لبنان 10452 كلم مربّعاً. ومرّةً أضاف أحد الظرفاء مكبّ النورماندي للنفايات. وكان مكبّاً على البحر، يا للصدفة. ثمّ جاءت سوليدير وردمت البحر لتوسِّع وسط بيروت. ويحقّ لكَ أن توسِّع حدودنا مساحة سفينة، أو أسطول، كما قلتَ.
السفينة أرضٌ لبنانيّة. يا لبؤس هذه الأرض. ويا لبؤس هذه السفينة. كيف لسفينة أن تكون أرضاً؟
هو سؤال يفترض أنّ في بلادنا ما يكفي من إجابات. لم يسأل أحدٌ، ولن. يكفي أن يقول السيّد لنقتنع ونوافق.
السفينة أرضٌ لبنانيّة. أصلاً سقطت حدود سايكس بيكو منذ 10 أعوام. ذهب “الشباب” في أحلامهم بعيداً. وها نحن ندفع الثمن. “سنجوع ونعطش، قطعاً تتقطّع. ونزفّ ترابك يا أرضاً.. تتوسّع”. ربّما هذا ما قالته الأغنية. لكنّ الأكيد أنّ هذا ما سقطنا فيه.
الباخرة أرضٌ لبنانيّة. أي أنّ مصيرنا، نحن الخمسة ملايين لبنانيّ، مربوط بهذه السفينة. إذا قصفها العدوّ، سندفع نحن الثمن. سنحارب للثأر. جائعين سنحارب. محرومين من البنزين سنحارب. بلا مستشفيات سنحارب. معنا ما يكفي من صواريخ وأرواح. والموت لنا عادة.
السفينة أرضٌ لبنانيّة. كأنّها قصيدة. كأنّه انتحار رومانسيّ. فالجماهير تحبّ السجع والبلاغة. ونحن شعوب مغرومة بالخطابات الرنّانة. كأنّه ينقصنا أسباب للموت والحرب. هذه المرّة، أرواحنا مربوطة بسفينة أبحرت من إيران، تحمل المازوت، واحتمالات الحرب.
وها هي لغتنا تتحوّل. البرندا بستان. السفينة أرض. الدولارات نتقاسمها مع الجيران. كلّ هذا بالصبر والبصيرة.
إقرأ أيضاً: لبنان بين الغاز العربيّ والنفط الإيرانيّ.. حقائق وأسئلة
إذا كانت الدولة أرضاً وشعباً وسلطةً، فنحن بتنا بلا أرض محدّدة. حدودنا هي قرارات الحزب. والشعب في لبنان مصطلح ممتلئ بالإشكاليات. والسلطة في يد رجل واحد. وهذا الرجل قال إنّ السفينة باتت أرضاً.
ربّما علينا أن نتعلّم السباحة. وهناك سفينة غرقت قبل 7 سنوات، وفجّرت ربع بيروت العام الماضي. فتخيّلوا كميّة الحرائق التي ستملأ الأرض اللبنانية، مع كلّ هذه السفن الآتية إلينا.
وتذكّروا أنّ للسفن عادات. ومن عاداتها السيِّئة أنّها تغرق.