لم يتوقّف تسريب الملفات الخاصة بجمعية “القرض الحسن”. مع بداية كلّ أسبوع تخرج مجموعة من الملفات إلى العلن لتزيد في شأن الجمعية تعقيداً، وتكشف حجم تغلغل “حزب الله” فيها وارتباط كوادره وعناصره بها. في سيناريو يبدو مخطّطاً له لإبقاء “سيرة” هذا الملفّ “مفتوحة” أمام الإعلام والرأي العام.
على الرغم من هذا، أطلّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الفائت وخصّص جزءاً من كلمته للدفاع عن الجمعية، مؤكداً أنّها “لم تكن لخدمة حزب أو جماعة أو طائفية وإنما في خدمة الناس”، واضعاً الهجمة ضدّها في إطار تحريض بعض اللبنانيين “اللُئام” الذين “يعملون لصالح أميركا”، من دون أن يشير إلى عملية القرصنة إلاّ عرضاً، ومن خلال إشارته إلى استمرار السير في التحقيق لمعرفة “ما حصل” (هكذا سمّى الهجوم والقرصنة الكبرى).
الملفات المسرّبة قبل أيام ترد على ما قاله نصرالله يوم الجمعة الفائت. وتؤكد بشكل لا لبس فيه أنّ “القرض الحسن” أعمق من مجرّد “جمعية” هدفها مساعدة الناس المحتاجة و”الملهوفة” على مبلغ من المال من أجل ترميم منزل أو زواج أو قضاء حاجة… وإنّما تكاد أن تكون بمصاف “مصرف مركزي” أو “وزارة مالية” حصرية، تنظّم العمليات المالية كلها لدويلة “حزب الله”.
واحد من الملفات المسرّبة قبل أيام اسمه “وحدات ومؤسسات حزب الله”، وهو يكشف أسماء مؤسسات الحزب ويؤكد أنّ حساباتها موجودة في جمعية “القرض الحسن”. هذه الحسابات عددها نحو 331، (لكل مؤسّسة أكثر من حساب) وهي الوحدات أو “المؤسسات” التي تشكّل ما يُعرف بـ”حزب الله” نفسه، منها: هيئة دعم المقاومة، مؤسسة الشهيد، مستشفى الرسول الأعظم، مركز الدراسات، جمعية الكوثر، كشافة المهدي، مستشفى سان جورج، إذاعة النور… وغيرها.
أما الأرصدة في هذه الحسابات، فموزّعة بين عملتي الليرة اللبنانية والدولار الأميركي، إلى جانب بعض الحسابات باليورو. وتُقدّر أرصدة هذه الحسابات بنحو 26.5 مليار ليرة لبنانية وقرابة 40 مليون دولار أميركي (حسابات اليورو غير محدّدة الأرصدة)، من دون أن يظهر تواريخ ضمن الملف لتخبرنا لأيّ فترة زمنية تعود هذه الأرصدة. من دون أن يستبعد حذفها على يد المقرصنين أنفسهم الذين يعتمدون سياسة “التقطير” في عمليات التسريب، لتعيش الحكاية أطول فترة ممكنة.
اللافت في هذا الملف أيضاً، وجود حسابات بأسماء أجانب. فثمة حساب باسم “السفارة” (على الأرجح الإيرانية)، وحساب باسم “مكتب الإذاعة والتلفزيون الإيراني”، وآخر باسم وكالة Unews الاخبارية، وكذلك Press TV الإيراني، إضافة إلى أسماء شخصيات غير لبنانية من “قناة العالم” الإيرانية، وشركة الطيران IranAir.
واحد من الملفات المسرّبة قبل أيام اسمه “وحدات ومؤسسات حزب الله”، وهو يكشف أسماء مؤسسات الحزب ويؤكد أنّ حساباتها موجودة في جمعية “القرض الحسن”. هذه الحسابات عددها نحو 331
واللافت كذلك ورود حسابات ضمن الملف نفسه، لشركة “أرش للدراسات والإستشارات” التي أدرجت على لوائح عقوبات الخزانة الأميركية قبل أشهر، واتُهمت بالفوز بمشاريع للدولة اللبنانية بواسطة وزارة الأشغال العامة أيام ولاية الوزير يوسف فنيانوس، إضافة إلى وجود حسابات في الملف نفسه باسم شرطة “أطلس هولدينغ” المحسوبة على الحزب أيضاً والمدرجة على لوائح العقوبات منذ شباط 2020… وهذا يؤكد أنّ الشركتين كانتا تتعاملان مالياً مع “حزب الله” بالفعل، وعلى الأرجح من خلال “القرض الحسن”. وإلاّ فما مبرّر وجود حسابات لشركات هندسية ضمن مؤسسة “خيرية” تقدّم القروض للأفراد؟
الملفات المسرّبة الأخرى لا تقلّ أهمية عن الملفّ الأوّل. فهناك ملف باسم “حسابات الكوادر والمقرّبين منهم” وتضم أسماء وأرقامَ 17.385 حساباً وعدداً من التفاصيل. أضخم هذه الحسابات تصل وديعته إلى ما يزيد على 8 مليارات ليرة لبنانية. يضاف إلى ذلك حسابات باسم “تبرّعات لأطفال اليمن”، وربّما هذا يدلّ إلى أنّ بعض هذه الأرصدة كانت تُخصّص لتحويل الأموال إلى اليمن، وذلك من خارج الأطر القانونية والقطاع المصرفي، وإنّما على الأرجح عبر وسطاء غير شرعيين أو صرّافين أو ربما مسافرين عاديين.
ملفّ ثالث عنوانه “حسابات عناصر حزب الله”، يضمّ 9719 اسماً مرفقاً بأرقام غير محدّدة، قد تكون أرقاماً عسكرية، إضافة إلى أرقام حساباتهم في الجمعية. ولا يحدّد هذا الملف إن كانت هذه الحسابات والأسماء المرفقة بها لمقترضين أو لمودعين، لكن يبدو أنّها حسابات رواتب، لأنّها بالدولار الأميركي، وهي العملة التي يدفع بها الحزب رواتب عناصره.
الملفات المسرّبة الأخرى لا تقلّ أهمية عن الملفّ الأوّل. فهناك ملف باسم “حسابات الكوادر والمقرّبين منهم” وتضم أسماء وأرقامَ 17.385 حساباً وعدداً من التفاصيل
الملف الرابع عنوانه “حسابات المودعين المغتربين” ومؤلف من 306 حسابات، يكشف عدد المودعين المغتربين بأسمائهم وبتفاصيل أرقام حساباتهم في الجمعية وهواتفهم، وكذلك الدول التي يقيمون فيها خارج لبنان، مثل دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت ومملكة البحرين، وأوربياً مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا، إضافة إلى دول أفريقية مثل الكونغو وأنغولا وساحل العاج، وأميركية مثل كندا والولايات المتحدة، وكذلك أستراليا.
حجم أعمال الجمعية كاملاً تظهر أرقامه في الملفات أيضاً، لكنّ البيانات تقف عند حدود العام 2019 فقط. فحجم الإيداعات بلغ قرابة 1.5 مليار دولار أميركي، سُحب ما يقارب قيمتها في العام نفسه. وتكشف البيانات أنّ السحوبات حرمت الجمعية من تسجيل نسبة نموّ.
أما التسليفات المغطّاة بالذهب فقدرتها الأرقام المسربة بنحو 500 مليون دولار أميركي، لكنّ نصرالله في خطابه يوم الجمعة، كشف أنّ الجمعية استطاعت أنّ تقدم خدمات لنحو 1.8 مليون شخص منذ تأسيسها إلى اليوم، وبحجم أعمال قدّره بنحو 3.77 مليار دولار.
إقرأ أيضاً: القرض الحسن: 7 أيّار مالي.. مع شرعية شعبية
نصرالله أكد أن الردّ على الهجمة الأميركية وعلى “اللئام من اللبنانيين”، تكون بإيداع المزيد من الأموال في جمعية “القرض الحسن” من أجل “تقويتها أكثر”. كما جدّد تأكيده على أنّ الجمعية “جاهزة لإنشاء فروع لها في كلّ المناطق اللبنانية بغية خدمة الناس على اختلافاتهم”.
كلام نصرالله يعطي إشارة غير مباشرة لكن لا لبس فيها، إلى أنّ التسريبات أثّرت بالفعل على عمل الجمعية، وكذلك ثقة الناس بها. على الرغم من أنّ الشروح والتوضيحات التي قدّمها نصرالله في خطابه، لم تتمكّن من إخفاء خوف الناس، خصوصاً حينما “كابر” ودعا الخائفين إلى سحب أموالهم من الجمعية “في وضح النهار لا في الظلام”.
على الأرجح، فإنّ مسلسل التسريبات سيستمرّ… والفضائح إلى توسّع!