بقلم مارك دوبويتز وريتشارد غولدبرغ*
على مدار العامين الماضيين، استمرّت حملة “الضغط الأقصى” التي شنّتها إدارة دوناد ترامب، تستنزف الموارد المالية للحرس الثوري الإيراني (IRGC) وتضغط على قادة إيران للاختيار بين بقاء النظام وبين المفاوضات.
ووضع ترامب سياسة أميركية لدفع عائدات النفط الإيراني إلى الصفر، وفرض 65 عقوبة على الصناعات المعدنية الإيرانية، وصنّف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، وأعلنت وزارة الخزانة أنّ القطاع المالي الإيراني هو اختصاص رئيسي في مجال غسل الأموال.
وفرض ترامب عقوبات على قطاعات البناء والتصنيع والتعدين والمنسوجات في إيران، وسمح لوزير الخزانة بفرض عقوبات على أي قطاع آخر من الاقتصاد الإيراني. ثم استخدم هذه السلطة لاحقًا لإدراج القطاع المالي الإيراني في القائمة السوداء، ومن ضمنه 18 مصرفاً.
واستخدمت الإدارة العقوبات كأداة للحرب السياسية، ففرض ترامب عقوبات على إمبراطورية أعمال المرشد الأعلى، وعلى وزير الخارجية جواد ظريف وندّدت بسجل وزارة الخارجية في التنسيق مع الحرس الثوري.
بشكل منفصل، استفادت إدارة ترامب من سرقة إسرائيل لأرشيف نووي إيراني سري للتأكيد على انتهاكها الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف رسميًا باسم خطة عمل كومبري المشتركة (JCPOA). وفرضت وزارة الخزانة عقوبات على علماء الأسلحة النووية الإيرانيين الذين يعملون في منظمة سرية. أدى الضغط الأمريكي ضمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إصدار قرار يطالب إيران بالإجابة على أسئلة حول احتمال إخفاء مواد وأنشطة نووية، وأنهت الخارجية جميع الإعفاءات من العقوبات لمشاريع التعاون النووي في خطة العمل المشتركة الشاملة.
تطوّرت سياسة ترامب فيما يتعلق بالردع العسكري في العامين الأخيرين. لم ترد الولايات المتحدة عسكريًا على إسقاط إيراني لطائرة أميركية من دون طيار، وهجوم بصواريخ كروز على المملكة العربية السعودية، وزيادة إطلاق الصواريخ التي تستهدف المصالح الأميركية في العراق. تغير ذلك في أواخر كانون الأوّل عندما قصفت الولايات المتحدة منشآت تابعة لميليشيات إيرانية في العراق. وبعد أيام، أمر ترامب بضربة قتلت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وزعيم الميليشيا العراقية أبو مهدي المهندس.
أخيرًا، أدى إطلاق آلية snapback لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 المتعلق بإنهاء حظر الأسلحة عن إيران، إلى نزاع في المجلس، فهدّد ترامب بفرض عقوبات إذا حاولت روسيا أو الصين نقل أسلحة تقليدية إلى إيران.
فرض ترامب عقوبات على قطاعات البناء والتصنيع والتعدين والمنسوجات في إيران، وسمح لوزير الخزانة بفرض عقوبات على أي قطاع آخر من الاقتصاد الإيراني. ثم استخدم هذه السلطة لاحقًا لإدراج القطاع المالي الإيراني في القائمة السوداء، ومن ضمنه 18 مصرفاً
تقييم الضغط الأميركي
نجحت حملة الضغط الأقصى في الحدّ من الموارد المتاحة لأنشطة النظام الخبيثة.
اضطرت إيران إلى خفض ميزانيتها الدفاعية بأكثر من 24?، بينما يواصل وكلاء الإرهاب مثل حزب الله، الإبلاغ عن ضغوط مالية بسبب فقدان الدعم من طهران. تقدر معلومات صندوق النقد الدولي أن إيران تمتلك أقل من 9 مليارات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي.
عانى النظام من خسارة فادحة في عائدات النفط- مع تقدير بلغ 144 ألف برميل يوميًا في الصادرات النفطية بحلول آذار 2020، وانخفض سعر صرف الريال مقابل الدولار إلى أدنى مستوى على الإطلاق بحلول آواخر 2020.
ومع وصول الاقتصاد إلى الانهيار، تكرّرت الاحتجاجات ضد النظام. وفي أواخر 2019، اندلعت احتجاجات على مستوى البلاد بسبب خفض الدعم عن البنزين، فردّ قادة إيران بإغلاق الإنترنت لأيام وقتل 1500 شخص.
أدّت الضربات الأمريكية والإسرائيلية على البنية التحتية العسكرية لإيران، بما في ذلك مقتل سليماني، وربما محسن فخري زاده، إلى إضعاف النظام. كما كان هناك أثر كبير للتكاليف المالية والنفسية لعمليات التخريب الظاهرة ضدّ برامج إيران النووية والصاروخية.
على الرغم من هذه النجاحات، يستحيل وصف حملة الضغط الأقصى بأنّها “الحدّ الأقصى” حقَا. أعيد فرض العقوبات المتعلقة بخطة العمل المشتركة الشاملة في أواخر 2018 فقط، وأفلت الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأمريكية، كما أفلت منها القطاع المالي الإيراني المتمثل بـ18 مصرفاً، حتّى أواخر 2020. بدأت الإدارة مؤخرًا فقط في استخدام قدراتها البحرية لاعتراض الشحنات غير المشروعة الآتية من إيران،. اعتراض قد تقلّل بشكل كبير تجاوز الصين وفنزويلا وسوريا العقوبات الأميركية.
في غضون ذلك، عانت الحرب السياسية الأمريكية ضدّ إيران من تناقضات متأصّلة بين التعبير عن دعم للشعب الإيراني والادّعاء بالسعي وراء الهدف النهائي المتمثل في صفقة مع جلاديهم الذين ينتهكون حقوق الإنسان. وأثيرت مخاوف بين الحلفاء من أن قتل سليماني كان الاستثناء الذي أثبت القاعدة حول استعداد ترامب لمحاسبة طهران على العدوان والإرهاب.
حملة الضغط الأقصى الأميركية أنتجت حملة إيرانية للضغط المضاد: تكديس المزيد من اليورانيوم المنخفض التخصيب، واختبار أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وإنتاج وبيع كميات زائدة من الماء الثقيل. كما خفضت إيران الجدول الزمني للانفجار النووي من عام واحد إلى بضعة أشهر.
كان يمكن لسياسة الولايات المتحدة أن تكون أكثر فاعلية مع تركيز أقوى على حقوق الإنسان، وزيادة عمليات الردع العسكري، والتطبيق المستمرّ للضغط الاقتصادي “الأقصى” حقًا.
أدّت الضربات الأمريكية والإسرائيلية على البنية التحتية العسكرية لإيران، بما في ذلك مقتل سليماني، وربما محسن فخري زاده، إلى إضعاف النظام. كما كان هناك أثر كبير للتكاليف المالية والنفسية لعمليات التخريب الظاهرة ضدّ برامج إيران النووية والصاروخية
توصيات لإدارة بايدن:
1- تجنب الأخطاء السابقة المتمثلة في تقديم تخفيف العقوبات على إيران قبل تنفيذ اتفاق شامل يعالج النطاق الكامل لأنشطة إيران الخبيثة، بما في ذلك تفكيك لا رجعة فيه للقدرات النووية والصاروخية الرئيسية.
2- مطالبة إيران بتقديم معلومات كاملة عن أنشطتها النووية السابقة والحالية غير المعلنة. وفي حال الرفض، الضغط على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإحالة إيران إلى مجلس الأمن الدولي لخرقها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
3- فرض عقوبات قائمة وجديدة على الكيانات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وأنشطة أخرى المرتبطة بالإرهاب.
4- فرض عقوبات قطاعية على القطاع المالي الإيراني لمعالجة المخاوف الدولية المتعلقة بغسيل الأموال.
5- التأكيد على أن العقوبات المفروضة بموجب الأمر التنفيذي 13224 على البنك المركزي الإيراني وقطاع الطاقة الإيراني، تشكل عقوبات إرهابية، وأنّه لا يوجد “تخفيف” للعقوبات التي تفيد بشكل مباشر أو غير مباشر الكيانات الخاضعة لعقوبات الإرهاب.
6- توسيع الجهود لمنع رحلات Mahan Air التي حددتها الولايات المتحدة، إلى أوروبا والخليج. يجب أن تستخدم إدارة بايدن عقوبات ثانوية لاستهداف وكلاء التذاكر ومشغّلي الخدمات الأرضية والبنوك التي تسهّل مدفوعات شركة الطيران مقابل خدمات المطار.
7- الحفاظ على رقابة صارمة للقناة الإنسانية التي تتّخذ من سويسرا مقرًا لها لتمكين بيع المواد الغذائية والأدوية لإيران، في ظلّ منع النظام وصول البضائع الإنسانية إلى الشعب الإيراني.
8- مواصلة الجهود لاعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية إلى العراق واليمن وسوريا.
9- فرض عقوبات قائمة وجديدة على الكيانات المرتبطة ببرامج الصواريخ الإيرانية.
10-فرض العقوبات الحالية لمنع نقل الأسلحة من قبل روسيا أو الصين إلى إيران.
11- تقديم أقصى قدر من الدعم للديمقراطية وتطلعاتها في إيران، ورفع حظر السفر الأميركي عن الإيرانيين، وجعل حقوق الإنسان أحد مطالب التفاوض على اتفاقية شاملة.
12- إرساء خطة عسكرية لمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية، واستراتيجية عسكرية ذات مصداقية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. يجب على الولايات المتحدة أن تقدم للحلفاء مثل إسرائيل كل الدعم اللازم لمقاومة العدوان الإيراني.
13- البناء على الاتفاقيات الإبراهيمية لمواصلة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية الرئيسية، بما في ذلك السعودية، وتعزيز هذه التحالفات ضد الأنشطة الإيرانية الخبيثة في المنطقة.
إقرأ أيضاً: 9 توصيات لإدارة بايدن كي تواجه الحزب في لبنان
*مع انطلاقة عدّاد الإدارة الأميركية الجديدة، صدر أخيرًا تقرير أميركي بعنوان “من ترامب إلى بايدن – الطريق نحو الأمن القومي الأميركي”، تعاون في إعداده مركز القوة العسكرية والسياسية (CMPP)، ومركز القوة الاقتصادية والمالية (CEEP)، ومركز الابتكار السيبراني والتكنولوجيا (CCTI) وتولت نشره “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في أميركا، بمساهمة 35 باحثًا سياسيًا حول العالم.
يتضمّن التقرير توصيات مستندة إلى معالجة كل باحث للمسائل السياسية المحلية، وذلك في 15 دولة، من بينها دولٌ تتقاطع سياساتها مع سياسة الرئاسة الأميركية، أو لعبت فيها أميركا أدوارًا مفصلية، مثل لبنان، ومن بينها دول إقليمية مثل سوريا والسعودية وإسرائيل وتركيا وغيرها. كما ينشر التقرير تقييمًا لممارسات أميركا المرتبطة بالحدّ من التسلح وانتشار السلاح، والأمن السيبراني، والدفاع، والطاقة، وتهديد حزب الله عالمياً، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والمنظمات الدولية واقتصاد الأمن القومي، والجهاد السني.
اختار “أساس” أقسامًا من هذا التقرير وينشرها على حلقات متتابعة. في الحلقة الثانية ننشر ملخّصًا عن قسم “إيران” وتوصياته، بقلم الخبير في البرنامج النووي الإيراني مارك دوبويتز والخبير في أسلحة الدمار الشامل الإيرانية ريتشارد غولدبرغ.