مفتي طرابلس لـ”أساس”: الأغنياء يساعدون.. لكن لا بديل عن الدولة

مدة القراءة 5 د

في حزيران 2020، تولّى الشيخ محمد إمام منصب مفتي طرابلس والشمال بالوكالة، وذلك إلى حين انتخاب مفتٍ جديد خلفاً للمفتي مالك الشعّار.

هو شيخ معروف بشخصيته “السمحة”. فهو لا يحمل شهوات التصادم، ولا يهوى الجبهات، بل يعمل بصمت، وبعيداً من التجاذبات السياسية والزواريب الضيّقة. وشعاره منذ تولّيه مهمة الإفتاء: “دار الإفتاء ستكون على مسافة واحدة من الجميع”.

يصف العاملون مع المفتي إمام، حين كان أمين فتوى طرابلس، قبل أن يتولّى منصب الإفتاء بالتكليف، بأنّه “آدمي”، وقد جاءه “المنصب” من دون أن يطلبه. خصوصاً أن لا صلة تجمعه بالسياسيّين، فلا يزورهم ولا يزورونه.

ويضيف آخرون: “الشيخ إمام هو الرجل المناسب في المكان المناسب، إن كان إفتاء طرابلس منصباً دينيّاً لا سياسيّاً”.

هو شيخ معروف بشخصيته “السمحة”. فهو لا يحمل شهوات التصادم، ولا يهوى الجبهات، بل يعمل بصمت، وبعيداً من التجاذبات السياسية والزواريب الضيّقة. وشعاره منذ تولّيه مهمة الإفتاء: “دار الإفتاء ستكون على مسافة واحدة من الجميع”

لكن كيف ينظر المفتي الجديد إلى الأزمات التي تحاصر أهل مدينته؟

يلخّص “توجيهاتنا للمسلمين” بأن “يسأل بعضهم عن البعض الآخر، ولو من حواضر البيوت. فهذه عادة قديمة نفتقدها اليوم، وعلينا أن لا يقصّر بعضنا بالوقوف إلى جانب البعض الآخر”.

ويوضح في حديث لـ”أساس” أنّ دار الفتوى تقوم بدورها في استنهاض الهمم ليدفع القادرون زكاة المال التي يدفعها المسلمون عادة في هذا الشهر الفضيل: “نحن في دار الفتوى ننسّق بين “المزكّين” وبين الجمعيات التي تعمل في مضمار المساعدات، لضمان وصولها إلى أكبر عدد من المستحقّين، وكي لا تتكرّر استفادة شخص على حساب آخر”.

بالطبع فإنّ “الإمكانات محدودة” و”سدّ حاجات الناس يحتاج إلى إمكانات دولة”. لكنّ الشيخ إمام تؤلمه  مشاهد توزيع الكراتين في الطرق: “لا نحبّذ هذه الطريقة بل الأفضل ما أمر به الله: بالستر”. غير أنّه يتجنّب انتقاد أصحاب هذه المبادرات: “هذا مجهود يقوم به بعض الأشخاص، وهم بالطبع لا يقصدون إذلال للناس، وإنّما الهدف الوقوف إلى جانبهم. وربّما وجدوا أنّ طريقة التوزيع التي يعتمدونها أيسر لهم، وهي طريقة معتمدة منذ زمن”.

يلخّص “توجيهاتنا للمسلمين” بأن “يسأل بعضهم عن البعض الآخر، ولو من حواضر البيوت. فهذه عادة قديمة نفتقدها اليوم، وعلينا أن لا يقصّر بعضنا بالوقوف إلى جانب البعض الآخر”

الشهيد الشاب كريم محيي الدين

يأسف الشيخ إمام للحادثة التي ألمّت بطرابلس، وكانت نتيجتها مقتل الشاب كريم محيي الدين أثناء توزيعه المساعدات. ويشدّد على أنّ “اجتياح المراكز والمستودعات وسرقة الحصص حرام شرعاً، ولا مبرّر له ولا يجوز، إضافة إلى أنّ هذه الجهات تساعد الناس، ومن لديه وضع صعب عليه أن يقصدها وأن يطلب لا أن يأخذ بالقوّة”.

لكن أين هم أغنياء طرابلس من هذه الظروف الاقتصادية السيّئة؟ نسأله.

“لذلك فرضت الزكاة”، يجيب، في إشارة إلى دور الأغنياء في تقديم حلول جزئية للأزمة: “بالطبع، كلّ ما يزيد على الزكاة هو إحسان وصدقة ومستحبّ، لكن يجب ألاّ ننسى أنّ المشكلة الأساس هي في غياب الدولة. فالأغنياء ليسوا ملزمين شرعاً إلاّ بأداء الزكاة”.

أمّا الدولة فهي مقصّرة جدّاً، وفق الشيخ إمام: “نحن في لبنان نعيش وضعاً استثنائيّاً. فدعم السلع يُدفع من أرصدة الناس، والفقراء لا يصلهم شيءٌ من هذا الدعم، فيشترون السلع بسعر مرتفع. وأمّا المدعوم فيُهرَّب أو يُستغَلّ لمصالح خاصة وسمسرات”. لهذا يدعو الدولة إلى “ضمان وصول السلع المدعومة إلى الطبقة المحتاجة والفقيرة بعيداً من الهدر والسمسرة”.

وعن زكاة الفطر، التي أثارت جدلاً بعدما حدّد بـ20000 ليرة، يؤكّد الشيخ إمام أنّ “الزكاة تسقط عن الفقير إن عجز عن تأديتها، بل على العكس يصبح هو من يتلقّاها ويستحقّها، كما تسقط أيضاً فدية العاجز عن الصوم، فالله لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها، ولا يمكن للفقير والمسكين أن يدفعا الزكاة والفدية”.

يدعو الدولة إلى “ضمان وصول السلع المدعومة إلى الطبقة المحتاجة والفقيرة بعيداً من الهدر والسمسرة”

ولا يتردّد الشيخ إمام في المقارنة بين السنوات السابقة والموائد الباذخة التي كان يشهدها الشهر الفضيل، وبين يومنا هذا، مشيراً إلى أنّ “الله عزّ وجلّ يجعل الخير حتّى في البلاء. وهذه الأزمة لكي يرى الناس كم كانوا في نعمة عظيمة، وعلى الرغم من ذلك لم يكن لديهم رضا. ما من رخاء الآن وبتنا في ضائقة وشدّة، وأصبح واحدنا يختار الأساسيّات فقط. هذا التبدّل يجب أن يشعرنا بالنعم التي كنّا نتمتّع بها، وأن نشكر الله، ونعلم أن تغيّر الأحوال يرتبط بأسباب عدّة، منها البعد عن طاعة الله وعدم التكاتف والبعد عن العديد من القيم والأخلاق والسلوكيّات”.

إقرأ أيضاً: إعفاء عامّ من زكاة الفطر.. والمودعون حتّى يسترجعوا أموالهم

وفي الختام، توجّه الشيخ إمام إلى المسلمين بوصيّتين:

الأولى: “تقوى الله عزّ وجلّ، فالله رقيب على تصرّفاتنا، وهو سريع العقاب وسريع الحساب ولا يظلم مثقالَ ذرّة، وإنّما يعطي كلّ شيء ما يستحقّه بالعدل والمقدار. ومن مسلّمات إيماننا أن يكون أيّ تغيير في الحال سببُه بُعْدُ الناس عن الله. لذا ندعوهم إلى العودة إلى الله وأن يتّقوه وأن يطلبوا الحلال دائماً”.

الثانية: التكافل الاجتماعي، وهو أن يشعر بعضنا بالبعض الآخر، وأن نتخلّى عن الطمع والشحّ والحرص الموجود في النفوس، والذي يجب علينا التغلّب عليه، فـ”الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”.

 

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…