باسيل في موسكو: حضنٌ باردٌ.. بلا نتائج

مدة القراءة 5 د

كعادته، سال “خزّان” مواقف جبران باسيل خلال زيارته الروسية. أفرط في الكلام وفي تسجيل المقابلات والإطلالات، لدرجة التسبّب بحالة الضياع لكلّ من حاول رصد “زبدة” كلامه. غاص في أدبيّات المشرقيّة والغرب، وفي  الحقل المعجمي لحوار الحضارات، وفي التزلّف للعمق الروسيّ، وفي التنظير حول حروب الغاز وشروط التطبيع مع إسرائيل.. وذهب إلى حدّ طرح “السوق المشرقيّ”، على أن يكون لبنان في قلبه، ويضمّ لبنان والعراق وسوريا وفلسطين… وما أدراك ما فلسطين.

أفكار كثيرة لم توفّر الشأن اللبناني، في حكومته الضائعة بين زواريب الخلافات، وفي أساس النظام السياسيّ، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة. في الملفّ الحكوميّ، حار ودار حول الأسطوانة نفسها: “نريد حكومة تريد الإصلاح، وليس استمرار الفساد. ما يعوق تشكيل الحكومة هو الرغبة بالسيطرة والاستمرار بالسياسات الماضية ورفض الخطوات الإصلاحية، ومنها التدقيق الجنائي”. ولكن “أهضم” ما قاله تجلّى في تأكيده: “لسنا في معركة حصص”، والأطرف: ” كلّ ما يطرح حول أنّني أعمل لرئاسة الجمهورية يدخل في عالم الخرافات والأفلام السينمائية”.

نال باسيل ما ناه على مواقع التواصل بسبب هذه الجملة الأخيرة. إذ يعرف كلّ لبنانيّ، يكره باسيل، أو يحبّه، وهؤلاء قلّة قليلة، أنّه لا يعمل إلا من أجل الرئاسة.

زيارة باسيل إلى روسيا لم يكن لها أيّ انعكاس على المشهد السياسي، ما عدا صورته وهو يحضن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، غير آبهٍ بخطر كورونا… كأنّه كان تائهاً، ووجد أخيراً حضناً، ولو كان بارداً، وروسياً

ولم يوفّر ملفّ المفاوضات مع إسرائيل حول الحدود البحرية: “لا أعرف ماذا سيطرح الوسيط الأميركي الأسبوع المقبل في موضوع الحدود البحرية الجنوبية، لكن أعرف ماذا نريد نحن التيّار، وما نعتبره مصلحة لبنان والاستقرار في المنطقة”.

لكن ماذا يريد التيّار، يسأل متابعون: “هل هو الخطّ 29؟ أم خطّ جديد بين خطّ Hoff والخطّ 29؟ تغيير الوفد المفاوض؟ أم اللجوء إلى التحكيم الدولي لتقاسم الثروات عبر طرف ثالث يكون شركة أو تحالف شركات عالمية مرموقة”.

كذلك عرّج على ملفّ التفاوض مع سوريا: “طبعاً، هناك مشكلة وعلينا أن نحلّها بالحوار، لكن على جميع اللبنانيّين أن يأتوا إلى هذا الحوار… فإذا كنّا نقبل أن نتكلّم مع إسرائيل ولو بالواسطة، فهل نرفض أن نتكلّم مع سوريا؟”. وسأل: “ما هذا العقل السياسيّ المريض الذي يضرّ بمصالح لبنان لإرضاء الخارج؟”. وتجاهل أنّ الحوارات مع سوريا لم تتوقّف أبداً، وأنّ وزير الخارجية شربل وهبة التقى السفير السوري علي عبد الكريم علي لمناقشة هذه المسألة، وأن وزير الصحّة زار دمشق قبل أسابيع من أجل بعض الأوكسيجين، وأنّ ثمة وزيراً في حكومة تصريف الأعمال يقوم بزيارات مكّوكيّة إلى دمشق تحت عنوان بحث مسألة عودة النازحين، وأنّ رئيس الجمهورية أوكل إلى وفد عسكريّ متابعة ملفّ المفاوضات الحدوديّة مع سوريا!

أبدى جبران باسيل، أقلّه بالشكل، كلّ مرونة ممكنة تجاه ملفّ تأليف الحكومة، لكنّه في المقابل حدّد لفريقه هدفاً كبيراً، بدا كشرط لأيّ تسوية جديدة ممكن صياغتها: “علينا أن ننطلق لتأسيس نظام سياسي جديد عن طريق الحوار لأنّ النظام الحالي فشل، لكن حتّى ذلك الحين علينا أن ننهض اقتصاديّاً وماليّاً بشكل متوازن من دون طغيان السياسة الاقتصادية والمالية التي جعلت البلد ينهار… وليعطونا إصلاح النظام السياسيّ وليأخذوا الرئاسة… فالرئاسة وسيلة وليست غاية”.

هكذا وضع باسيل تغيير النظام بنداً أساسياً على طاولة المفاوضات السياسية، ومن موسكو. كما لو أنّه يرفع من وتيرة الخلاف، بين أن يكون حول الحكومة، إلى أن يصير خلافاً عابراً للملفات، يفتحه نزولاً عند حليفه حزب الله، لضرب اتفاق الطائف، ولا يقفله إلا بتسوية سياسية معه شخصياً، توصله إلى بعبدا.

لكن ماذا يريد التيّار، يسأل متابعون: “هل هو الخطّ 29؟ أم خطّ جديد بين خطّ Hoff والخطّ 29؟ تغيير الوفد المفاوض؟ أم اللجوء إلى التحكيم الدولي لتقاسم الثروات عبر طرف ثالث يكون شركة أو تحالف شركات عالمية مرموقة”

في التفاصيل، يقول المتابعون إنّ المسؤولين الروس يدركون جيّداً عمق الأزمة اللبنانية، ويعرفون الكثير من التفاصيل، حتّى لو لم يسبق لهم أن انخرطوا في ثنايا هذا الملفّ المتشابك. لكن لهذه الجولة خصوصيّتها بعدما باتت موسكو تشعر بأنّ الفوضى اللبنانيّة قد تهدّد مصالحها في المنطقة، وتحديداً في سوريا. وهذا كلام نقله مسؤولون وس بوضوح منذ فترة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. ولهذا يعلم رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ حقيقة الموقف الروسي وحساباته واعتباراته. وباسيل يدرك جيّداً أنّه قصد موسكو من باب السعي إلى غسل يديه من تهمة التعطيل، التي تُوجّه إليه بشكل خاصّ. وموسكو مقتنعة بأنّ قيام حكومة في هذه اللحظة بالذات عشيّة الانفجار الكبير صار حاجة ماسّة تستدعي تجاوز الكثير من الحساسيّات والخلافات بين اللبنانيّين، ولهذا ترفض الخوض في التفاصيل وتفضّل الحضّ على تجاوز تلك الحساسيّات في أسرع وقت ممكن.

إقرأ أيضاً: مهزلة المرسوم 6433: الخوف من العقوبات

هكذا يُفترض انتظار عودة باسيل إلى بيروت لتبيان حقيقة ما أبلغه إلى الروس. لكنّ بعض المتابعين يميلون إلى التفاؤل مع الإعلان الرسمي لزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، مع إشارة هؤلاء إلى أنّ باريس تقوم بتنسيق دقيق مع موسكو في ما خصّ الملفّ اللبناني، لأنّ الإدارة الفرنسيّة مصرّة على تحقيق خرق في لبنان. وجديدها هو تسليم لودريان هذا الملفّ، ويفترض حصول تقدّمٍ ما دفعه إلى تحديد موعد عودته إلى بيروت تعويضاً عن اللقاءات اللبنانيّة التي كانت ستستضيفها باريس قبل فترة وعُلِّقت، خصوصاً أنّ مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي لا تزال قيد المتابعة.

لكنّ الأكيد أنّ زيارة باسيل إلى روسيا لم يكن لها أيّ انعكاس على المشهد السياسي، ما عدا صورته وهو يحضن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، غير آبهٍ بخطر كورونا… كأنّه كان تائهاً، ووجد أخيراً حضناً، ولو كان بارداً، وروسياً.

 

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…