رئيس الجمهورية ميشال عون “غدر” بالوزراء ورئيس الحكومة المستقيل حسّان دياب. فبعد أيّامٍ من حملات تخوين برتقاليّة على مواقع التواصل الاجتماعي بحقّ وزير الأشغال (من حصّة سليمان فرنجية) الذي طلب التّريّث قبل التّوقيع على تعديل المرسوم 6433 القاضي بتعديل حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلّة، وبعدما وقّع الرئيس دياب ووزيرة الدفاع زينة عكر، صَدَم رئيس الجمهوريّة ميشال عون الجماهير البرتقاليّة التي قادَت حملات شرسة بوجه كلّ معارضيه، وذلك بعدما امتنع عن توقيع تعديل المرسوم المُتعلّق بتوسيع المنطقة البحريّة اللبنانيّة.
علّلت المديريّة العامّة لرئاسة الجمهوريّة عدم توقيع عون بأنّه “يحتاج الى قرار الحكومة مجتمعةً، وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات، حتّى مع حكومة تصريف أعمال، نظراً إلى أهمّيته والنتائج المترتّبة عليه”. وهذا ما نشره “أساس” أمس نقلاً عن “هيئة التشريع”، ونقلاً عن لسان الخبير القانوني والدستوري الوزير السابق بطرس حرب.
لكنّ أوساط العونيين كانت تُروّج أنّ المرسوم سيُوقّع أمس الثّلاثاء في قصر بعبدا، وسيحصل على موافقة استثنائيّة من رئيسيْ الجمهوريّة وحكومة تصريف الأعمال، على أن يُعرض في وقتٍ لاحقٍ على مجلس الوزراء على سبيل التّسوية.
علّلت المديريّة العامّة لرئاسة الجمهوريّة عدم توقيع عون بأنّه “يحتاج الى قرار الحكومة مجتمعةً، وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات، حتّى مع حكومة تصريف أعمال، نظراً إلى أهمّيته والنتائج المترتّبة عليه”
تعليل رئاسة الجمهوريّة عدم التوقيع بالحاجة إلى جلسة مجلس وزراء ليس منطقياً، استناداً إلى حملة الضغوط على الوزراء ورئيسهم، وخصوصاً أنّه في العدد 9 (04 آذار 2021) من الجريدة الرّسمية أُدرجَت موافقة استثنائيّة صادرة عن رئيسيْ الجمهوريّة وحكومة تصريف الأعمال تقضي بتعديل المادّة 4 من المرسوم 2733/2018 (كما تظهر النّسخة المُرفقة أدناه) المُتعلّق “بتمديد فترة العمل بالرصيد المتبقّي من الهبة المقدّمة عام 2018 من مجلس وزراء الشؤون الاجتماعيّة لدعم جهود الاستجابة لتداعيات النّزوح السّوري”… تكرّر الأمر في 5 شباط 2021، يوم وافق الرّئيسان عون ودياب على تعديل المرسوم 6928/2020، المتعلّق “بتمديد إعفاء المستلزمات الطّبيّة والاستشفائية لمكافحة فيروس كورونا من الرّسوم الجمركيّة وغيرها”.
فما السّبب الحقيقيّ وراء امتناع الرّئيس عون عن توقيع تعديل المرسوم 6433؟
في هذا الإطار، قالت مصادر مُطّلعة لـ”أساس” إنّ امتناع الرّئيس عون عن توقيع المرسوم، عشيّة وصول وكيل الخارجيّة الأميركيّة للشؤون السّياسيّة ديفيد هايل إلى بيروت، يُشير إمّا إلى نيّته الاستحصال على تسوية من واشنطن مقابل تسهيل مهمّة ترسيم الحدود، وإمّا إلى انتظار الرّئيس عون ومستشاريه ما سيقوله هايل في قصر بعبدا.
إذ تُشير معلومات خاصّة بـ”أساس” أنّ أحد مستشاري رئيس الجمهوريّة كان الشّخصيّة الثّانية التي ستخضع للعقوبات الأميركيّة بعد النّائب جبران باسيل، إلّا أنّ تغيّر الإدارة أجّل تنفيذ العديد من الإجراءات.
تعليل رئاسة الجمهوريّة عدم التوقيع بالحاجة إلى جلسة مجلس وزراء ليس منطقياً، استناداً إلى حملة الضغوط على الوزراء ورئيسهم
وفي الموضوع عينه، كان أكثر من مصدر أميركيّ قد قال سابقاً إنّ بلاده قد تُخضع معرقلي مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة للعقوبات الأميركيّة. وفي هذا الصدد، سأل خبير في ملف الترسيم: هل كان امتناع الرئيس عون عن التوقيع سببه الخوف من العقوبات؟ إذ إنّ توسيع المنطقة المتنازع عليها مع الإسرائيليين إلى 2280 كلم مربعاً سيُعتَبر عامل عرقلةٍ من دون أدنى شكّ لدى مراكز القرار في واشنطن.
وتجدُر الإشارة إلى أنّها ليست المرّة الأولى التي يمتنع الرّئيس عون عن استكمال خطوات تعديل المرسوم 6433/2011.
إقرأ أيضاً: عون يطلق “شبعا البحرية”: توقيع وزير الأشغال باطل
فقد حصل “أساس” على صورةٍ لرسالة كان قد أعدّها الرّئيس عون ووقّعها بتاريخ 5 أيلول 2020، كان ينوي توجيهها إلى الأمين العام للأمم المُتحدة أنطونيو غوتيريش، لكنّه عدل عن الإرسال. وكان هذا قبل أسابيع قليلة من زيارة ديفيد شينكر الأخيرة إلى لبنان بعد التّوصّل إلى اتفاق إطارٍ مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي. السّؤال الذي يبرز هنا: لماذا واجهت رسالة عون المُوقّعة وغير المُرسَلة في أيلول 2020 مصير تعديل المرسوم 6433، الذي أحيل من الأمانة العامّة لمجلس الوزراء؟ وهل من رابطٍ بين عدم استكمال القصر الجمهوري طريقَ الرّسالة نحو نيويورك وبين العقوبات التي فُرِضَت على الوزيرين السّابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس في الفترة عينها، حين “اختفت الرّسالة وأضلّت طريقها”؟
إذن، باتَ من شبه الواضح أنّ “رُهاب” العقوبات قد استطاع أن يمنع استكمال توقيع مرسومٍ، وأن يُخفي الرسالةً عن وجه الأرض… والواضح تماماً أنّ حملات التخوين البرتقاليّة التي وصلت إلى أعتاب عين التينة وبنشعي وبيت الوسط لن تجدَ ممرّاً لها وسط الطّريق المُقفل إلى بعبدا، بل ستأخذ الامتناع عن التوقيع إلى سجلّ العظماء على قاعدة “إيد عن إيد بتفرُق”.
والأكيد أنّ العقوبات والخوف منها كشفا مهزلة المرسوم 6433.