لماذا يرفض محافظو إيران وإسرائيل الاتّفاق النوويّ؟

مدة القراءة 6 د

بالتزامن مع الكشف عن المسار الحواريّ بين طهران والرياض الذي لا يزال يُواجهه كلا الطرفين بالنفي، يبدو أنّ اللهجة السعودية المعارضة لإعادة إحياء الاتفاق النووي والتقارب الأميركي الإيراني بدأت تأخذ منحى أكثر هدوءاً ولم تعد تتّسم بالشدّة الكبيرة، دافعةً إلى الاعتقاد أنّ جهوداً كبيرة تُبذل من أجل تخفيف المخاوف السعودية، إن عبر الإدارة الأميركية مباشرة، وإن بالمساعدة على تسهيل حوار مباشر بين الطرفين يأخذ بعين الاعتبار في نتائجه تعاوناً إيرانياً حقيقيّاً من أجل تهدئة المخاوف السعودية، ولا سيّما في الكثير من الملفّات الإقليمية التي تشكّل مساحة اشتباك بين الطرفين. وتضمّ هذه الملفّات الأزمة اليمنيّة وإطلاق المفاوضات لإحلال السلام والحلّ في هذا البلد، وفي مستوى أقلّ، ترسيم خطوط الأدوار على الساحة العراقية، بحيث يمكن الانتقال لاحقاً إلى التفاهم على حلّ أزمات أخرى، من بينها الأزمتان اللبنانية والسورية، لكن بعد مرحلة من اختبار النوايا والجديّة في البحث عن مخارج حقيقية للحلّ، ولا سيّما لدى الجانب الإيراني الذي يرى في مثل هذه الحوارات مخرجاً من الضغوط التي يتعرّض لها في الملف النووي، على أن تشمل هذه المرحلة ملفّيْ البرنامج الصاروخي والنفوذ والدور الإقليميين. 

بلغت المعارضة الداخلية، التي تستهدف الفريق المفاوض، حدّ اتّهامه بالخيانة والتفريط بالمصالح القومية الإيرانية، من دون أيّ إشارة أو اتّهام لأعداء إيران، وتحديداً الولايات المتحدة

في موازاة هذا التطوّر، الذي ما زال في مرحلته الجنينية، يأتي كلام الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي اتّهم أحزاب التيار المحافظ وقواه باستهداف المفاوضات النووية الجديدة والعمل على عرقلة وإفشال الجهود، التي تبذلها حكومته لإزالة وإلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية وفكّ الحصار المفروض على إيران. وقد بلغت هذه المعارضة الداخلية، التي تستهدف الفريق المفاوض، حدّ اتّهامه بالخيانة والتفريط بالمصالح القومية الإيرانية، من دون أيّ إشارة أو اتّهام لأعداء إيران، وتحديداً الولايات المتحدة. وهو كلام يحمل الكثير من الدلالات، ومنها أنّ هذا الفريق لا يرى في سياسات الولايات المتحدة العدوّ الحقيقي للنظام الإيراني ومصالحه الاستراتيجية والقومية والوطنية، بل يجد أنّ الخطر المهدّد للنظام يأتي من سياسات الحكومة الساعية إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي وإنهاء حالة العزلة الاقتصادية، التي وصلت تأثيراتها السلبية حدّ تهديد استقرار النظام والمنظومة الحاكمة برمّتها وبقائهما. 

ما يثير علامات استفهام كبيرة عن موقف قيادة النظام من المعركة السياسية التي يتواجه فيها التيار المحافظ مع حكومة روحاني وفريقها المفاوض، هو أن تكون مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، الخاضعة لإشراف مباشر من مكتب المرشد الأعلى، رأس الحربة في الهجوم الذي يتعرّض له الفريق المفاوض. فهل المؤسسة في موقفها هذا تعبِّر عن توجّهات المرشد الأعلى أم تستخدم التفاوضَ أداةً لتشويه صورة الفريق المنافس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً أنّ أيّ انتصار يحقّقه الفريق المفاوض سيصبّ في صالح الفريق الخصم – الإصلاحي والمعتدل – في معركة صناديق الاقتراع لِما سيوفّره من انتعاش اقتصادي ومالي وسياسي وشعبي يكون له تأثير في اتجاهات الرأي العام الإيراني في الأيام الأخيرة قبل انطلاق معركة السباق الرئاسي. 

الخطر المهدّد للنظام يأتي من سياسات الحكومة الساعية إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي وإنهاء حالة العزلة الاقتصادية، التي وصلت تأثيراتها السلبية حدّ تهديد استقرار النظام والمنظومة الحاكمة برمّتها وبقائهما

وعلى الرغم من أنّ الضوء الأخضر بالعودة الإيرانية إلى طاولة التفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة صدر عن المرشد الأعلى، ومن تأكيد الفريق المفاوض أنّ كلّ القرارات، التي ستتّخذ أثناء التفاوض، وكلّ ما سيُتّفق عليه في فيينا، ستكون نتيجة ما تقرّره طهران والمرشد الأعلى مباشرة، فإنّ هجوم المعسكر المحافظ على المفاوضات واتّهام الفريق المفاوض بتقديم تنازلات، لا يأخذ بعين الاعتبار الموقف المتشدّد لحكومة روحاني، المدعومة من المرشد، في رفضها أيّ مفاوضات جانبية أو أيّ تعديل للاتّفاق الموقّع عام 2015، وقطعها الطريق أمام كل محاولات واشنطن لوضع ملفّيْ البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي على طاولة التفاوض. يُضاف إلى ذلك نجاح هذا الفريق في إفشال الجهود الأميركية لفرض معادلة خطوة مقابل خطوة، والاقتراب من آلية تضمن لإيران اختبار النوايا الأميركية وجدّيّتها في إلغاء العقوبات من خلال اعتماد مبدأ العودة المتزامنة، الذي ينصّ على تراجع واشنطن عن القرارات التي أصدرها الرئيس السابق دونالد ترامب مقابل عودة طهران إلى تنفيذ جميع التزاماتها النووية، بما فيها وقف التخصيب عند مستوى 60 في المئة، والالتزام بالسقف المسموح به البالغ 20 في المئة، حسب الاتفاق، وعودة تفعيل آلية التفتيش المباغت. 

إقرأ أيضاً: المحادثات النووية: ألوان الحرب في وشاح خامنئي

وفي مقابل الترحيب الدولي بالخطوات الإيجابية، التي تشهدها مفاوضات فيينا، وباقتراب التوصّل إلى تفاهم لإعادة إحياء اتفاق عام 2015، سواء أكان مصدر هذا الترحيب الاتحاد الأوروبي، ولا سيّما الترويكا الفرنسية الألمانية البريطانية الشريكة في الاتفاق النووي، أم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أم غيرهما، يتعالى صوت الحكومة الإسرائيلية المعارض لأيّ اتفاق مع إيران لا يتضمّن فرض قيود أكثر قسوةً وتشدّداً على برنامجها النووي، والمطالِب بعدم التساهل في التفاوض على البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي لإيران لأنّهما يشكّلان مصدر خطر وزعزعة لاستقرار المنطقة وأمنها. وهو موقف يلتقي في سلبيّته من مبدأ التفاوض مع موقف المعسكر المحافظ في الداخل الإيراني، لكن من منطلقات مختلفة. إلا أنّ الموقفين يصبّان في إطار عرقلة التقارب بين واشنطن والحكومة الإيرانية، لأسباب انتخابية بالنسبة إلى المحافظين والنظام الإيراني، ولأسباب تتعلّق بالدور والموقع في الإقليم بالنسبة إلى إسرائيل. ولا يترك كلا الطرفين الإسرائيلي والمحافظ وسيلةً لضرب المسار التفاوضي أو عرقلته، إن كان من خلال العمل التخريبي، الذي استهدف منشأة نطنز عشية الجولة الأولى للتفاوض، ولم تبذل تل أبيب أيّ جهد لإبعاد التهمة عنها، وإن بتصويب المحافظين على الفريق المفاوض ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، مرةً من خلال المسلسل التلفزيوني “كاندو” الذي أُوقف، ومرةً أخرى من خلال الفيلم الوثائقي “مصدر مطّلع” الذي يتّهم أعضاء في الفريق المفاوض بالعمالة لواشنطن، ومرةً ثالثةً باتّهام المفاوضين بتقديم تنازلات عن الحقوق الإيرانية. وهذه الاتّهامات، وإن كانت تدخل في إطار انتخابي داخلي، فإنّها تشبه من يطلق النار على قدمه، حسب توصيف إسحاق جيهانغيري النائب الأول لرئيس الجمهورية.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…