في جلسة صباحية خاصّة، كان الوزير السابق النائب المستقيل على غير عادته متوتّراً غاضباً، يتكلّم وينظر إلى جميع مُجالسيه: “إنّهم الحوثيّون – فرع لبنان، فهذا العهد استنساخ دقيق لتجربة الحوثيّين”. ثمّ يسترسل فيقول: “ما يحصل حفلة جنون، وقرار مجلس شورى الدولة هو ذروة هذا الجنون، ونموذج دقيق لطريقة تفكير هؤلاء. وفي ممارستهم السلطة يفعلون تماماً ما يفعله الحوثيون في اليمن من ضربٍ لمؤسسات الدولة واستقرار المجتمع وأمنه، ومن إفقار الناس وإذلالهم وكسر خواطرهم”. ثمّ يقف فجأة، ويقول: “لقد اتصلت بالأمس بالرئيس سعد الحريري، وقلت له: “إيّاك أن تعتذر أو تستقيل حتّى لو لوّحوا لك بالحرب. فالسلم مع أمثالهم جريمة كما الحرب، والتنازل معهم لا يقدّم ولا يؤخّر ولا يفيد”.
“لم يلفتني أيّ شيء بتصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد انتهاء اجتماع قصر بعبدا، الذي وُصف بالاجتماع المالي القضائي، سوى عبارة واحدة لا غير. فتصريح الحاكم يشابه تصاريحه السابقة باختلاف بسيط في بعض التفاصيل”.
ما يحصل حفلة جنون، وقرار مجلس شورى الدولة هو ذروة هذا الجنون، ونموذج دقيق لطريقة تفكير هؤلاء. وفي ممارستهم السلطة يفعلون تماماً ما يفعله الحوثيون في اليمن من ضربٍ لمؤسسات الدولة واستقرار المجتمع وأمنه، ومن إفقار الناس وإذلالهم وكسر خواطرهم
ويقول: “عبارة واحدة استوقفتني، وهي عبارة “صورة صالحة”، حين قال الحاكم: “بما أنّ مصرف لبنان لم يتبلّغ صورة صالحة عن القرار المذكور للتنفيذ…”. وفي تصريحه بعض التهذيب، فاستعمل “صورة صالحة” كي لا يستعمل عبارة “صورة غير صالحة” على الرغم من أنّها بيت القصيد”.
ويضيف: “محّصت وبحثت طويلاً وكثيراً في معنى العبارة، وإلى أيّ مصنّف تعود في القواميس أو في المحاضر الجامعية المخصّصة للتدريس. لم أجد أصلاً لها في المراجع الاقتصادية أو النقدية ولا أيّ أثر في كتب علم السياسة والدبلوماسية. لكن تساءلت في داخلي: وهل يفتقر الحاكم رياض سلامة إلى البصيرة حتى يدفعنا إلى التبصير؟”.
“تعالوا معاً نضع خطّاً وخطّين وثلاثة خطوط تحت مفردة “صورة صالحة”، ولأنّنا عجزنا عن الوصول إلى مصدرها، فليذهب اهتمامنا إلى معرفة أسبابها، فربّما تُغني الأسباب عن التفسير. فلنسأل معاً: لماذا لم يعتبر قرار مجلس شورى الدولة صالحاً؟ هل يا تُرى كانت فيه أخطاء إملائية كثيرة؟ أم الدرّاج أو المراسل، الذي أوصله إلى مصرف لبنان، أوقعه وهو في طريقه إلى المصرف في بركة للصرف الصحي عند أول طريق منطقة الحمراء؟ أم توقّف عند “سناك بربر” أو “غلاييني” ليتناول منقوشة زعتر فأوقع عليه قليلاً من الزيت كان كافياً ليجعل الورقة الخاصة بالقرار “صورة غير صالحة”؟ أم ربّما وجد محطة وقود تبيع البنزين، فتوقّف عندها، وما بين الهرج والمرج تلوّثت الورقة المعنيّة بالبنزين فسال حبرها وتداخلت كلماتها؟”.
“كلّها أسباب موجبة كي تحوّل الورقة إلى “صورة غير صالحة”، كما قال حاكم مصرف لبنان القدير. إلا أنّه بعيداً عن كلّ هذا الهراء والتهريج، ما هي الصفة القانونية والدستورية والميثاقية للاجتماع الذي عُقد في قصر بعبدا، والذي ضمّ حاكماً وقاضياً ومستشاراً يقف في الخفاء خلف كلّ قرار وتدبير؟ هل لاجتماعٍ كهذا صلاحياتُ معالجة قرار قضائي كاد أن يُطيح بالأمن وبالبلد وبكلّ صغير وكبير؟ فإن كان القرار صائباً، فالتراجع عنه خطأ كبير، وإن كان القرار خاطئاً، فتجب محاسبة مَن يقف خلفه. فعدم محاسبته أمر خطير”.
إقرأ أيضاً: الحكومة في “الكوما”… و”التنصيبة” تتجدّد
وختم: “إنّ اجتماع قصر بعبدا الفاقد للدستورية وللقانونية ليس الاجتماع الأوّل على هذه الشاكلة، ولن يكون الاجتماع الأخير. وهنا سأعود إلى المفردة الغريبة لأنّ الغرابة فيها تتساقط في مخيّلتي، فالأمور برمّتها، كما تبدو، هي “صورة غير صالحة” بعيداً عن كلّ تهذيب”.
لنعد إلى صديقنا النائب المستقيل، ونَقُلْ له: “صدقت. إنّه زمن الحوثيين في لبنان، وإن كانوا هنا لا يمتلكون مسيّرات متفجّرة، فإنّهم يمتلكون قرارات متفجّرة، ووزراء بأحزمة ناسفة، ومجالس قضائية غبّ الطلب. وهدفهم هو سرقة أموال المودعين”.