يُروى أنّ قبيلة في أفريقيا كان يمرّ بها ذئب كلّ صباح، فيرمون له، خوفاً، شاةً من قطيعهم، فيأخذها ويمضي ليأكلها على ضفّة بحيرة، فيما أطفالهم يراقبونه من بعيد جائعين.
زار رجل غريب مرة تلك القبيلة، وبعدما شاهد ما يحصل، سأل دليله في الطريق: “ما بال القبيلة لا تقتل الذئب وتوفّر الشاة لإطعام أطفالها في هذا الظرف الصعيب؟”، فقال له الدليل وهو يهزّ برأسه: “يا سيدي، ليس في القبيلة رجل كبير”.
صمتٌ كبير مع غياب الرجل الكبير، تعيشه السلطة اللبنانية وكلّ منظومتها السياسية، وهي تدير وجهها وأذنيها عما قاله قائد الحرس الثوري الإيراني بشأن تلك الصواريخ. فلا دعوة للمجلس الأعلى للدفاع، الذي آخر قراراته كانت العمل على تنظيف المجاري وتسليك المجارير، تمهيداً لاستقبال فصل الشتاء. ولم نسمع رئيساً أو وزيراً أو أحداً يرصف النجوم على كتفيه ويتقاضى رواتبه ومخصّصاته وحوافزه من مال هذا الشعب الفقير، يتنطّح ليصرخ مستنكراً أو نافياً ما سمعه العالم بأسره وما يُعدُّ للبنان من أمرٍ خطير. ما صدر عن الرئيس الأوّل قاله بخفر تجهيل الدولة، أما “الثالث” فيهم فتلطّى خلف ما قاله مستشاره الإعلامي.
صمتٌ كبير مع غياب الرجل الكبير، تعيشه السلطة اللبنانية وكلّ منظومتها السياسية، وهي تدير وجهها وأذنيها عما قاله قائد الحرس الثوري الإيراني بشأن تلك الصواريخ
حقاً “الضرب بالميت حرام” بكل المعايير، فدعونا ننتقل إلى جوهر الأمر الخطير.
.. ذكياً كان حزب الله وسيده، ومعه قائد الحرس الثوري الايراني في كيفية التعاطي مع جائحة كورونا في لبنان. في الوقت الذي كان يبشّرنا وزير الصحة ممثّل حزب الله في الحكومة المستقيلة حمد حسن بتوقيع اتفاق لإحضار لقاح كورونا إلى لبنان، أطلّ علينا قائد الحرس الثوري ليبشّرنا بإحضار الصواريخ لحزب الله للدفاع عن إيران في حال وُجّهت إليها ضربة عسكرية.
لم يكن إعلان السيّد رفضه تلقّي اللقاح الأميركي في حواره التلفزيوني الأخير بريئاً أو مصادفة عابرة. فالرجل قال في 2006 أثناء العدوان الإسرائيلي: “لو كنتُ أعلم”، لكن في 2021 بات الأمر مختلفاً، فهو يعلم وربما أكثر مما يجب أن يعلم.
مواجهة الكورونا تقوم على أمرين: الأوّل هو التزام تدابير التباعد والوقاية، والثاني هو تلقّي اللقاح على أمل خلق مناعة مجتمعية.
سيّد الحارة، اختار الأمر الأوّل. ومع التجارب الحكومية الفاشلة بالإقفال والتوعية، قرّر أخذ المبادرة عبر الصواريخ الإيرانية المنتشرة في لبنان، وطننا الصغير..!
تذاكي الحزب وسيّده ومعهما الحرس الثوري لم يكن هدفه خداعنا، بل إنّهم يرون أنّ في الصواريخ الإيرانية أفضل سبيل لمواجهة كورونا و”لِمَ لا؟” كما تقول الممثّلة اللبنانية القديرة “ليليان نمري” في مسلسل “ع اسمك” وهي تلعب دور “جورجيت درباس” مديرة المدرسة. وأكثر من ذلك، قد يطلقون على الحملة شعار “الصواريخ الإيرانية للقضاء على الجائحة الكورونية”.
ذكياً كان حزب الله وسيده، ومعه قائد الحرس الثوري الايراني في كيفية التعاطي مع جائحة كورونا في لبنان. في الوقت الذي كان يبشّرنا وزير الصحة بتوقيع اتفاق لإحضار لقاح كورونا إلى لبنان، أطلّ علينا قائد الحرس الثوري ليبشّرنا بإحضار الصواريخ لحزب الله للدفاع عن إيران في حال وُجّهت إليها ضربة عسكرية
الصواريخ التي يمتلكها حزب الله وهدّد بها قائد الحرس الثوري من شأنها إن استعملت أن تحقّق ما نريد:
1- إلزام اللبنانيين بعدم مغادرة منازلهم.
2- فرض حظر قسري للتجوّل غير معلن، بفعل الأعمال الحربية.
3- تخفيض استهلاك المواطنين للمحروقات، خصوصاً البنزين، إذ لا قدرة لهم على تحريك سياراتهم، وبالتالي هو حلّ جزئي لأزمة استيراد المحروقات.
4- إلزام المقاهي والملاهي والمطاعم إقفال أبوابها فلا زائر وسط أوضاع أمنية كهذه.
5- إغلاق مطار رفيق الحريري كلياً خوفاً على سلامة حركة الطيران.
6- إقفال المدارس والجامعات والاكتفاء بالتعليم عن بعد (أونلاين) هذا إن بقي هناك محطات إرسال وكوابل إنترنت.
7- تخفيف الضغط على المستشفيات. فمن يجرؤ على مغادرة منزله للذهاب إلى المستشفى.
كلّ ما سبق ليس استهزاءً بأحد أو كما يقال بالعامية “تقريق” على أحد، بل أصدقكم القول سيكون مادة لبعض الأبواق الممانعة لتصوير أيّ مغامرة صاروخية إيرانية من لبنان على أنّها لمصلحة لبنان واللبنانيين، وحرصاً على صحّتهم أجمعين. لذا، فإنّ المغامرة المفترضة، أياًّ كانت نتائجها العسكرية والاقتصادية، هي انتصار ربما “إلهي” أيضاً على كورونا ومعها إسرائيل. وحتماً سيطلّ علينا السيّد ليقول: “كما وعدتكم بالنصر، فها هو النصر الجديد”.
بعد تذاكي الحزب والحرس الثوري ومن معهما، لا بدّ من أن نرتقي جميعاً بحسّنا الذكي أيضاً كمواطنين يمتلكون الخبرة بسلوك المهيمنين لنردّد سوياً: “نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً”.
إقرأ أيضاً: اغتيال السيّد: السُنّة دروعاً بشرية
ملحوظة: بالأمس كنت بين خيار الاستماع إلى خطاب سيّد الحارة وبين خيار متابعة مباراة كروية بين شباب الساحل والنجمة على صدارة دوري كرة القدم الكبير، فاخترت متابعة المباراة لأنّ بعد ما قاله قائد الحرس الثوري، فإنّ السيّد لن يأتي بالجديد.