يستحقّ “الصهر” حربَ إلغاءٍ للبنان!

مدة القراءة 5 د

في لقاءات مع مسؤولين وديبلوماسيين من الأجانب والعرب، يتحدّث رئيس الجمهورية ميشال عون عن “حرب إلغاء” يتعرّض لها صهره جبران باسيل. باتت “حرب الإلغاء”، التي تستهدف من وجهة نظره جبران باسيل، هاجسه اليوميّ. ليس لديه مِن ردٍّ عليها سوى إلغاء لبنان.

ما لا يستوعبه رئيس الجمهورية، الذي يُفترض به الرحيل عن قصر بعبدا اليوم قبل الغد تفادياً لمزيد من الكوارث على الصعيد الوطني، أنّ مَن يتعرّض لحرب إلغاء فعليّة هو لبنان. يخوض ميشال عون هذه الحرب على طريقة “حرب الإلغاء”، التي خاضها في العامين 1989 و1990، عندما وضع ألوية خاضعة له في الجيش اللبناني في مواجهة مع “القوات اللبنانيّة”، التي كانت حينئذٍ ميليشيا مسيحيّة. كلّفت “حرب الإلغاء الأولى” اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين، غالياً. أخذ ميشال عون وقتذاك، عندما كان رئيساً لحكومة مؤقّتة، على عاتقه تقديم أوراق اعتماده إلى حافظ الأسد كي يصبح رئيساً للجمهوريّة. لم يقتنع به الأسد الأب الباحث عن تابعين ثابتين وليس متذبذبين. كان يعرف أنّ مَن يفتح خطّاً على غريمه صدّام حسين، ويحاول في الوقت ذاته مغازلته عبر ضرب “القوات اللبنانية”، هو شخص لا يمكن الركون إليه أو التعاطي معه.

في ظلّ الانهيار اللبناني والفراغيْن المسيحي والسنّي، واحتمال حصول انفراج أميركي – إيراني في أساسه الاتّفاق في الملفّ النوويّ الإيراني، ليس ما يمنع أن يكون “حزب الله” صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في مجلس النوّاب المقبل

من الواضح أنّ ميشال عون يخلط بين مصير لبنان ومصير صهره الذي ربط نفسه، من شدّة اليأس، بـ”محور الممانعة”. مَن يقرأ بين السطور في الكلام الأخير العجيب الغريب، الذي صدر عن باسيل، يستطِع استخلاص أنّ الرجل مصاب بإحباط وحال من التهوّر في آن. هذا ما يفسّر ارتماءه بهذه الطريقة في حضن الأمين العامّ لـ”حزب الله” حسن نصرالله. يريد من نصرالله أن يجعل منه الثالث في تركيبة إيرانية – سوريّة – لبنانية. بكلام أوضح، يريد من “الحرس الثوري” الإيراني، نظراً إلى أنّ “حزب الله” ليس سوى لواء من ألويته، أن يوصله إلى موقع رئيس الجمهوريّة، تماماً كما حصل مع بشّار الأسد في سوريا أخيراً، ومع إبراهيم رئيسي في إيران حديثاً…

مثله مثل ميشال عون، لا يتوقّف جبران باسيل عند شيء عندما يتعلّق الأمر برئاسة الجمهوريّة. يبدو رهانه واضحاً على أنّ الخطّ الإيراني سينتصر في المنطقة. في الواقع، يراهن على أنّ هذا الخطّ، الذي فرض على روسيا القبول بإجراء انتخابات رئاسيّة ذات طابع هزلي في سوريا، سيفرض انتخابات رئاسيّة في لبنان بعد انتخابات نيابيّة يتوقّع “حزب الله” أن تأتي له بأكثريّة أكبر من تلك التي يتمتّع بها الآن في المجلس النيابي، في ضوء الانتخابات التي أجريت في أيّار 2018 بموجب القانون الانتخابي الذي وضعه الحزب.

كان لافتاً أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة، بقيادة المرشد علي خامنئي وإشراف الحرس الثوري، مرّرت الانتخابات الرئاسيّة السورية، ثمّ الانتخابات الرئاسيّة الإيرانية، بأقلّ مقدار من الضجيج العالمي. فرضت أمراً واقعاً في سوريا وإيران. لماذا لا تفرض أمراً واقعاً في لبنان عبر جبران باسيل؟

من الواضح أنّ ميشال عون يخلط بين مصير لبنان ومصير صهره الذي ربط نفسه، من شدّة اليأس، بـ”محور الممانعة”. مَن يقرأ بين السطور في الكلام الأخير العجيب الغريب، الذي صدر عن باسيل، يستطِع استخلاص أنّ الرجل مصاب بإحباط وحال من التهوّر

في ظلّ الانهيار اللبناني والفراغيْن المسيحي والسنّي، واحتمال حصول انفراج أميركي – إيراني في أساسه الاتّفاق في الملفّ النوويّ الإيراني، ليس ما يمنع أن يكون “حزب الله” صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في مجلس النوّاب المقبل. يتوقّع الحزب ذلك، خصوصاً إذا استطاع جعل بطاقة “سَجَّاد” تخترق المجتمعيْن المسيحي والسنّي في لبنان مع تحسّن الأحوال الماليّة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”. هذا إذا تحسّنت.

هل يستحقّ “الصهر” حربَ إلغاءٍ للبنان كي يصبح الخيار المطروح “الصهر أو إلغاء لبنان”؟ إذا استعرضنا تاريخ ميشال عون وتاريخ غباء الطبقة المسيحية دون المتوسّطة في لبنان، لا يعود شيء مستغرباً. يستحقّ الصهر أكثر من حرب إلغاء للبلد، بل يصير طبيعياً تقديمُ رئيس الجمهوريّة المستقبلَ السياسيَّ لصهره، الذي فُرضت عليه عقوبات أميركية بموجب قانون ماغنتسكي المتعلّق بالفساد، على مصير لبنان. لعلّ أكثر ما يصير طبيعياً هو تلميحات جبران باسيل في ظهوره الأخير إلى مدى الاستعداد للدخول في لعبة تغيير النظام في لبنان عن طريق مؤتمر للحوار، مع الحرص في الوقت ذاته على إثارة كلّ الغرائز المسيحية من نوع التمسّك بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة وقدرته على تعطيل تشكيل أيّ حكومة.

سيذهب جبران باسيل إلى أبعد حدود في استرضاء “حزب الله”، باعتباره ممثّلاً شرعيّاً وحيداً في لبنان للقوّة الصاعدة في المنطقة. في الوقت ذاته سيتابع رئيس الجمهوريّة، الذي أوصله الحزب إلى قصر بعبدا، السير في حرب إلغاء لبنان ردّاً على ما يعتبره “حرب إلغاء” للصهر. أليس جبران باسيل أهمّ من لبنان واللبنانيين فرادى وجماعات؟ ألا يستأهل جبران تهجير معظم المسيحيين من لبنان كي تبقى الساحة خالية له؟

حدث ذلك كلّه في العامين 1989 و1990، إبّان “حرب الإلغاء” التي خاضها ميشال عون مع “القوات”، وكان آخِرَ مَن يهمّه أمر لبنان. المخيف في الوقت الراهن أنّ لبنان متروك لمصيره الأسود بعدما صار العالم، بمَن فيه العالم العربي، يرفض التمييز بين الدولة اللبنانية و”حزب الله”.

إقرأ أيضاً: بطاقة “سَجَّاد” المسيحيّة… آخر رهانات “العهد القويّ”

هذا إنجاز آخر يُحسَب للثنائي عون – باسيل، الذي يؤمن بأنّ السياسة أقرب إلى المقامرة منها إلى أيّ شيء آخر، بل إنّ كلّ شيء ممكن في عالم السياسة، بما فيه الانتقال من حضن إليوت إنغل، عضو مجلس النواب الأميركي القريب من إسرائيل ومهندس قانون محاسبة سوريا في العام 2003، إلى حضن حسن نصرالله وإيران، وبالتالي حضن بشّار الأسد، في 2006.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…