إن لم يكن مصطفى أديب، فليكن سعد الحريري أو نجيب ميقاتي أو تمام سلام. لا بأس يا عزيزي. الخيارات أمامك مفتوحة ومتنوّعة وشاملة. وما عليك سوى أن تختار شخصيّتك المفضّلة من القائمة التي أعدّها نادي رؤساء الحكومات. وإذا لم تعجبك التجربة لسبب أو لآخر، فلا مانع من أن تجرّب حظّك مرّة أخرى.
بهذه الصورة الشديدة الفكاهة والمازوشية والتبسيط، ثمّة من يصرّ إصراراً ليس على شرشحة نفسه ومن يُمثِّل فحسب، بل على توفير التغطية المعنوية والسياسية لهذا الانهيار الكبير، ولهذه الجريمة المنظّمة والمتمادية، التي تهدف عن سابق تصوّر وتصميم إلى تغيير وجه لبنان، وجرف هويّته، والعبث بوظيفته ودوره ورسالته، ناهيك عن تفريغه الممنهج من حيويّته وفرادته ونخبته ونخبويّته.
يجلس حزب الله في مقاعد المتفرّجين: ينظر إلى ميشال عون وجبران باسيل وهما يشرشحان كبار الرؤساء المكلّفين بتشكيل حكومة، ثمّ ينظر إلى نادي رؤساء الحكومات وهم يندفعون كالحيارى نحو تقديم البدائل ورفع السقوف بوجه العهد
أصحاب نظريّة الأمومة المجانيّة، يستندون في تبرير حراكهم هذا إلى حقيقة مؤكّدة مفادها أنّ الطبيعة تأبى الفراغ، وأنّ الواقع والوضع الرهيب يفرضان البحث عن أيّ طوق للنجاة، وأنّ الإقفال السياسي لا بدّ أن يدفع نحو البحث عن خيارات بديلة، وأنّ الصراخ والوجع العامّ يُحتِّم الإذعان للمسؤولية الوطنية والأخلاقية. وهذا كلام صحيحٌ ولا غبار على صحّته وأحقّيّته وشديد حرصه ونبل غايته. لكنّ حلو الكلام لا يتقاطع وحُسن الممارسة.
الحقيقة أنّهم يرتمون كلّ مرّة كالشمع في حضن الحريق. ثمّ لا يلبثون أن يدركوا، وكعادتهم متأخرين، أنّ ما اقترفته أيديهم لم يكن سوى استنزاف بلا أفق، أو عبثيّة بلا طائل، أو محاولات بلا جدوى. الثابت الوحيد أنّ التجارب كلّها أسّست لفتقٍ لا يُرتَق، حتى استحالت في مجمل حيثيّاتها وسرديّاتها وتفاصيلها وكأنّها القاصمة المُهلكة التي متى وقعت صارت القيامة بعدها ضرباً من المستحيل.
يتسلّى بكم ميشال عون. يتسلّى بكم جبران باسيل. يطلبان من قائمة كباركم مَن يشتهون اختباره في لعبة المتاهات الدائرية، وفي سرديّات الحفاظ على المواقع والصلاحيّات والكرامات. مصطفى أديب فرّ هارباً من كونه مجرّد أداة لشراء الوقت وتضييعه. فَهِم سريعاً أن لا حكومة في الأفق، وأنّ دوره ينحصر في توفير تغطية دستورية لهذا العبث المستدام. فاعتذر وعاد أدراجه قبل أن يبرد فراشه في برلين. لكنّ زميله سعد الحريري تورّط حتى النخاع في تبادل عضّ الأصابع على حلبة الصفع والصفع المضادّ. ارتصف على مدى تسعة أشهر في معارك الإهانات وتسجيل النقاط والشعبويّات الكاسحة، قبل أن يعود ويعتذر عن عدم تشكيل حكومة بعد استكمال الوظيفة الأساسية لفخّ تكليفه: تضييع الوقت.
لن يُشكِّل نجيب ميقاتي. هذا واضحٌ وضوح الشمس في ناصية النهار. سيضيِّع مزيداً من الوقت ويعتذر. ومن الآن حتى يطيب الجَرحُ في شجو الحمام، المطلوب من نادي رؤساء الحكومات العمل على إقناع تمّام سلام بالتنازل عن رفضه للتكليف
الآن دقّت ساعة نجيب ميقاتي. عود على بدء. استشاراتٌ، فتكليف، فزيارات بروتوكولية، فمشاورات، فعودة إلى المربّع الأوّل: شكل الحكومة، عدد وزرائها، توزيع مقاعدها وحقائبها وتفاصيلها وتوازناتها. يقول لن أنزل تحت سقف سعد الحريري. ويردّون عليه: لن نعطيك ما رفضنا أن نعطيه. المهمّ أنّنا دخلنا مرحلة الكباش حول التأليف الذي لن يشهد النور إلا على التوقيت الإيراني. بل شراء مزيد من الوقت.
في خلفيّة هذا المشهد كلّه، يجلس حزب الله في مقاعد المتفرّجين: ينظر إلى ميشال عون وجبران باسيل وهما يشرشحان كبار الرؤساء المكلّفين بتشكيل حكومة، ثمّ ينظر إلى نادي رؤساء الحكومات وهم يندفعون كالحيارى نحو تقديم البدائل ورفع السقوف بوجه العهد ورئيسه وصهره، فيضحك ملء شدقيه وينام ملء جفنيه، ويترك لهم أن يتناحروا ويتذابحوا ويتراشقوا الاتّهامات والصلاحيّات والمسؤوليّات، بانتظار الساعة التي يحين فيها أن يقول كلمة الفصل.
إقرأ أيضاً: كيف أقنع الحزب عون بتكليف ميقاتي؟
لن يُشكِّل نجيب ميقاتي. هذا واضحٌ وضوح الشمس في ناصية النهار. سيضيِّع مزيداً من الوقت ويعتذر. ومن الآن حتى يطيب الجَرحُ في شجو الحمام، المطلوب من نادي رؤساء الحكومات العمل على إقناع تمّام سلام بالتنازل عن رفضه للتكليف، تمهيداً لتجريب حظّه على حلبة الرقص في حفلات الجنون.
حارت الألباب وتعبت العقول يا دولة الرؤساء، فنحن بصدق لم نعد نعرف مَن يخدم حزب الله أكثر: حلفاؤه أم خصومه؟