“خماسيّة” عمّان تقفل حدود الجوار السّوريّ على إيران؟

ينبئ التشابك بين مصالح الدول صاحبة النفوذ والأطماع بأنّ الصراع على سوريا يبلغ ذروة جديدة، مشحوناً بالانقسامات الداخلية.

ومقابل تبلور حاضنة عربية إقليمية لدمشق، فإنّ الانتهاكات ضدّ المدنيّين والأقلّيّتين العلويّة والمسيحية ستُعرّضُها لمساءلة الدول الغربية قاطبة، وستؤخّر خطوات الانفتاح الموعودة.

 

 

 من غير المتوقّع أن تنتهي فصول الاضطراب الدموي والسياسي في بلاد الشام سريعاً. امتداد الحوادث إلى دمشق أمس، وإلى ريف حلب عن طريق تحريك “قسد” مجموعات لها، يشي بأنّ أصابع المسّ بالسلم الأهلي لن تتوقّف. وهناك حديث عن تنسيق فلول النظام في الساحل مع مجموعات موالية لإيران في منطقة دير الزور، شرقاً.

ينبئ التشابك بين مصالح الدول صاحبة النفوذ والأطماع بأنّ الصراع على سوريا يبلغ ذروة جديدة، مشحوناً بالانقسامات الداخلية

تدهور العلاقة التّركيّة الإيرانيّة

في سياق رسم الشرق الأوسط الجديد بالحديد والنار، لا بدّ من التوقّف أمام متغيّرين صنعهما الحدث السوري:

  • سقطت إلى غير رجعة صيغة أستانا بين روسيا وتركيا وإيران، التي رعت أزمة سوريا منذ 2017. دعم أنقرة لهجوم “إدارة العمليات المشتركة” في 27 تشرين الثاني الماضي، الذي انتهى بفرار بشار الأسد في 8 كانون الأوّل، دقّ الإسفين الأوّل في تلك الصيغة. تدهورت العلاقة بين تركيا وإيران، على الرغم من المصالح المشتركة التجارية والاقتصادية، وصولاً إلى تبادل الاتّهامات في أحداث الساحل، واستدعاء كلّ منهما للسفير والقائم بالأعمال، احتجاجاً على موقف كلّ منهما في بلاد الشام. وزير الخارجية التركي حقّان فيدان حذّر إيران من زعزعة استقرار سوريا. اعتبر أنّ السياسة الخارجية الإيرانية “المعتمدة على الفصائل المسلّحة خطيرة ويجب تغييرها”. قابلت طهران مواقفه بحملة شديدة وغير مسبوقة عبر وسائل الإعلام الموالية لنظام الملالي، عكست التوتّر الإيراني في إطار التنافس على الساحة السورية.

سقطت إلى غير رجعة صيغة أستانا بين روسيا وتركيا وإيران، التي رعت أزمة سوريا منذ 2017

خماسيّة الأردن وإقفال الحدود على إيران؟

  • تلقّى الحكّام الجدد دعماً عربياً وخليجياً حاسماً بمواجهة محاولات قلب الأوضاع فيها. حلّت صيغة خماسية مكان “أستانا”، باجتماع سوريا و4 دول مجاورة، هي تركيا والأردن والعراق ولبنان، في عمّان الأحد الماضي. باتت لسوريا خماسيّتها أيضاً، الشبيهة باللجنتين الخماسيّتين في لبنان اللتين ترعى إحداهما الأزمة السياسية اللبنانية وتشرف الأخرى على آليّة تنفيذ القرارات الدولية ونزع سلاح “الحزب” بدءاً من جنوب لبنان.

دمج اجتماع عمّان بين هواجس واهتمامات دول الجوار الأربع، السياسية والأمنيّة، بعد تفجير فلول النظام مدعومين من إيران الوضع الأمنيّ. ولذلك حضره وزراء خارجية الدول الخمس، مع وزراء الدفاع وقادة الجيوش وأجهزة الاستخبارات فيها.

ومثلما فاضت الحرب السورية منذ 2011 إبّان الحكم الأسديّ عن حدودها نحو الجوار، أخذ اهتزاز الاستقرار في سوريا الجديدة يفيض عن تلك الحدود. ركّزت الدول الخمس على استدراك امتداد تفاعلات مشروع إسرائيل التفتيتيّ وسعي إيران لقلب المعادلة الداخلية إلى أراضيها. فهناك نازحون نحو لبنان والعراق. وهناك حضور للفلول في البلدين، والتوتّر الطائفي يمكن أن ينتقل إلى مناطق لبنانية… وهناك مخاطر استفادة “داعش” من الفوضى الأمنيّة لاختراق الحدود. وهناك مخاطر تنشيط التهريب والإرهاب مع الأردن. وهناك استثمار إيراني للعلاقة مع “قسد” في الحدود مع تركيا… ركّز المجتمعون على “ضمان أمن الحدود” بين سوريا والجيران الأربعة. الهدف الجوهري إحكام إقفالها على تدخّل أذرع إيران.

في خضمّ التحوّلات، طُرح سؤال عن موقع روسيا من تدحرج الأحداث. اكتفت موسكو بتعليق تقليديّ يدعو إلى وقف فوريّ للقتال

إحباط طلب حماية خارجيّة؟

أبعد من ذلك شكّل الاجتماع الخماسي استباقاً للأهداف السياسية لخطّة تمرّد فلول النظام. تتحدّث المعطيات لدى “أساس” أنّ من الأهداف كانت سيطرة بقايا “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد ومجموعات الحرس الجمهوري السابق وبعض الميليشيات الرديفة، على بعض مناطق الساحل السوري والتحصّن في جبال العلويين المحيطة. يعقب ذلك طلب الحماية الخارجية، أو على الأقلّ طلب إرسال مراقبين دوليين بداية، بحجّة حماية الأقلّيات والسلم الأهلي ومنع التعرّض للأقلّيات.

في خضمّ التحوّلات، طُرح سؤال عن موقع روسيا من تدحرج الأحداث. اكتفت موسكو بتعليق تقليديّ يدعو إلى وقف فوريّ للقتال. وهناك قراءتان في الإجابة عن السؤال:

  • الأولى تقول، وفق تسريبات ناشطين، إنّ موسكو لم تكن بعيدة، تحت الطاولة، عن تحرّك الفلول، وإنّ رموزاً من هؤلاء نسّقوا مع قيادة قاعدة حميميم الروسية.
  • الثانية تعتبر أنّ موسكو تعاطت بواقعية مع التحوّل السوري وانحازت إلى دعم الاستقرار، والمتّصلون بها يلاحظون الآتي:
  • همّ موسكو الإبقاء على قاعدتَي حميميم الجوّية وطرطوس البحرية. ولم تجد بديلاً للساحل السوري، بعدما تبيّن أنّ إقامة قاعدة في ليبيا غير مفيد.

على الرغم من تطمينات حصل عليها لافروف من طهران حيال سوريا، أثار الحوار الروسي السوري حفيظة طهران

نفط روسي لسوريا..

  • أنقرة توسّطت مع الرئيس الشرع لاستكمال الحوار مع موسكو، فاستجاب الشرع وأوفد وزير الخارجية أسعد الشيباني للقاء نظيره سيرغي لافروف في أنقرة في 25 شباط الماضي.
  • في حوار لافروف – الشيباني كرّر الأخير طلب دمشق تسليمها بشار الأسد، والدولارات التي حوّلها إلى موسكو. استخدم الجانب الروسي الحجّة القانونية الإنسانية لعدم الاستجابة لطلب تسليم الأسد، لأنّها تستضيفه لأسباب “إنسانية”. ونفى وجود دولارات للأسد في مصارف روسيّة. وحين أثار الجانب السوري مسألة التعويضات مقابل أضرار الحرب ومشاركة روسيا فيها، كرّر لافروف حجّته بأنّ بلاده تدخّلت في سوريا “ليس دفاعاً عن النظام بل لحماية حدودها من التدفّقات الإرهابية”. وافق لافروف في المقابل على مساعدة دمشق على نقل الأموال بالليرة السورية التي كانت تُطبع في موسكو بناء على طلب الحكومة السابقة، ووافق أيضاً على تزويد سوريا بالمشتقّات النفطية، وقد وصلت إحدى ناقلات النفط الأسبوع الماضي.
  • أثار الجانب السوري مع لافروف معطيات عن محاولات إيرانية للمسّ بالاستقرار السوري، فوعد الأخير بإثارتها في طهران التي انتقل إليها من إسطنبول.
  • المتّصلون بموسكو يشيرون إلى أنّ لافروف نبّه الجانب الإيراني إلى محاذير اللعب بالوضع السوري الجديد، لأنّ عودة التأزّم في بلاد الشام تؤثّر على دول المنطقة كافّة.

إقرأ أيضاً: إلى السوريين قبل الجنون الكبير: لا حل إلا بالدولة

على الرغم من تطمينات حصل عليها لافروف من طهران حيال سوريا، أثار الحوار الروسي السوري حفيظة طهران التي استفسرت أنقرة عنه، فيما كان الاهتمام الروسي هو إنجاح الانفتاح مع إدارة دونالد ترامب. بل إنّ لافروف أبلغ المسؤولين الإيرانيين أنّه تلقّى إشارات أميركية إيجابية إلى قبول توسّط موسكو مع طهران في ملفّها النووي. وفي ظلّ موجة الانفتاح الترامبيّ الروسي، كان لافتاً أن تشترك موسكو وواشنطن أمس في الدعوة إلى بحث أوضاع سوريا في مجلس الأمن الدولي.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

سوريا المستقبل… لا تقسيم ولا إيران

يتغيّر المشهد الداخلي السوري بسرعة كبيرة. انتقل، في غضون ساعات، من الضربة القويّة التي تعرّض لها النظام الجديد الذي وقع في فخّ نصبته له إيران…

متحدّياً طهران وتل أبيب: مظلوم عبدي ينتقم للشّرع

من غير المستغرب أن تشتعل الأجواء في الساحل السوري ذي الكثافة السّكّانية العلويّة، وأن نرى ارتدادات هذا الاشتعال تتفاعل في أكثر من مكان، وأن يحمل…

ماذا يحمل الرّئيس إلى دارنا الوطنيّة؟

فخامة الرئيس جوزف عون، عندما تزور حيّنا ومنطقتنا يوم السبت لتناول الإفطار على مائدتنا، لن نطلب منك رغيفاً ولا لبناً. لن نسألك أن توفّر لأولادنا…

ترامب يلعب بإعدادات الاقتصاد العالميّ.. والدّولار

يخوض الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكبر مغامرة اقتصادية لبلاده منذ عام 1971. ضرب بسيف التعريفات الجمركية ليزعزع قواعد نظام التجارة الحرّة الذي تشكّل في التسعينيّات،…