جابر عصفور: المجلس الأعلى للثقافة يحقّق “الجول” الأوّل (1/2)

مدة القراءة 6 د

أعلنت وزارة الثقافة المصرية أول من أمس عن منح الدكتور رضوان السيّد جائزة “النيل للإبداع العربي”، وهي الأعلى التي تُمنح لغير المصريين.

سادت حالة واسعة من الرضا والقبول بين أوساط النخبة المصرية وكبار مثقّفيها، بمختلف توجّهاتهم، عقب إعلان فوز المفكّر اللبناني الكبير الدكتور رضوان السيد بجائزة “النيل” للمبدعين العرب.

كسر فوز رضوان السيد “قاعدة” جوائز الدولة المصرية، التي تثير، في الأغلب الأعمّ، حالة من الجدل والنزاع حول استحقاق الفائزين وأحقّية مَن استُبعدوا. وبحسب تعليقات خاصة لـ”أساس”، أكّد صفوة المثقّفين المصريين وجود عدّة دلالات جعلت نَيْل المفكّر اللبناني الشهير جائزة النيل أمراً صادف أهله، ولم تشُبْه شائبة تحيّز. أبرز هذه الدلالات:

أوّلاً: رضوان السيد صاحب إبداع متميّز “كمّاً” و”كيفاً”، وفي عدّة مجالات تنوّعت ما بين ترجمة، وتحقيق نصوص تراثية، وإعادة قراءة، واشتباك مع القضايا اليومية للواقع العربي المعاصر.

ثانياً: إبداعات هذا المفكّر اللبناني المجتهد بعيدة كل البعد عن التحيّز والطائفية، وترسّخ لمفاهيم وقيم التسامح والتصالح والتواصل مع المختلِف والمخالِف.

ثالثاً: يساهم رضوان السيد، هو وقلّة قليلة، في شقّ مسار تأويليّ جديد، محاولين إصلاح بنية العقل العربي بعيداً عن العقلية النقلية التقليدية السائدة والمسيطرة في السياق العربي المعاصر.

سادت حالة واسعة من الرضا والقبول بين أوساط النخبة المصرية وكبار مثقّفيها، بمختلف توجّهاتهم، عقب إعلان فوز المفكّر اللبناني الكبير الدكتور رضوان السيد بجائزة “النيل” للمبدعين العرب

 

غير مستفزّ

الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري الأسبق، والناقد العربي الأهمّ، قال لـ”أساس”: “رضوان السيّد علم من أعلام الثقافة العربية المعاصرة بلا منازع، واسم له وزن، ويشرِّف أيّ جهة ترشّحه. وبجانب الجهات المصرية التي رشّحته، فقد قمت بترشيحه للمجلس الأعلى للثقافة، وصدّقت أغلبية قيادات المجلس على ذلك”.

وحول أهميّة وقيمة المنتج الإبداعي لرضوان السيد، قال عصفور: “رضوان صاحب جهود متميّزة في كلّ مناحي الثقافة العربية، وفي مقدّمها وأبرزها تقديم قراءة جديدة للتراث بعيدة عن القراءات الاجترارية السائدة، بالإضافة إلى بُعد هذه القراءة عن الاستفزاز وإثارة الخصومات، كما يحدث معي (أي كما يحدث مع قراءات عصفور)”.

ومضى وزير الثقافة الأسبق مؤكّداً أنّه “بفضل هذه القراءة التصالحية مع المختلِف، استطاع رضوان أن يصل إلى شتّى العقليّات في المجال العربي المعاصر، بسلاسة وسهولة، وتمكّن من عرض قراءاته الجديدة وسط معاقل الفكر التقليدي والمحافظ، بل بين أهل الجمود والتعصّب من دون أن يثير حفيظتهم أو غضبهم، كما يحدث مع كثير من أرباب القراءات الجديدة، وفي مقدّمهم أنا.. وكلٌّ ميسّر لِما خُلِق له”.

وختم عصفور حديثه قائلاً: “في النهاية، أنا سعيد كلّ السعادة بفوز رضوان. وهذه المرّة الأولى التي تذهب هذه الجائزة إلى من يستحقّها. فقد أحرز المجلس الأعلى للثقافة هذه المرّة “جول” بتصديقه على منح جائزة “النيل” لهذا المفكّر الأصيل”.

 

لبنان في قلب مصر

من منظور آخر، رأى حلمي النمنم، الكاتب ووزير الثقافة المصري السابق، دلالات مغايرة لفوز رضوان السيد، فقال: “فوز مفكّر لبناني بجائزة مصرية في هذا التوقيت بالغ الخطورة وله مغزى عميق، إذ يؤكّد هذا التكريم أنّ لبنان الدولة والشعب بكلّ رموزه وطوائفه حاضر في قلب مصر وعقلها”.

وانتقل النمنم من الحديث العامّ عن لبنان إلى صاحب الجائزة، قائلاً: “يمثّل رضوان امتداداً لحالة ثقافية عربية عريقة تعود إلى القرن التاسع عشر. وهي تقاليد المدرسة اللبنانية التي تنتقل من لبنان إلى القاهرة، فتصبح منارة ثقافية بارزة، وتخلق مزيجاً خاصاً، كما في حالة جرجي زيدان وخليل مطران وغيرهما… تكرّر هذا الأمر مع رضوان، إذ تلقّى تعليمه الأول في لبنان، ثمّ جاء إلى مصر، وتعلّم في الأزهر، فجمع بين الثقافتين اللبنانية والمصرية على غرار أسلافه الأوائل من الشوام”.

فوز مفكّر لبناني بجائزة مصرية في هذا التوقيت بالغ الخطورة وله مغزى عميق، إذ يؤكّد هذا التكريم أنّ لبنان الدولة والشعب بكلّ رموزه وطوائفه حاضر في قلب مصر وعقلها

وفي ختام حديثه، أشار النمنم إلى أنّ “رضوان كان مواكباً ومشتبكاً مع القضايا الثقافية العربية. والأهمّ من ذلك هو انحيازه الواضح والقاطع إلى خط العقلانية والاستنارة في التراث الإسلامي.. وعندما أقول الاستنارة في سياقنا المعاصر، فإنّني أعني في المقام الأول تصدّيه بقوّة لِما يُسمّى “تيار الإسلام السياسي”، الذي يشوِّه في الحقيقة الإسلام والأمّة والتاريخ”.

 

اعتراف وتأكيد على الدور

“رضوان السيد مفكّر عربي كبير، وفوزه بجائزة النيل تأكيد واعتراف مستحقّ بدوره الفاعل والبارز في تكوين الفكر المصري والعربي المعاصر”… بهذه العبارة بدأ المفكّر والمترجم الدكتور أنور مغيث حديثه، واصفاً صاحب الجائزة.

إقرأ أيضاً: رضوان السيّد: ثنائيّة الإصلاح الدينيّ والنهوض الوطنيّ

ولفت الرئيس السابق للمركز القومي للترجمة إلى “تنوّع وخصوبة إبداعات السيّد، التي لم تقف عند ميدان واحد، بل امتدّت إلى شتّى الميادين، بدايةً من الترجمة في سياقات عدة، منها التراثي، والفلسفي، والتاريخي، والأدبي، والسوسيولوجي وغيرها.. مروراً بتحقيق النصوص التراثية، والانشغال الدائم بهموم الفكر العربي المعاصر، بالإضافة إلى التواصل مع الفكر الغربي لحظة بلحظة من أجل وضع العقل العربي على مسار الحداثة والتقدم”.

وأضاف مغيث: “مثل هذا التنوّع جعل منه قوّةً ثقافية حيّة، وداعيةً إلى نبذ التطرّف الطائفي والمذهبي الذي بات سائداً في واقعنا المعاصر”.

واستدعى أستاذ الفلسفة المعاصرة مشاركته في ندوة ترجمة رضوان السيد لكتاب “بردة النبي: الدين والسياسة في إيران”، مؤكّداً أنّ “هذه الترجمة كانت محاولة لبناء جسر بين كل القوى الإسلامية المعاصرة، بعيداً عن “حزازيات” السنّة والشيعة، عبر خلق رؤية متكافئة بين مختلف الفرق بلا ادّعاءات الأستاذية أو التبعية لأيّ من المذاهب”.

 

في الحلقة الثانية غداً:

شهادات من الدكتور قاسم عبده قاسم والدكتور عصمت نصار والكاتب نبيل عبد الفتاح

 

مواضيع ذات صلة

رضوان السيّد لـ”الأهرام”: مستقبل الإسلام في لاهوت الرحمة

أكّد المفكّر العربي الدكتور رضوان السيد أنّ تطوّر الدولة الوطنية هو الأساس لتحقيق النهضة سياسياً وفكرياً، وأنّ تطوّر مصر ضرورة حتميّة، معلناً ثقته المطلقة بتمكّن…

كلمة في الدكتور رضوان السيّد

أفضل جائزة تقدير يمكن أن تُقدَّم لعالِم ومفكّر كبير في مستوى الدكتور رضوان السيّد هي إنجازاته العلميّة: كتبه ودراساته وأبحاثه ومناقشاته ومقالاته التي تشكّل مكتبة…

رضوان السيّد.. الأزهريّ المُستنير

تربطني بالصديق والمفكّر الإسلامي العربي البارز الدكتور رضوان السيّد، علاقة وطيدة منذ سنوات طويلة، التقينا خلالها مرّات عديدة، بين مسقط وبيروت، وما بينهما أكثر عبر…

رضوان والبحث عن جذور الدولة وسكينة الدين

لم أتعرّف في المرّة الأولى على الدكتور رضوان من خلال لقاء شخصي معه. عرفته أوّل ما عرفته كاتباً وباحثاً. وأوّل ما قرأت له كان أوّل…