قراءة متأخّرة لمصير “اللقاء الشيعي”

مدة القراءة 5 د

 

في الحادي والعشرين من شهر نيسان 2005، انطلق أوّل لقاء شيعي معارض لثنائية حركة أمل – حزب الله. وقد ولد هذا اللقاء من رحم 14 شباط وبعد شهرين من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد شهر وأسبوع من مسيرة 14 آذار، وهي بدت ردّاً على مسيرة 8 آذار التي انطلقت دفاعاً عن الوجود السوري في لبنان. انقسم لبنان بعد ذلك بين تحالفين: 8 و14 آذار.

كان “اللقاء الشيعي اللبناني” برئاسة العلامة السيد محمد حسن الأمين، أوّل محاولة منظّمة لجمع أكبر عدد من الشخصيات الشيعية المعارضة لحركة أمل وحزب الله، وقد عقد اجتماعه الموسع الأوّل في قاعة “الكلية العاملية” بمنطقة رأس النبع في بيروت. واختيار هذه القاعة كان له دلالة مميّزة كونها أوّل صرح علمي وديني شيعي في بيروت، وأسّسها الزعيم رشيد بيضون ويُشرف عليها حالياً النائب والوزير السابق محمد يوسف بيضون. وشارك في اللقاء ثلاثمائة شخصية شيعية متنوّعة من سياسيين وكتّاب وأكاديميين وإعلاميين وناشطين ومن فعاليات اجتماعية متنوعة، تقدّمهم آنذاك النائبان باسم السبع والدكتور محمود عواد.

اعتلى المنصة إضافة إلى السيد الأمين، الكاتب والصحافي الراحل نصير الأسعد، والكاتب الأستاذ محمد حسين شمس الدين.

وقد اعتبر السيد الأمين في كلمته الافتتاحية أنّ “الشيعة لم يكونوا في اللحظة التي انبثقت فيها حركة التشيّع، حزباً ولا قبيلة ولا مذهباً، بل كانوا حركة انطلقت من وعي متقدّم لطبيعة الرسالة الإسلامية العظيمة”.

وأضاف: “لم يغْدُ التشيّع مذهباً إلاّ في عقود طويلة على انطلاق الحركة، ولم يكن يعني أنّ الشيعة اختزلهم ذلك المذهب، فظلّوا حركة فاعلة وحيّة في مسار التاريخ الإسلامي، حركة اعتراض وتعدّد ودعوة للحرية وإلتزام حق الاختلاف، وهذا حديثه يطول، ولكنّني أنطلق من هذه الينابيع، لأرى الآن، ماذا يمكن أن يكون عليه الشيعة اللبنانيون بوصفهم مكوّناً من مكوّنات هذا الوطن، هم مكوّن عددي وجغرافي، وهم على الأخص مكوّن ثقافي يريد أن تكون مساهمته في العيش المشترك، وفي الميثاق المشترك للبنانيين جميعاً”.

أثيرت حول اللقاء ودوره وموقعه الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، لكن التطوّر الأخطر في مسيرة اللقاء كانت المقابلة التلفزيونية التي أجراها الإعلامي زاهي وهبي مع السيد الأمين

ومن ثمّ تلا شمس الدين الوثيقة السياسية للقاء والتي أكّدت على ضرورة “إظهار موقف الشيعة اللبنانيين، من التطوّرات الداخلية والتمايز عن حركة أمل وحزب الله، والتلاقي مع حركة اللبنانيين في 14 آذار، دون التخلّي عن خيار المقاومة ومن أجل ولادة لبنان جديد بعد خروج السوريين منه”.

وقد شكلّت لجنة المتابعة  للقاء من: نصير الأسعد، حسن بزيع، ليلى الحسيني، هاني حلاوي، مياد حيدر، إبراهيم الحريري، علي صالح، قاسم قصير، عصام عقيل، مختار حيدر، غالب ياغي، عقاب صقر، يوسف بزّي، علي الأمين، محمد حسين شمس الدين، وسام الامين، حسن محسن، حسين بعلبكي، محمد سليمان، علي صياح، (النائب السابق) محمود عواد، حازم الأمين، رفعت المصري، يحيى جابر، غسان جواد، سلام بدر الدين، أحمد مطر، محمد الخطيب، محمد عساف، حسين علي حمية، وليد زرقط، محمد صفي الدين، علي بدران، حيدر قديح، عبد الكريم سرحال، محمد بركات، مصطفى عبده سليمان، علي يونس، رامي حسين قطيش، علي الموسوي، علي بيضون والحاج حسين عسيران.

حظي اللقاء باهتمام سياسي وإعلامي ودبلوماسي وشعبي كبير، وكان هناك رهان كبير أن يشكّل إطاراً سياسياً مستقلاً تكون له أرضية شعبية كبيرة. أجريت عشرات المقابلات الصحافية مع أركان اللقاء وخصوصاً العلامة السيد محمد حسن الأمين. في المقابل مورست ضغوط غير مباشرة على بعض أعضاء اللقاء للتخلّي عنه.

أثيرت حول اللقاء ودوره وموقعه الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، لكن التطوّر الأخطر في مسيرة اللقاء كانت المقابلة التلفزيونية التي أجراها الإعلامي زاهي وهبي مع السيد الأمين على “قناة المستقبل”، وكان من المفترض أن تشكّل المقابلة ردّاً على ما يطرح على اللقاء من إشكالات وأسئلة وتوضيح موقفه من مختلف القضايا الداخلية والخارجية، لكنّ المفاجأة كانت أنّ هذه المقابلة تحوّلت إلى عملية استجواب وتحدّي للسيد الأمين من قبل وهبي وبعض الإعلاميين والكتّاب الذين يفترض أن يكونوا من أركانه ومؤيديه، وكانت النتيجة أن أدّت هذه المقابلة إلى حصول مشكلات داخل اللقاء وانفراط عقده لاحقاً.

تبيّن لاحقاً أنّ ما جرى لم يكن عفوياً بل كان من ضمن خطة لإنهاء اللقاء، وذلك بالتزامن مع الترتيبات التي كانت دائرة داخلياً وخارجياً لعقد التحالف الرباعي بين “حزب الله” و”حركة أمل” و”تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية بإشراف حكومة جديدة ترأسها الرئيس نجيب ميقاتي.

عبّر لاحقاً العلامة السيد محمد حسن الأمين عن انزعاجه الشديد ممّا جرى واعتبر أنّ قوى 14 آذار، وخصوصاً تيار المستقبل، قد تخلّت عن القوى الشيعية المستقلّة لحساب التحالف مع “حركة أمل” و”حزب الله”.

قد تكون هذه التجربة وغيرها من التجارب الشيعية المعارضة والمستقلّة في لبنان بحاجة إلى المراجعة والتقييم، لكن كان من الواضح في تلك الفترة أنّ قوى 14 آذار، مجتمعة أو متفرقة، كانت تريد الشخصيات الشيعية المعارضة مجرد ديكور أو تنويع شكلي، لكنّها في الوقت نفسه كانت حريصة على التحالف أو التعاون مع الثنائي الشيعي الرسمي ولم تكن قادرة على التخلّي عنه، أولاً بسبب قدرته على الاستقطاب الشعبي، وثانياً بسبب حجم المصالح المشتركة. وكان القانون الانتخابي الأكثري أحد أبرز العوائق أمام تشكّل قوة شيعية فاعلة إذ كان يسمح فقط بفوز شخصيات شيعية محدودة تابعة لقوى 14 آذار، في دوائر غير شيعية الأكثرية، خلال الانتخابات النيابية.في العام 2018 عندما اعتمد القانون النسبي مع دوائر صغيرة. فشلت القوى الشيعية المعارضة بالتوحّد ولم تحقّق سوى نتائج هزيلة في الانتخابات النيابية.

تلك حكاية أخرى من حكايات المعارضة الشيعية المستقلّة وأسباب فشلها.

 

 

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري والمسيحيون… الفهم المتأخّر

  لكم هي شديدة الحاجة اليوم إلى رفيق الحريري لجمع أطراف الوطن! كان الرئيس الشهيد رابطاً بين لبنان ولبنان رُغم أنّ علاقته ما كانت سهلة…

طرابلس: كلن يعني كلن.. إلاّ “رفيق”

  تمتلك طرابلس ذاكرة تنبض بالحبّ والوفاء والحنين وبالثناء والتقدير لرفيق الحريري، قلّما امتلكتها مدينة أخرى، وعبـّرت عنها في مختلف المحطات، قبل الاستشهاد وبعده، بدون…

الثنائي في النبطية وقوّة الثورة

  فاطمة ترحيني تشهد محافظة النبطية مواجهة جديدة، أشبه بصراع دائم، بعدما استطاع جزء من أهل المدينة وقراها الاعتراض على “حزب الله” و”حركة أمل” وكل…

في وداع الحريرية؟

  هل سيستمر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في السياسة أم لا؟ يصعب افتراض أن أحداً يملك إجابةً عن هذا السؤال، حتى عند الحريري نفسه،…