تستمرّ أصداء القرار، الذي اتّخذه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام، بسحب القوات الأميركية نهائياً من أفغانستان بحلول 11 أيلول المقبل. ويتزامن هذا التوقيت مع مرور 20 عاماً على ما وصفه الرئيس بايدن بـ”حروب أميركا إلى الأبد”، التي قرّر إنهاءها. ومع ملفّ أفغانستان، انفتح ملف الاتّفاق النووي مع إيران، الذي لم تقرّر واشنطن كيف ستعود إليه.
كيف هي صورة المنطقة من كابول إلى بيروت مروراً بطهران، كما رصدتها “أساس” في الصحافة الغربية ولدى أوساط ديبلوماسية؟
نبدأ من “نيويورك تايمز”، وتحت عنوان “الساعة تدقّ لبايدن في إيران”، كتب البروفسور فالي نصر، الخبير في السياسات الإيرانية والخارجية في الشرق الاوسط، أنّه “على الولايات المتحدة أن تقرّر سريعاً رفع العقوبات، وأن تتقدّم بخريطة طريق لإعادة إحياء الاتفاق النوويّ مع إيران. لكن الاتفاق يعوقه عدم الاتفاق على من يجب أن يبادر إلى اتّخاذ الخطوة الأولى، وكيف يمكن إدارة الخطوات التالية للعودة الكاملة إلى الالتزام بالاتفاق. وزادت الاختلافات بعد تسلّم الرئيس بايدن منصبه. فالبعض في الكونغرس وحكومات إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يضغطون على البيت الأبيض كي يتضمّن الاتفاق الحدّ من استراتيجيات إيران العسكرية والسياسية الإقليمية. لكنّ إدارة بايدن أشارت إلى أنّها تتطلّع إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 لأنّه بعيد المدى وقويّ، ويتضمّن فرض تغييرات في موقف طهران من دعم القوى التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ويقلّص عدد الصواريخ البعيدة المدى التي بحوزتها. في المقابل، لم تبدُ إيران متلهّفةً لمعاودة المحادثات مع واشنطن. وقال المرشد علي خامنئي إنّ إيران لن تفاوض على اتفاق آخَر غير اتفاق عام 2015. وقدّر آخِر تقرير لوكالة الطاقة الذرية الدولية أنّ إيران زادت تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، متجاوزةً سقف 3 في المئة. وإذا لم يحدث اختراق في محادثات فيينا، وخلصت طهران إلى أنّ الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات، فإن المسألة النووية قد تصبح خطيرة ويُحتمَل أن تدفع الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط”.
تستمرّ أصداء القرار الذي اتّخذه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام لسحب القوات الأميركية نهائياً من أفغانستان بحلول 11 أيلول المقبل. ويتزامن هذا التوقيت مع مرور 20 عاماً على ما وصفه الرئيس بايدن بـ”حروب أميركا إلى الأبد”، التي قرّر إنهاءها
وورد في صحيفة “فايننشال تايمز” أنّ “العقوبات التي فرضت على إيران كلّفت الاقتصاد 200 مليار دولار على الأقلّ، وفقاً للمسؤولين، وألحقت الأذى بالإيرانيين العاديّين، لكنّ النظام – على الأقلّ في عناصره المتشدّدة – لم يَنْهَرْ تحت سياسة “الضغط الأقصى” لإدارة دونالد ترامب”. وتنقل عن أحد أقرباء آية الله خامنئي قوله إنّه سيظلّ يرتدي الوشاح الأبيض وعليه خطوط سوداء طالما يعتقد أنّ الجمهورية الإسلامية تهدّدها الإصلاحات الجذرية، وذلك لإظهار أنّه لن يتنازل عن المبادئ، ولن يسمح للولايات المتحدة وإسرائيل والإصلاحيين، بدفع إيران إلى الوراء في المنطقة مرة أخرى، أو تقويض برنامج الصواريخ الباليستية أو الشكّ في سلطة خامنئي المطلقة.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ الوشاح المشار إليه اعتاد خامنئي ارتداءه فقط في المناسبات الخاصة، ولا سيّما العسكرية، مثل زيارات جبهات الحرب مع العراق في الثمانينيّات، لكن منذ عام 2000، أصبح من النادر مشاهدة المرشد الأعلى، أعلى سلطة في البلاد لأكثر من 30 عاماً، في العلن من دون أن يكون مرتدياً الوشاح على كتفيه.
وخلصت الصحيفة إلى القول: “مع انضمام إيران الأسبوع الماضي إلى محادثات فيينا مع الموقّعين الآخرين على الاتفاق النووي – الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين – لبحث مستقبل الاتفاق، تكون إيران قد رفضت فرصة التحدّث مباشرة إلى الولايات المتحدة، ولذا تبدو بعيدة المنال فرص تحقيق إنجاز دائم”.
ومن الملف الإيراني إلى الملف الأفغاني، كتبت “واشنطن بوست”: “على الرغم من أنّ الرئيس بايدن أيّد إرسال القوات إلى أفغانستان قبل عقديْن، لكنّ رأيه تبدّل كليّاً عام 2009 عندما اعترض على زيادة القوات التي وافق عليها الرئيس الأسبق باراك أوباما. وعام 2011، صرّح بأنّ “طالبان، على ما يظهر، ليست عدوّنا”. وفي حملته الرئاسية العام الماضي تعهّد إنهاء “حروب إلى الأبد” تخوضها الولايات المتحدة”.
وفي “وول ستريت جورنال”، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان: “الأمر لم يعد يتعلّق بأفغانستان وحدها. فالقاعدة موجودة في اليمن والصومال وسوريا وغيرها، وداعش في سوريا والعراق. نحتاج إلى جمع مواردنا لحماية بلادنا من مختلف الأخطار الآتية من مختلف البلدان والقارات، وليس لحمايتها من أفغانستان فقط”.
وقالت “فايننشال تايمز”: “تستعدّ باكستان وإيران وروسيا، جيران أفغانستان، لملء الفراغ الذي سينجم عن انسحاب الولايات المتحدة. ولفت خبير إلى التشابه المقلق بين الانسحاب الأميركي اليوم وذاك السوفياتي قبل 30 عاماً. فقد استند بايدن إلى اتفاق أبرمه الرئيس ترامب في الدوحة مع طالبان في شباط 2020. وبينما تعهّدت طالبان بالإفراج عن آلاف السجناء، كانت تشنّ هجوماً بلا هوادة على القوات الحكومية والمدنيين. وقد قُتل أكثر من 500 مدنيّ في أفغانستان خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2021 بزيادة 30 في المئة عن عدد الضحايا في الفترة المماثلة من العام الماضي، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة. لكنّ الانسحاب سيتمّ بغضّ النظر عن موقف جيران أفغانستان، الذين يهتمّون قليلاً بدعم سيطرة (الرئيس الأفغاني) أشرف غاني على كابول. فباكستان لم تتخلَّ عن هدفها بأن يكون لها عمق استراتيجي في أفغانستان من خلال عودة طالبان. وإيران لن تتحوّل إلى قوّة استقرار. ويعلم بايدن شخصياً هذه المخاطر. عام 2011، هو الذي تولّى ترتيب الانسحاب النهائي من العراق. لكن عادت الولايات المتحدة خلال عامين إلى الانغماس في المنطقة مع الانتشار السريع لداعش في العراق وسوريا. في ذلك الحين كان شعار الانسحاب من “حروب إلى الأبد” مغرياً، كما هو الحال الآن، لكن كانت كبيرة منافع عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة ليكون لها موطئ قدم فيها من أجل التأكّد من عدم عودة الاضطراب إليها. ويمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على وجود معتدل في أفغانستان، على الأرض وفي الجوّ. ففي العام الماضي قتل فقط عشرة من القوات الأميركية في المعارك هناك. وسيكون انسحاب الولايات المتحدة مأساوياً، ليس في أفغانستان فحسب، بل في العالم بأسره”.
الوشاح المشار إليه اعتاد خامنئي ارتداءه فقط في المناسبات الخاصة، ولا سيّما العسكرية، مثل زيارات جبهات الحرب مع العراق في الثمانينيّات، لكن منذ عام 2000، أصبح من النادر مشاهدة المرشد الأعلى، أعلى سلطة في البلاد لأكثر من 30 عاماً، في العلن من دون أن يكون مرتدياً الوشاح على كتفيه
وجاء في عنوان صحيفة “تايمز” البريطانية: “نهاية العمليّات: الانسحاب الأميركي من أفغانستان يعزّز أعداء الغرب”، وفيه أنّ “التوقيت يمنح القاعدة وطالبان نصراً دعائياً ورمزياً كان بالإمكان تفاديه”.
وبالعودة إلى “نيويورك تايمز”: “على مشارف ذروة الحرب الأميركية في أفغانستان، أعلن عام 2014، الجنرال الباكستاني حميد غل، القائد السابق لجهاز الاستخبارات في باكستان خلال فترة الحرب الباردة في الثمانينيّات من القرن الماضي: عندما سيكتب التاريخ أنّ هذا الجهاز هزم الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، فلا بدّ من القول إنّ ذلك قد تمّ بمساعدة الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه ستكون للتاريخ عبارة أخرى هي: إنّ جهاز الاستخبارات الباكستانية، بمساعدة الولايات المتحدة، قد هزم الولايات المتحدة”.
إقرأ أيضاً: تقريران: روسيا ترسم سلاماً سورياً إسرائيلياً… ولبنان التالي؟
وزير الدفاع الباكستاني الأسبق وحليف الولايات المتحدة خواجا محمد آصف، الذي كان يزور مراكز القرار في واشنطن، نشر على تويتر أثناء هذه الزيارة صورةً جمعت وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو مع الملّا عبد الغني برادر، أحد مؤسّسي طالبان وممثّلها في محادثات قطر. وقد أرفق الصورة بتعليق: “ربّما تكون القوّة إلى جانبك، لكنّ الله إلى جانبنا. الله أكبر”.
مصدر ديبلوماسي يقول لـ”أساس”: يعلّمنا التاريخ أنّ انتصارات الإسلاميين تنتهي دوماً بحروب أو اضطرابات، مثل الثورة الإيرانية عام 1979، وحزب الله في لبنان عام 2000، وحماس في غزة عام 2006، والآن مجدّداً في أفغانستان مع طالبان”.