اليوم وأنا أراجع الفيسبوك فوجئت بصورة السيّد محمد حسن الأمين وتحتها التعازي. لم يعد ممكناً نفي الخبر، ولكن بقي مع ذلك لافتاً. كنّا علمنا بأنّ السيّد أُصيب بالكورونا منذ وقت، وتتبّعنا من بعيد أخبار مغالبته للمرض. ولمّا ابتعدت هذه الأخبار خلنا ذلك إيعازاً بنجاته. وبشّرنا أنفسنا بذلك. لم نكن نتوقّع أن يحمل إلينا الفيسبوك خبراً كهذا. شعرنا عند ذاك أنّنا تركنا السيّد وحيداً لصراع كنّا نعرف خطره.
السيّد هو هذا القلب الذي تنمّ عنه، لا ابتسامة من الداخل فحسب، بل أيضاً وجه يطلّ كروح وصوت يسري في الجوّ كنسيم من الجنّة
ها هو السيّد بوجهه المشرق يعود إلينا، لكن راحلاً. الآن ليست إشراقة الوجه سوى جمال كنّا نعهده دائماً للسيّد. جمال يزيده الوداع، الذي لم يُتَح لنا، سموّاً. كثيرون وكثيرون جدّاً سيعيدون لأنفسهم قصّته مع السيّد، فالسيّد من هؤلاء الذين يتركون قصّة من أيّ شيء، من الذين ينقلون رسالة بأقلّ حركة وبادرة، ولن تكون هذه الرسالة أقلّ من بشارة أو صداقة أو تحيّة. رسالة هي أيضاً قلب كامل يُهدى ويُتقاسم. السيّد هو هذا القلب الذي تنمّ عنه، لا ابتسامة من الداخل فحسب، بل أيضاً وجه يطلّ كروح وصوت يسري في الجوّ كنسيم من الجنّة.
إقرأ أيضاً: شوقي بزيع: عن التخوين والتسديد اللئيم إلى مكان القلب
لم يسبق وجهَ السيّد نعيٌ كأنّما لم يجد أحدٌ في نفسه الطاقة على أن ينعاه. لقد ظلّ يبتسم أيضاً في نعيه، وكأنّه ما زال يهدي قلبه وما زال يغذّي المحيط ببسمته. كان الوداع هو اللحظة التي ينفصل فيها كتحيّة وكإشراقة أثيريّة. لقد غادرنا السيّد وعلّمنا كيف نكون مستحقّين له ولوداعه. لقد طار من بيننا، ونحن الذين بقينا خارج الصورة، خارج النور الذي فاض منها، سنجد أنفسنا فقط في الخارج، ولا نزال تحت الجوائح والقساوات والإدقاعات.
*قطعة نشرها الشاعر عباس بيضون على صفحته الفيسبوكية.