باستثناء رئيس حكومة تصريف الأعمال، لم يتبرّع أحد من المشاركين في الاجتماع الأمني بالتطرّق إلى موضوع تأليف الحكومة.
أتى موقف حسان دياب، عقب مداخلةٍ لرئيس الجمهورية قال فيها بنبرة عالية: “لا أريد تكرار ما حصل في عوكر”، قاصداً تدخّل القوى الأمنية وتفريق المتظاهرين وفتح الطريق بالقوّة بالتزامن مع دخول القاضية غادة عون إلى مكاتب مكتّف للصيرفة وإخراج ما تبقى من “داتا”، كما قالت، “مرتبطة بالتحويلات المالية إلى الخارج”.
وعقّب دياب على كلام عون بالتأكيد أن لا ضمانة مطلقاً “لعدم تكرار مشاهد الصدام في الشارع، ليس في عوكر فحسب، بل أمام الأفران والمحلات التجارية والمصارف ومحطات البنزين والشارع… طالما لم تُؤلَّف حكومة”، مؤكّداً أنّ “الحكومة الحالية لن تستطيع تحمّل مسؤولية ما يمكن أن يحصل في حال رفع الدعم أو وقوف “الشوارع” بعضها في وجه البعض الآخر!”.
لم تعُدْ الأسباب الموجبة لانعقاد اجتماع بعبدا الأمني خافيةً على أحد. جُنّ جنون الرئيس عون وهو يتابع تطوّرات يوم الأربعاء أمام مكاتب مكتّف، فأجرى اتصالات شملت قادة أمنيين عشية اجتماع الخميس الأمني، وعلا صوته خلال مكالمة هاتفية قائلاً: “أعتبر ما يحصل موجّهاً ضدّي بشكل مباشر، ولن أسمح بذلك”.
مشهد عوكر وما قد يليه من تطوّرات في ملف التحويلات المالية الذي تصرّ القاضية عون على بقائه بيدها، والتداعيات الخطيرة للأزمة المالية والسياسية، بات يكرّس أكثر فأكثر حالة “العزل” التي يَشعر بها قصر بعبدا في مواجهة خصومه، الأمر الذي يفسّر تغيّر “التكتيك” العوني في مقاربة الألغام التي تعترض “مسيرة مكافحة الفساد التي أطلقها ميشال عون حتى قبل انتخابه رئيساً للجمهورية”، كما تصفها مصادر بعبدا.
لم تعُدْ الأسباب الموجبة لانعقاد اجتماع بعبدا الأمني خافيةً على أحد. جُنّ جنون الرئيس عون وهو يتابع تطوّرات يوم الأربعاء أمام مكاتب مكتّف، فأجرى اتصالات شملت قادة أمنيين عشية اجتماع الخميس الأمني، وعلا صوته
عمليّاً لا أحد يقف مع عون في معركته الأخيرة، التي حصرها أخيراً بـ”التدقيق الجنائي قبل تأليف الحكومة”، وأعطى مدّعي عام جبل لبنان غادة عون الضوءَ الأخضرَ بأن “تتصرّف وأنا إلى جانبك”، مشجّعاً قضاة آخرين من كل الانتماءات على التمثّل بما تفعله غادة عون بعدما “تقاعس القضاء بتركيبته الحالية عن المحاسبة وملاحقة المرتكبين والوقوف بوجه من يتخطّى الخطوط الحمر”.
ولائحة المُمانعين لميشال عون طويلة: بكركي، رئيس مجلس النواب نبيه برّي، رئيس حكومة تصريف الأعمال، الرئيس المكلّف، رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي نصح القاضية عون أمس بأن “تعي الفخّ المنصوب من أقرب الناس”، ورئيس |تيار المردة” سليمان فرنجية، و”القوات اللبنانية”، وغالبية الجسم القضائي، والمجتمع الدولي الذي يضع باسيل على رأس لائحة المعطّلين.
ويتحدّث أعضاء سابقون في تكتّل لبنان القوي عن “مخطّطات تدميرية” لجبران باسيل، وعن “انقلاب يغطّيه ميشال عون”، كما أعلن قبل أيّام نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، مفتتحاً “هجومه” من قناة “nbn” التابعة لنبيه برّي…
أمّا حزب الله فصمته يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة، لعلّ أهمّها أسلوب تعاطيه مع الاستحقاق الرئاسي المقبل، وتركيزه الدائم على أهمية عامل الوقت من دون مناصرة عون والتيار الوطني الحرّ في معركتهما “المصيرية”. وهو “حياد” يوسّع بيكار التوتّر بين الحليفين.
هذا المشهد تستند إليه مصادر بعبدا لتجزم “أحقّيّة معركتها بوجه منظومة الفساد، التي استنفرت كلّ أجهزتها في القضاء والأمن والسياسة والمال والمصارف، لتقف بوجه مشروع عون الإصلاحي”، مؤكّدة أنّ “بعض الحلفاء غدروا بنا، والبعض الآخر كنّا ننتظر منذ البداية أن ينقلوا البارودة في أيّ لحظة لأنّهم من طينة راكبي العهود، وتحالفنا معهم كان لحسابات مصلحية وانتخابية، لكن لم نتوقّع حجم الاستدارة التي ترتقي إلى مستوى الخيانة”.
ولا تستبعد المصادر أن يكون الشارع آخر الأوراق المُستخدمة عبر فتح طريق بعبدا أمام من يدعم رئيس الجمهورية في معركته لكشف ناهبي الدولة بالأسماء بعدما لم يعد للصلح مع سعد الحريري مطرح، وتحوّل تأليف الحكومة إلى مؤامرة مكشوفة ضدّ العهد، وما عادت تنسجم آليات التعاطي الدستوري مع حجم الأزمة والمؤامرة.
يتحدّث أعضاء سابقون في تكتّل لبنان القوي عن “مخطّطات تدميرية” لجبران باسيل، وعن “انقلاب يغطّيه ميشال عون”، كما أعلن قبل أيّام نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، مفتتحاً “هجومه” من قناة “nbn” التابعة لنبيه برّي…
هكذا بات تأليف الحكومة خلف ظهر الجميع، فيما تكبر رقعة الحصار حول بعبدا مع فرز رقعة الاصطفافات، التي بدأت سياسية – مالية فقضائية، وقد تصل إلى الملعب الأمني، وهذا أخطر وجوه الأزمة، خصوصاً مع الحديث المتكرّر عن “عسكرة” الحلّ.
وتؤكّد مرجعية معنيّة بالأزمة أنّ “خلاف عون والحريري لا حلّ له إلا بإقصاء الاثنين أو أحدهما. وزيارات الرئيس المكلّف، التي لن تؤثّر في مسار الأزمة سوى من باب “تزييت” علاقاته الدولية وتلميع صورته الشخصية فقط، تستفزّ رئيس الجمهورية على نحو كبير، فيما بدأت جدّيّاً في بعبدا حلقات النقاش في الاقتراحات الدستورية المحتملة لسحب التكليف من الحريري أو توجيه اتّهامات صريحة له بمخالفة روح الدستور وزعزعة الأمن القومي والسياسي والاجتماعي بتمنّعه عن القيام بما يلزم مع رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة”.
في المقابل، يتصرّف خصوم رئيس الجمهورية وباسيل على أساس تنفيذ العهد لِما يشبه الانقلاب، الذي لن يقف مداه عند تمرّد مدعي عام جبل لبنان، بل سيصل تدريجيّاً إلى حدّ منع حصول انتخابات نيابية في حال عدم تأليف حكومة، الأمر الذي سيؤدّي إلى البحث عن تفسيرات دستورية تعلّل وتمهّد لبقاء عون في بعبدا بعد نهاية ولايته في 31 تشرين الأوّل 2022، بذريعة عدم إحداث فراغ في السلطة، وذلك إلى حين تحسين شروط باسيل الرئاسية.
إقرأ أيضاً: أنا ميشال عون: الجنرال العتيق… والمهزوم
وينقل هؤلاء تأكيدات من محيط عون الرئاسي تفيد بأنّ الأخير “مقتنع بأنّ معركة استعادة حقوق المسيحيين ومكافحة الفساد لن تستمرّ بعد نهاية ولايته إلا من خلال باسيل نفسه، وبكونه الأحقّ بالجلوس مكانه بعد نهاية ولايته إن لم تطرأ ظروف قاهرة تحول دون ذلك”.
ويجزم العارفون أنّ المحطة الأخيرة لهذا المسار ستتزامن مع بروز مؤشرات التسوية الكبرى في المنطقة، التي لن تأتي لصالح رئيس الجمهورية ونائب البترون، تماماً كما كانت معركة عون الخاسرة قبل أكثر من 30 عاماً، التي انتهت بسقوط كلّ الخطوط الحمر ودخول الجيش السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع.