*قصة وعبرة
الرئيس سامي الصلح هو أول رئيس وزراء في لبنان يقدّم استقالته في المجلس النيابي وليس في القصر الجمهوري، في 9 أيلول 1952 ألقى الرئيس سامي الصلح بياناً في المجلس النيابي عرض فيه لحالة الفساد والفوضى والطغيان التي تعانيها الدولة ملمّحاً إلى مسؤولية رئيس الجمهورية بشارة الخوري وشقيقه وأنصاره الذين أفسدوا الإدارة من تدخلاتهم غير المشروعة في القضاء والإدارة. ومما قاله بجرأة لافتة: “إنهم يريدون أن يكون رئيس الوزراء آلة طيّعة بأيديهم، لتنفيذ مآربهم، وتحقيق مطامعهم، وخدمة مصالحهم الخاصة… أين ديوننا من أرصدتهم النقدية المودعة في مختلف المصارف… لقد جوّعوا الشعب وأرهقوه… كيف تريدون منا أن نستمر في الحكم”. ثم قدّم استقالته وكان بيانه الإسفين الأوّل القوي في استقالة الرئيس بشارة خوري في 18 ايلول 1952.
ثمّ كلّف الخوري ناظم عكّاري أمين عام رئاسة مجلس الوزراء بتشكيل الحكومة. ليستقيل بعد 4 أيام فجاء دور صائب سلام ليكلّف تشكيل الحكومة فاستقال بعد 4 أيام مقفلاً باب قبول أيّ من الشخصيات السنّية بالتكليف. عندها قرّر بشارة الخوري تقديم استقالته في اليوم نفسه بفارق 4 ساعات عن استقالة سلام.
وكانت هذه الوقائع، هي المقدّمة لانتخاب كميل شمعون رئيساً جديداً للجمهورية.
.. بعيداً عن كلّ الكلام المنمّق المستخرج من كتب القراءة الوطنية والتربية والإنشاء، تعالوا يا معشر بقية اللبنانيين الباقين الذين لم يهاجروا وما زالوا يعيشون على أرض هذا الوطن نتصارح فيما بيننا من دون قفازات أو أقنعة. إن لم نتصارح اليوم في ذروة المأزق، متى تسنح لنا فرصة ثانية للمكاشفة. الحقيقة وحدها كفيلة بتحديد الداء تمهيداً لتأمين جودة الدواء.
كلّف الخوري ناظم عكّاري أمين عام رئاسة مجلس الوزراء بتشكيل الحكومة. ليستقيل بعد 4 أيام فجاء دور صائب سلام ليكلّف تشكيل الحكومة فاستقال بعد 4 أيام مقفلاً باب قبول أيّ من الشخصيات السنّية بالتكليف
حقيقتان علينا أن ندركهما ودون هذا الإدراك لا سبيل لأيّ علاج:
الأولى: ثلاث شرعيات فرضتها الأزمة والواقع، وتشكّلت بفعل انهيار شرعية الدولة بعيداً عن كلّ المواربة بالفصيح من الكلام:
1- شرعية بكركي وبطريركها.
2- شرعية الجيش وقائده.
3- شرعية سلاح حزب الله.
الثانية: إنّ مهمة الانقاذ السياسي والاقتصادي والمالي مهمة سُنيّة داخلياً وخارجياً أراد البعض أن يعترف بذلك، أو أن يمارس تجاهها لعبة الإنكار وخلف الاصبع يلوذ بالاختباء.
في الحقيقة الأولى، لقد تمكّن البطريرك بشارة الراعي أن يتقدّم الصفوف المسيحية والوطنية بفعل مبادرته، وأن ينزع صفة التمثيل الشرعي لمسيحيي لبنان من كلّ الاحزاب والتيارات والشخصيات. كما تمّكن الجيش اللبناني وقائده جوزف عون بعد بيانه المسرّب من اليرزة أن يحجُز لنفسه مكاناً في الصورة العامة ومرسّخاً مفهوماً أنه ليس أداة لأيّ فريق من الأفرقاء. فيما حزب الله بسلاحه هو شرعية الأمر الواقع، ومن ينزعج من العبارة فليستعمل أيّ كلمة مرادفة تؤدّي المطلوب في فهم هذا الواقع المعاش.
مهمة الانقاذ السياسي والاقتصادي والمالي مهمة سُنيّة داخلياً وخارجياً أراد البعض أن يعترف بذلك، أو أن يمارس تجاهها لعبة الإنكار وخلف الاصبع يلوذ بالاختباء
في الحقيقة الثانية، الكل يعلم أنّ الإنقاذ المالي والاقتصادي، لا وجهة له إلا الوجهة العربية وتحديداً الخليجية، وأكثر تحديداً السعودية. المملكة هي مفتاح كلّ الصناديق العربية والاسلامية التي لطالما دعمت لبنان في كافة المحطات والاعتداءات وشتّى أنواع العدوان. وأنّ هذه المساعدات لن تأتي إلا إن شُكِّلت حكومة لبنانية سيّدة قرارها، متمسّكة بسيادتها وحرية شعبها، يترأسها رئيس حكومة ثقة.
إقرأ أيضاً: عذراً فخامة الرئيس استقالتك هي الحلّ
التأمّل بهاتين الحقيقتين يطرح تساؤلين الإجابة عنهما تختصر كلّ الطرقات:
الاول: أين الشرعية السُنيّة؟ ومن يجلس ليمثلها على الطاولة إن عُقدت؟ لتكتمل رباعية شرعيات الأزمات.
الثاني: هل تُقِرّ الشرعيات الثلاث أي الحقيقة الأولى، بالحقيقة الثانية السنّية، فتُفتح عبر هذه القناعة بوابة الحلّ أم أننا سنواصل لعبة الإنكار؟
حتّى الآن لعبة الإنكار هي سيّدة الطاولة اللبنانية.