يراقب المسؤولون في حزب الله بحذر شديد التطوّرات الداخلية في لبنان بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة. وحسب مصادر مطّلعة على أجواء الحزب، فإنّ الأشهر المقبلة ستشهد المزيد من الضغوط الداخلية والخارجية على الوضع اللبناني، خصوصاً في حال عدم التوصّل إلى توافق داخلي وخارجي على تشكيل حكومة جديدة تُرضي جميع الأطراف وتكون قادرة على مواجهة التحدّيات المختلفة.
وتقول هذه المصادر إنّ فشل الرئيس الحريري في تشكيل حكومة جديدة وفشل التوافق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على التشكيلة التي عرضها، سيؤدّي إلى صعوبات كبيرة في إمكان التوافق على تكليف شخصية جديدة لتشكيل حكومة جديدة بالتوافق مع الحريري وحلفائه. وهذا يعني إمّا بقاء حكومة الرئيس حسان دياب لتصريف الأعمال حتى فترة الانتخابات النيابية المقبلة في شهر أيّار من العام الآتي، وإمّا البحث عن شخصية جديدة تكون قادرة على مواجهة التحدّيات المختلفة وتحظى برضى الأطراف السياسية في البلاد وهذه مهمّة ليست سهلة.
الحزب يدرس كل الخيارات في المرحلة المقبلة، وهو حريص على تدعيم التحالف الاستراتيجي مع الرئيس نبيه بري وحركة أمل، ومعالجة بعض الثغرات والإشكالات التي يواجهها هذا التحالف في بعض الأحيان
وفي ضوء هذه المعطيات، وفي ظل تزايد الخلافات حتى داخل الفريق السياسي المتحالف مع الحزب، فإنّ توقّعات قيادة الحزب أن تزداد الضغوط المعيشية والمالية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تكون القدرة ضعيفة على ضبط تدهور الأوضاع ومنعها من المزيد من الانهيار. كلّ هذا يتطلّب خطة عمل شاملة لمواجهة هذه الضغوط ودراسة كيفية تدعيم الجبهة الداخلية ومنع حصول المزيد من التوتّرات الشعبية في مختلف المناطق اللبنانية.
وتتابع قيادة الحزب باهتمام التحرّكات الخارجية المرتبطة بالوضع اللبناني، ولا سيّما التحرّكات السعودية والفرنسية والأميركية والأوروبية والمصرية. وتعتبر المصادر المطّلعة على أجواء الحزب أنّ هذه التحرّكات تهدف من ناحية إلى فرض المزيد من الضغوطات والعقوبات على القوى السياسية اللبنانية، والعمل من أجل تغييرها عبر الانتخابات النيابية المقبلة، لكن في الوقت نفسه لا تريد أن تتسبّب هذه الضغوط الخارجية بانهيار الوضع اللبناني وانفجاره، لأنّ لذلك نتائج وتطوّرات
أمنيّة لا يمكن لأيّة قوة داخلية أو خارجية السيطرة عليها والتحكّم بها. حتى إنّ الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة اللبنانية لن تكون قادرة على ضبط الأوضاع الأمنيّة، فينتشر الأمن الذاتي أو الفوضى الأمنيّة.
لكن ما هي تأثيرات المفاوضات الإيرانية – الأميركية والدولية في الملف النووي، والمفاوضات الإيرانية – السعودية في الوضع اللبناني؟
تشير هذه المصادر إلى أنّه لا يمكن منذ الآن تقدير كيفيّة تأثير هذه المفاوضات ونتائجها على الوضع اللبناني، لأنّها لا تزال جارية ولم تصل حتى الآن إلى اتفاق نهائيّ. حتى لو توصّل الأطراف إلى اتفاق في الملف النووي الإيراني، فإنّ ذلك لا يعني أنّ الضغوط الأميركية والإقليمية ستتوقّف على لبنان، وقد يُستفاد من رفع العقوبات على إيران ويُسمَح باستيراد بعض المواد الأساسية من إيران، لكن ذلك غير مضمون وطويل الأمد.
مصادر عراقية مطّلعة على المفاوضات السعودية – الإيرانية: الطرفين تداولا في هذه المفاوضات حول إمكان إعادة تسليم الملف اللبناني إلى سوريا بحيث يكون لها دور أساسي في متابعة الملف مجدّداً
أمّا المفاوضات السعودية – الإيرانية، ففيها ملفّات أخرى لها أولويّة على الوضع اللبناني، ومنها العلاقات المباشرة بين البلدين، والملف اليمنيّ، ولبنان ليس في سلّم الأولويّات.
وكانت مصادر عراقية مطّلعة على المفاوضات السعودية – الإيرانية قالت لـ”أساس” إنّ الطرفين تداولا في هذه المفاوضات حول إمكان إعادة تسليم الملف اللبناني إلى سوريا بحيث يكون لها دور أساسي في متابعة الملف مجدّداً، وأنّ هذا الاقتراح لم يُحسَم ولم يُتّفق عليه لأنّ أمامه عقبات عديدة.
وفي ضوء كلّ هذه الأجواء، تشير المصادر المطّلعة على أجواء حزب الله إلى أنّ الحزب وضع خطة متكاملة لمواجهة المرحلة المقبلة، تقتضي الاستمرار في الاستعدادات العملية لتوفير المواد الأساسية للمواطنين، ولا سيّما المحروقات والأدوية والموادّ الغذائية وحليب الأطفال، وأنّ كلّ الاستعدادات اللوجيستية اُستُكملت لاستيراد البنزين وإيصاله الى المناطق اللبنانية في حال زادت الأزمة، مع أنّ بعض الصعوبات الميدانية تواجه هذه الاستعدادات داخلياً وخارجياً.
أمّا على الصعيد السياسي فالحزب يدرس كل الخيارات في المرحلة المقبلة، وهو حريص على تدعيم التحالف الاستراتيجي مع الرئيس نبيه بري وحركة أمل، ومعالجة بعض الثغرات والإشكالات التي يواجهها هذا التحالف في بعض الأحيان. وبالنسبة إلى التحالف مع التيار الوطني الحر فإنّه مستمرّ، ويعمل الحزب حالياً على تطويره. وفي الوقت نفسه يفكّر الحزب في كيفيّة التعاطي مع الواقع السياسي الداخلي، ولا سيّما في ظل بروز قوى شعبية جديدة ينبغي تطوير العلاقة معها.
إقرأ أيضاً: لبنان يدفع ثمن قيام “عهد حزب الله”
في الخلاصة، يدرك حزب الله حجم التحدّيات الداخلية والخارجية، ويعتبر أنّ المعركة السياسية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية اليوم توازي أهمّيّة المعركة مع العدو الصهيوني والحرب التي يخوضها في مواجهة هذا العدو. وهو مطمئن إلى قدرته على مواجهة هذه التحدّيات.