قبل أشهر مع احتدام الجدال حول ضرورة اعتذار الرئيس سعد الحريري أو عدم اعتذاره، وصف الرئيس نجيب ميقاتي الوضع الحكومي، في جلسة خاصة على فنجان قهوة في منزله ببيروت، بالباص الذي فقد مكابحه في منحدر قويّ، قائلاً: “مجنون مَن يصعد بالباص خلال هذه الفترة. علينا الانتظار حتى يصل الباص إلى آخر المنحدر، وحينها نباشر بإصلاحه، فنستبدل دواليبه بدواليب فرنسية، وزجاجه نستورده من الصين، والمقاعد ربّما من الولايات المتحدة أو غيرها من الدول، حسب المتوفّر”.
يستعمل الرئيس ميقاتي هذا التوصيف ليصل إلى خلاصة، إذ يقول: “علينا منع الرئيس الحريري من الاعتذار، فهو مَن يجب أن يشكّل الحكومة في هذه المرحلة..”.
الرئيس نجيب ميقاتي رجل سياسة وأعمال ناجح، وباللغة العاميّة “يعرف من أين تُؤكل الكتف”. من المؤكّد أنّه ليس بفاقد لعقله ولا مشوّش التفكير كي يصعد إلى باص، هو مَن وصّف انزلاقه الرهيب في منحدر الواقع اللبناني
اليوم، بعد اعتذار الرئيس الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، تتقدّم أسهم الرئيس ميقاتي لجهة تكليف النواب له بمُهمّة التشكيل، الأمر الذي يطرح عدّة أسئلة استناداً إلى توصيف الرئيس ميقاتي نفسه للوضع الحكومي.
هل وصل الباص إلى القعر كي يقبل الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة؟ إن لم يرتطم هذا الباص بعد، فهل فَقَد الرئيس ميقاتي عقله، كما قال هو، في حال قبوله بالتشكيل، وقبوله الصعود إلى باص لا كوابح له وسط المنحدر؟
بدايةً، قبل تفصيل الوقائع، إنّ الرئيس نجيب ميقاتي رجل سياسة وأعمال ناجح، وباللغة العاميّة “يعرف من أين تُؤكل الكتف”. من المؤكّد أنّه ليس بفاقد لعقله ولا مشوّش التفكير كي يصعد إلى باص، هو مَن وصّف انزلاقه الرهيب في منحدر الواقع اللبناني. لكنّ السؤال: هل وصل الباص إلى مرحلة الارتطام كي يقبل الرئيس ميقاتي بالتقدّم إليه لإصلاحه وتصليحه؟!..
تقول الوقائع إنّ الرجل يتقدّم إلى رئاسة الحكومة وسط سلسلة من الاتفاقات المبرمة داخلياً على الصعيد السنّي، وأيضاً على الصعيد السياسي العامّ، ودولياً على صعيد الحصول على غطاء دولي مناسب تتولاه فرنسا لانطلاقة يَفترض الميقاتي أنها ستُحدث فرقاً في الوقائع اللبنانية:
1- على الصعيد السُنّيّ: طوال لقاءات واجتماعات رؤساء الحكومة السابقين، كان الرئيس ميقاتي متمسّكاً بعدم اعتذار الرئيس الحريري من دون نقاش أو تبرير، رافضاً فكرة تكليفه، حتى عندما طرحها الرئيس سعد الحريري في لقاء من اللقاءات. اليوم قَبِلَ الحديث معه في التشكيل بعدما ارتطم الرئيس سعد الحريري بتعنّت الرئيس ميشال عون، ومعه صهره الوزير جبران باسيل، وبات للحريري الخيار بين أمرين بعد اعتذاره:
السعودية عبّرت عن موقفها عبر “تويت” سفيرها في لبنان وليد البخاري استعمل فيه قول الشاعر الانكليزي ويليام شكسبير جاء فيه: “قد نسامحهم كثيراً. ولكن سيأتي يوم لا نستطيع فيه سماع أعذارهم”
أ- السماح بوصول شخصية من خارج نادي الرؤساء إلى رئاسة الحكومة، وتحديداً السفير نوّاف سلام، وهو ما يشكّل له تهديداً مستقبلياً لا يمكن ضمان عواقبه، إن على الصعيد البيروتي أو على الصعيد الوطني، بخاصة أنّ الدعم الدولي لنواف سلام من شأنه أن يسمح له بصياغة قصة نجاح سياسية.
ب- القبول بترشيح الرئيس نجيب ميقاتي أو تمام سلام، وعدم إخراج رئاسة الحكومة من نادي الرؤساء، الأمر الذي يضمن للرئيس الحريري عودة الرئاسة الثالثة إليه لاحقاً.
2- على الصعيد السياسي الوطني: يعلم الرئيس نجيب ميقاتي أنّ للثنائي الشيعي، كالرئيس الحريري، الخيار بينه وبين نواف سلام أو رئيس حكومة على شاكلة حسان دياب. وعلى قاعدة المثل الشعبي “شو رماك عالمرّ، قال إللي أمرّ منه”، ميقاتي هو أقلّ مرارة بالنسبة إلى هذا الثنائي من المرشّحين الآخرين. أمّا على الصعيد المسيحي، ينطلق الرئيس ميقاتي بتأييد حليفه سليمان فرنجية، ضامناً تأييد بكركي وبطركها لتشكيل حكومة، أيّ حكومة، تواجه مصاعب الناس والعباد. أمّا في ما يتعلّق بالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، فإنّ ثقتهم أو عدمها لن تحدث فرقاً كبيراً في هذه المرحلة الدقيقة.
3- على الصعيد الدولي: ليس سرّاً أنّ صداقات الرئيس نجيب ميقاتي في فرنسا مع رئيس المخابرات الخارجية فيها “برنار ايمييه”، حقّقت تبنّياً فرنسيّاً لاسمه ليس وليد اليوم، بل منذ أشهر عدّة. أمّا الأميركي فقد فوّض إلى الفرنسي هذه التفاصيل، على حدّ قول أوساط الميقاتي. أما السعودية فقد عبّرت عن موقفها عبر “تويت” سفيرها في لبنان وليد البخاري استعمل فيه قول الشاعر الانكليزي ويليام شكسبير جاء فيه: “قد نسامحهم كثيراً. ولكن سيأتي يوم لا نستطيع فيه سماع أعذارهم”. تاركاً الترجمة السياسية لغيره. الإحتمال الأدق للترجمة أنه يقصد الرئيس الحريري لإصراره على تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة، رغم معرفته أنّ الرياض تفضّل نوّاف سلام.
إقرأ أيضاً: من يأسِر سُنّة لبنان في زجاجة سعد الحريري؟
عند سؤال الكثيرين من أهل السياسة والإعلام: هل تغيّر ميشال عون؟ الجواب واحد: الرجل لم يتغيّر. لا يزال كما كان عام 1988 في قصر بعبدا. هنا يختصر سؤالٌ كلّ الأسئلة السابقة. ماذا يفعل ميقاتي عندما يكتشف أنّ الرئيس ميشال عون لم ولن يتغيّر؟ أحد المقرّبين منه يقول هامساً في أذني: “حينها سيُكلّف الرئيس ميقاتي نهار الاثنين، وسيعتذر يوم السبت المقبل”.