يُعلن البيت الأبيض أنّ الرّئيس الأميركي جو بايدن طلب من الكونغرس تمديد حالة الطوارئ الوطنيّة بالنسبة إلى لبنان. وإن كان هذا الخبر يتردّد للسّنة الـ14 على التّوالي بعد إعلانه للمرّة الأولى في عهد الرّئيس الأسبق جورج بوش الابن سنة 2007، إلّا أنّ التّمديد في هذه السّنة ليس تفصيلاً عابراً.
قبل الغوصِ في تفاصيل الإعلان سياسيّاً، لا بدّ من معرفة ماذا يعني إدراج لبنان تحت قانون “الطوارئ الوطنيّة” أو ما يعرف في واشنطن بـ”National Emergency Act”.
زيارة وفد الخزانة الأميركيّة ليست بعيدة عن أيّ عقوبات جديدة قد تطول سياسيين لبنانيين أو كيانات أو جمعيّات أو حتّى مصارف تعتبرهم واشنطن مموّلين للإرهاب وللنّظام السّوريّ، أو معرقلين لتشكيل الحكومة
حالة الطوارئ الوطنيّة هي حقّ يمنحه الكونغرس للسّلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، على رأسها رئيس البلاد، للتعامل مع “الأزمات الطارئة بسرعة وحسم”. ويحق للرّئيس أن يتجنّب أيّ قيود على قراراته المتعلّقة بالتعامل مع الأزمات التي تُشكّل تهديداً للسّياسة الخارجيّة الأميركيّة والأمن القوميّ للبلاد.
يتطلّب إعلان “قانون الطوارئ الوطنيّ” أن يبلغ الرئيسُ الكونغرسَ بوجود أزمة طارئة، ويعلن ما تتطلّبه للتعامل معها. ويفرض القانون على الرئيس أن يبلغ الكونغرسَ بشكلٍ دوريّ بمستجدّات الأزمة التي استدعت إعلان حالة الطوارئ الوطنيّة.
في العودة إلى الأوّل من آب من سنة 2007، أصدرَ الرئيس الأميركي جورج بوش الابن قراراً تنفيذياً حمل الرّقم 13441، وحمل عنوان ” تجميد ممتلكات الأشخاص الذين يقوّضون سيادة لبنان أو عمليّاته ومؤسّساته الديموقراطية”.
في القرار الذي أصدره بوش، أعطى التوجيهات لوزير الخزانة، بالتّنسيق مع وزير الخارجيّة، لمعاقبة أيّ شخص أو مؤسّسة يثبت عليه الآتي:
– المشاركة والمساهمة في أعمال العنف التي تهدف أو تؤدّي إلى تقويض المؤسسات الديموقراطية في لبنان.
– المساهمة في انهيار سيادة القانون في لبنان، ودعم إعادة الهيمنة والوصاية السّورية، أو حتّى المساهمة بأيّ شكل من الأشكال في التدخّل السوري في لبنان.
– أن يكون قد ساعد أو قدّم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنيّاً أو خدمات تدعم الإجراءات المذكورة آنفاً، أو أيّ شخص حُظِرت ممتلكاته ومصالحه بموجب الأمر التنفيذي.
– أن تكون مؤسّسة أو كيان يزعم أنّه يعمل لمصلحة، أو بالنّيابة بشكل مباشر أو غير مباشر عن أيّ شخص حُظِرت ممتلكاته ومصالحه بموجب الأمر التنفيذيّ.
يتطلّب إعلان “قانون الطوارئ الوطنيّ” أن يبلغ الرئيسُ الكونغرسَ بوجود أزمة طارئة، ويعلن ما تتطلّبه للتعامل معها. ويفرض القانون على الرئيس أن يبلغ الكونغرسَ بشكلٍ دوريّ بمستجدّات الأزمة التي استدعت إعلان حالة الطوارئ الوطنيّة
هذا في الأصل قبل 14 سنة. أمّا اليوم، وقبل أيّام من انتهاءِ صلاحيّة الإعلان في الأوّل من آب، أصدَر الرّئيس بايدن طلباً للكونغرس بتمديد إعلان حالة الطوارئ الوطنيّة بالنّسبة إلى لبنان لـ365 يوماً جديداً.
السّبب وراء طلب بايدن كان واضحاً في رسالته: “سيادة لبنان لا تزال تتعرّض للتقويض بسبب استمرار إيران في نقل الأسلحة، ومن بينها تلك المُتطوّرة، إلى حزب الله”.
لكن، ماذا يعني الطّلب في السّياسة؟
قبل 24 ساعة من الطلبِ من الكونغرس، وصل إلى لبنان مسؤولان من وزارة الخزانة الأميركيّة، وتحديداً من مكتب مكافحة الجرائم الماليّة.
وفي المعلومات، التي حصلَ عليها “أساس”، أنّ زيارة وفد الخزانة الأميركيّة ليست بعيدة عن أيّ عقوبات جديدة قد تطول سياسيين لبنانيين أو كيانات أو جمعيّات أو حتّى مصارف تعتبرهم واشنطن مموّلين للإرهاب وللنّظام السّوريّ، أو معرقلين لتشكيل الحكومة، أو ما يُسمّى في المصطلح الأميركيّ، الذي يشمله قانون الطوارئ الوطنيّة، “تقويض المؤسّسات والعمليّة الدّيموقراطيّة”.
وقبل أن تُقرِّر وزارة الخزانة الأميركيّة إرسال مسؤوليها الماليين إلى لبنان، كان وزيرا الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن والفرنسيّ جان – إيف لودريان يُعلنان أنّ بلادهما ستعملان معاً للضّغط على مُعرقلي تشكيل الحكومة في لبنان.
وبعد التصريح المُشترك بأيّامٍ قليلة، التقى الوزيران بنظيرهما السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان، على هامش مؤتمر الـG20 في إيطاليا، حيث لم يجدا حماسةً سعوديّة للغوص في تفاصيل لبنان المُتعِبة.
بعد اللقاء الثّلاثيّ، شهدَت السّاحة السّياسيّة تطوّرين. الأوّل، زيارة سفيرتي الولايات المُتحدة وفرنسا إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض لبحث مُساعدة الجيش اللبنانيّ والقوى الأمنيّة لمنع غرق لبنان في الفوضى.
أمّا الحَدث الثّاني كان مسرحه بيروت التي زارها، موفد الرّئيس الفرنسيّ باتريك دوريل إلى لبنان، حيث حمل رسالة واضحة إلى المسؤولين الذين التقاهم، وفيها أنّ بلاده تُنسّق مع الاتحاد الأوروبيّ لمُعاقبة مُعرقلي تشكيل الحكومة وإجراء الإصلاحات التي يُطالب بها المُجتمع الدّوليّ.
طارَ دوريل عائداً إلى بلاده، وفي الوقت نفسه كانت طائرة الرّئيس سعد الحريري تحطّ في مطار القاهرة للقاء الرّئيس عبدالفتّاح السّيسي. ثمّ توجّه الحريري من قصر “الاتحاديّة” إلى قصر بعبدا، وقدّم تشكيلة لرئيس الجمهوريّة ميشال عون، ثمّ اعتذر عن التكليف في اليوم التّالي بعدما رفض عون التشكيلة التي أودعها إيّاه الحريري.
وفي ظلّ الضّياع الدّاخليّ، كان الخارج يوضحُ ما يريد عبر إعلان بايدن تمديد حالة الطّوارئ الوطنيّة تجاه لبنان: “لا مساعدة للبنان في ظلّ الاحتلال الإيرانيّ المُتمثّل بهيمنة حزب الله على البلاد”.
ولم تمضِ 15 ساعةً على طلب بايدن، حتّى كان الجواب الآخر من الثّلاثيّ أميركا – فرنسا – السّعوديّة أكثر وضوحاً وصراحةً في ما نشرته صحيفة “لو فيغارو” الفرنسيّة للكاتب رينو جيرار، تحت عنوان: “التمرين الصعب لفرنسا? في ?لبنان?”، حيث قال إنّ “رئيس تيار المستقبل ?سعد الحريري? لا ترغب فيه الولايات المُتحدة? ولا المملكة العربيّة ?السعوديّة”?.
لم تقف كلمات “لو فيغارو” عند حدود بيت الوسط. إذ طالت أحرفها حارة حريك. إذ أشارَ الكاتب لحزب الله بقوله إنّ نيترات الأمونيوم التي انفجرَت يوم 4 آب 2020 في مرفأ بيروت هي متفجّرات خزّنها الحزب سنة 2014 سرّاً، كمخزونٍ احتياطيٍّ للنِّظام السوري. وأثار هذا الاتهام اهتمام المُراقبين إذ يتزامن مع الذّكرى الأولى لكارثة انفجار المرفأ.
إقرأ أيضاً: من الفاتيكان إلى باريس: التدويل يتسارع
وبتطرّقه إلى الحلول للأزمة اللبنانيّة، قال جيرار إنّ كلّ الحلول مطروحة على الطّاولة، ويدرسها اللبنانيون والغربيّون، وقد تصل إلى إمكان عقد مؤتمرٍ دوليّ تشارك فيه فرنسا إلى جانب السّعودية وإيران وروسيا والولايات المُتّحدة لوَضع لبنان تحت الوصاية الدوليّة عبر تفعيل الفصل الثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة.
بكلماتٍ واضحة، لبنان يسير بخطى ثابتة نحو العقوبات الأميركيّة والأوروبيّة. وبخطى أسرع نحو الوصاية الدّوليّة، بعدما فقدَ كلّ ما يُمكِن أن يُعطيه صفة “الدّولة”، وتحوّل إلى “دولة فاشلة” تُشكّل خطراً على الأمن القوميّ للولايات المُتحدة، ومعضلةً للدّول المانحة، وفي مقدّمها المملكة العربيّة السّعوديّة التي باتَ واضحاً ومعروفاً أنّها لن تُقدّمَ أيّ مُساعدة في ظلّ هيمنة حزب الله على كلّ ما تصل إليه يداه في لبنان.