بشار من عقدة للمعارضين إلى عقدة للمؤيّدين

مدة القراءة 4 د

إنّها المرَّة الأولى التي يرحل فيها رئيس دولة دون أن يقول فيها جمهور النظام: “رحل فلان وبقي الأسد”.

غادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه، ولم تكتب الصفحات المؤيّدة للأسد ما كتبتْه سابقاً عند مغادرة أوباما وساركوزي وتيريزا ماي لمناصبهم كرؤساء وحاكمين لدولهم.

الحال المعيشية المزرية التي وصلوا إليها عَقَدَتْ ألسنتهم، وردعتْ حتى السفهاء منهم.

بل إنَّ هؤلاء، وأكثر من سواهم، باتوا يعرفون بأنَّ السبب الأوَّل لاستمرار معاناتهم هو بقاء بشار الأسد وتعنُّته ورفضه حصول أي تسوية سياسية.

وبهذا المعنى تحوَّل بشار الأسد من كونه مشكلةً ومعضلةً لمعارضيه إلى كونه مشكلةً ومعضلةً لمؤيّديه.

في الحديقة الخلفية لمشهد الحرب، تلتقي مصلحة المؤيّد والمعارض في نقطة مركَّزة وجوهرية: بقاء بشار في الحكم يُضرُّ بجميع الأطراف.

إنَّ اعتقال المؤيّدين الذي أخذ بالازدياد في الفترة الأخيرة، بسبب منشوراتهم الناقدة على صفحات التواصل الاجتماعي، سيتوسَّع مع توسُّع رقعة المأساة المعيشية.

تحوَّل بشار الأسد من كونه مشكلةً ومعضلةً لمعارضيه إلى كونه مشكلةً ومعضلةً لمؤيّديه

وإنَّ ارتفاع أصواتهم، على صفحات السوشال ميديا، ضدَّ جميع المسؤولين باستثناء بشار، لن يبقى على استثنائه، ما دامت وتيرة الانهيار تتسارع، ساعةً بساعةٍ، مع كلّ انهيار جديد تُصاب به الليرة… وما دامت الحقيقة القائلة بأنَّ حصاراً اقتصادياً لن يُرفَع في ظلّ بقاء بشار هي حقيقةٌ راسخةٌ في عقل المؤيّد قبل المعارض.

قبل أشهر قليلة، وعلى مستوى الأمن الغذائي، كانت جميع المواد الغذائية مهدَّدةً بالشحّ والفقدان والغلاء الفاحش باستثناء الخبز. ظلَّ توافر الخبز إلى فترة متأخرة أقرب إلى المسلَّمات الشعبية في سوريا.

كان السوري، الذي لم يعد في مقدوره شراء الطعام، يملأ بطنه بالخبز الحاف. أما اليوم فلا خبز، إلا بكمّيات قليلة جداً (رغيف واحد للشخص يومياً) يحتاج المرء إلى الوقوف لساعاتٍ أمام الأفران للحصول عليها.

الشعب جائع، لكنَّ النظام جائع أيضاً. وحملة المصادرات التي بدأها بشار وزوجته امتدَّت إلى حيتان النظام أنفسهم من الذين كانوا أكبر داعميه وأضخم واجهاته الاقتصادية، وما حصل مع رامي مخلوف وشركاته بات معلوماً للجميع. ومثله ما حصل مع وهيب مرعي (توفي سنة 2017)، “إمبراطور تجارة الحديد” والداعم الأكبر لميليشيات الشبّيحة في طرطوس وعموم سوريا، والذي صادر الأسد ممتلكاته قبل أشهر ووضع ورثته في الإقامة الجبرية، بمن فيهم زوجته. وغيرهما الكثير الكثير من رجال الأعمال الذين لاقوا ويلاقون المصير ذاته.

قبل أشهر قليلة، وعلى مستوى الأمن الغذائي، كانت جميع المواد الغذائية مهدَّدةً بالشحّ والفقدان والغلاء الفاحش باستثناء الخبز. ظلَّ توافر الخبز إلى فترة متأخرة أقرب إلى المسلَّمات الشعبية في سوريا

بيع الدولة، مرافقَ وقطاعاتٍ، مع الأموال المصادرة، لا يكفيان لسداد الديون التي راكمها التدخُّل العسكري الأجنبي المدفوع بالدولار. و”الرئيس” الذي تحوَّل إلى سمسار عقارات من أجل سداد تلك الديون لروسيا وإيران، لم يعد لديه ما يبيعه سوى شبع مؤيّديه وشبع أولادهم.

إقرأ أيضاً: أسماء الأسد رئيساً لسوريا؟

اليوم يُباع المؤيّدون أنفسهم عبر بيع رغيفهم. والبائع يلتهي بكيفية تمرير مسرحية إعادة انتخابه. المعارض السوري أيمن عبد النور، وهو الصديق السابق لبشار، كشف أخيراً، من خلال تسريبات وصلته من الداخل، أنّ الأسد يُخطِّط لرشوة السوريين في لبنان عبر إعطاء كلّ سوري بطاقة إعفاء لمرَّة واحدة من دفع المئة دولار المفروضة عليه لدخول الحدود السورية مقابل مشاركته في الانتخابات وخلق ضجَّة كبيرة في الطريق إلى السفارة السورية بلبنان شبيهة بالضجَّة التي حصلت قبل سبع سنوات.

إنَّ جمهور الأسد، الذي يبحث بعضُه في هذه الأثناء عمَّا يسدُّ رمقه في حاويات القمامة القريبة من المطاعم، لم يعد بعيداً جداً من اكتشاف حقيقة أنّه غائب تماماً عن سجلّ حسابات الأسد… وأنه – وللمرَّة الأولى – سيجد نفسه وقد وقف في الصفّ ذاته الذي يقف فيه الجمهور المعارض، مقتنعاً بأنَّ الأسد صار مشكلةً للجميع.

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…