انتشار صور أسماء الأسد، زوجة رأس النظام في سوريا، بهذا الشكل وبهذه الأحجام، في الفترة الأخيرة، في الشوارع وعلى المباني، على الرغم من كونها لا تشغل أيّ منصب رسمي، يعني أنّ “وراء الأَكَمَة ما وراءها” كما كان يقول الأجداد.
فثمَّة خطَّة، تتَّضح معالمها أكثر فأكثر مع مرور الأيام، لترسيخ صورة أسماء الأسد، في الذهن الشعبي السوري، كرئيس مقبل للبلاد.
إقرأ أيضاً: صمت ياسر العظمة وكلامه
وحقيقةً، على المستوى الشخصي، أنا مقتنع بجدّية النظرية القائلة بأن تنصيب أسماء رئيساً لسوريا هو طرح قائم في أروقة أوصياء النظام الخارجيين، بل إني لا أستبعد أن يكون هذا الطرح أصلاً من بنات أفكار بشار الأسد نفسه.
ففي نهاية الأمر يفهم الأسد بأنَّ بقاءه رئيساً، في ظلّ حالة الانهيار المعيشي المتفاقمة والتي قاربت صورة المجاعة، بات مستحيلاً، لأنَّ الحصار سيستمرّ باستمراره، ولأنَّ جهةً واحدةً لن تقبل بدفع دولار واحد لصندوق إعادة إعمار سوريا قبل رحيله. بينما بدأت الحاضنة الشعبية الجائعة، وخصوصاً في الساحل الذي دفع أبهظ الأثمان دفاعاً عن عرش العائلة، تفقد صبرها بعدما سَمَحَ لها انقطاعُ صوت الرصاص بسماع صوت قرقرة بطونها.
إنَّ أسماء الأسد – وفق منطق الذين فكَّروا بسيناريو فاروق الشرع – تحوز على الميزتَيْن الأساسيَّتَيْن اللتين جعلتا الشرع مشروعاً لـمَخرج محتمل: الانتماء للنظام، والانتماء الطائفي للأكثرية
إنَّ المجيء بأسماء رئيساً لسوريا سيؤمّن “رحيلاً” شكلياً لبشار، ولكن من دون أن يكون قد رحل فعلياً.
كما أنه سيؤمّن وجود شخصية “سنّية” في منصب الرئاسة، ولكن من دون أن يكون للسنّة أيّ تأثير حقيقي.
فلنتذكَّر فاروق الشرع، نائب رئيس الجمهورية، والذي طُرح اسمه مبكراً كمَخرجٍ للحلّ، وقد رفض الأسد آنذاك هذا الاقتراح بشدَّةٍ، حتى إنه بسبب ذلك فرض على الشرع إقامةً جبريةً، إلى اليوم لا نعرف الكثير عنها، لأن مجيء الشرع، وإن كان يؤمّن استمرار حكم النظام، لا يؤمّن بالضرورة استمرار حكم العائلة.
إنَّ أسماء الأسد – وفق منطق الذين فكَّروا بسيناريو فاروق الشرع – تحوز على الميزتَيْن الأساسيَّتَيْن اللتين جعلتا الشرع مشروعاً لـمَخرج محتمل: الانتماء للنظام، والانتماء الطائفي للأكثرية. ففي ذلك إرضاء للنظام وللمجتمع الدولي في الوقت ذاته. أما من جهة إرضاء بشار الأسد، فأسماء تمتلك الميزة التي لا يملكها الشرع ألا وهي: الانتماء للعائلة. فضمان مستقبل العائلة هو كلُّ ما يعني بشار الأسد ضمن سلَّة الحلول المطروحة.
لذلك لا يمكن تجاهل هذا الحضور المحموم لأسماء الأسد، منذ إعلانها “الانتصار” على مرض السرطان. لتُتبِع ذلك بانتصار ثانٍ على عائلة آل مخلوف، أخوال زوجها وأباطرة الاقتصاد السوري المنهوب، والذين لم يكن لأحدٍ أن يجرؤَ – طوال نصف قرن – على تحدّيهم أو مناكفتهم.
هذا النشاط الأخطبوطي، في الاقتصاد وفي عقر دار الطائفة العلوية، جعل ظهور الصور العملاقة لأسماء الأسد أمراً عادياً باعتبارها المرأة التي تقود معركة إعادة ترتيب البيت الداخلي للطائفة الحاكمة
فبعد رحيل أنيسة مخلوف، والدة بشار، سنة 2016، والتي احتكرت لقب “السيّدة الأولى” حتى بعد رحيل زوجها حافظ، مانعةً الإعلام الرسمي من استخدام هذا اللقب مع أسماء الأخرس، زوجة ابنها، فُتِحَ الطريق واسعاً أمام هذه الأخيرة لإزاحة آل مخلوف من مكانهم وإحلال آل الأخرس بدلاً عنهم.
وبعدما حجزت على أموال رامي مخلوف وشركاته، ووضعته تحت الإقامة الجبرية بحكم قضائيّ، مُعيِّنةً حارساً قضائياً على شركته الكبرى “سيرياتل”، سحبت من يده ملفَّاً يصحُّ وصفه – لشدَّة حساسيته – بأنه “ملفّ الطائفة”، والمقصود به ملفّ الجرحى. حيث قامت بالسيطرة على “جمعية البستان الخيرية” (الموجَّهة لدعم أبناء الطائفة العلوية بشكل خاص، والجرحى منهم على الأخصّ) مغيّرةً اسمها إلى “جمعية العرين الخيرية”.
وبالطبع، فإنَّ هذا النشاط الأخطبوطي، في الاقتصاد وفي عقر دار الطائفة العلوية، جعل ظهور الصور العملاقة لأسماء الأسد أمراً عادياً باعتبارها المرأة التي تقود معركة إعادة ترتيب البيت الداخلي للطائفة الحاكمة، والمرأة التي تقود الاقتصاد السوري بشركاتها الجديدة، من شركة “تكامل” التي تُدار بشكل عائلي بحت، إلى شركة “إيماتيل” التي لم تجد حرجاً في إعطائها اسمها الإنكليزي المطبوع على جواز سفرها البريطاني: إيما.
لعبة بوتين وميدفيدف في تبادل منصب الرئيس، ربما يكون لها نسخةٌ سوريَّةٌ قطباها بشار وأسماء. وهذا – إذا حصل – سيكون أكثر سوءاً من بقاء بشار الأسد نفسه.