اليوم نقول: شكراً للسعودية!

مدة القراءة 5 د

يوم رعت السعودية اتفاقَ وقف الحرب في لبنان، وإنقاذه من مهالك الموت والدم والدمار، عبر انتخاب رئيس للجمهورية، وقف الشهيد رينيه معوض، بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، قبل 3 عقود ونيف، ليعكس في خطاب قسمه الدستوري، جانباً أساسياً من رؤية المملكة للبنان، ومن دوافعها تجاهه، وغايتها من بذل ما تبذله لأجله.

فأطلق يومها قاعدته الشهيرة: “المصالحة الوطنية لا تستثني أحداً. حتى ولا أولئك الذين يصرون على استثناء أنفسهم منها. فالمصالحة ملك الجميع، وتتسع للجميع”.

هذه كانت حقيقة الموقف السعودي يومها. وهذه هي حقيقته اليوم. كيف؟ ولماذا الآن؟

هنا تبدأ حكاية الوقائع.

 

بات ثابتاً ومعروفاً أنّ المملكة لم تبتعد عن لبنان لحظة. ولم تتخلَّ عنه في محطة.

ما كان وحصل طيلة سنوات، أنّ البعض في لبنان ابتعد عن ذاته. وتخلّى عن نفسه. فصار البلد منفصماً بين حاله ونقيضه. بين هويته وإلغائها. بين كينونته ومحوها. حتى صار العرب والعالم، وفي مقدّمهم السعودية، في نزاع داخلي شديد. يتساءلون: مع من نقف إذا كنّا مع هذا اللبنان الآن؟ معه أو مع ضده؟ مع قيامته أو مع إبادته؟

حتى حسم ذاك البعض في لبنان السؤال وجوابه. فابتعد هو عن العرب وعن العالم. وعزل نفسه ونبذ حاله حتى السقوط.

وظلّت المملكة تنتظر اللحظة المناسبة للتدخل والإنقاذ. وهي اللحظة التي لاحت خلال الأيام الخمسين الماضية، إثر تطورين كبيرين اثنين:

– أولاً: إتفاق وقف النار بين العدو الاسرائيلي ولبنان في 27 تشرين الثاني الماضي. وهو الاتفاق الذي واكبه موقف دولي كبير، رأى فيه العالم كلّه فرصة لإنقاذ لبنان. وذلك وفق خارطة طريق واضحة. تقول بعودة هذا البلد إلى شرعياته التأسيسية الثلاث:

شرعيته الدستورية الميثاقية. وشرعيته العربية الجامعة. وشرعيته الدولية والأممية.

ما كان وحصل طيلة سنوات، أنّ البعض في لبنان ابتعد عن ذاته. وتخلّى عن نفسه. فصار البلد منفصماً بين حاله ونقيضه

فيما الجميع مدركٌ أنّ في قلب تلك الشرعيات الثلاث، مركزاً محوريّاً للمملكة السعودية. فشرعية لبنان الدستورية، تتماهى مع اتفاق الطائف الذي ترعاه الرياض وتتمسّك به. وشرعيته العربية تتماهى اليوم، مع فلسفة بيان قمّة الرياض الأخيرة. خصوصاً لجهة التزام قضية فلسطين، “أمانة العرب”، كما سمّاها ولي العهد السعودي. وشرعيته الدولية والأممية، مرتبطة بشكل رئيسي، بمسار الاتفاق الاستراتيجي المنشود، بين واشنطن والرياض. بما سيحمله من رؤية للمنطقة ونتائج لاستقرارها وازدهارها.

السعودية

هكذا بدا أنّ اتفاق الجنوب، لا يمكن أن يكون ويصمد وينفَذ، إلّا إذا كانت السعودية حبل سرته الوجودي، لبنانياً وعربياً ودولياً.

ثانياً: زلزال سوريا في  8 كانون الأول الماضي. لحظة سقط بشار الأسد وهرب. لتفتح دمشق صفحة جديدة غير مسبوقة منذ 61 عاماً، منذ انقلاب “البعث” الأول سنة 1963.

وفيما السوريون يحتفلون بالحدث، والعالم يرحب بحذر وأمل، خرجت أصواتٌ إيرانية مفاجئة، تؤكد العمل على قلب سوريا الجديدة. وتحدّد مهلاً زمنية لإنجاز ذلك، والعودة إلى مسارات الحديد والنار.

لا بل أكثر من ذلك، سرعان ما ظهرت إرهاصات مقلقة لهذا المحذور، في أكثر من حادثة معزولة داخل سوريا. وفي أكثر من إشكال غامض مريب أو حتى مفتعل، على الحدود اللبنانية السورية. ولهذا الشق من البحث كلامٌ مفصل آخر لاحقاً.

ولم يكد القلق يعتري النيات السورية واللبنانية الإيجابية، حتى كانت إسرائيل تقتنص اللحظة القلقة، لتنفذ على الأرض خطواتٍ تشير إلى محاولة انتهازها ما يحصل في سوريا، لتحقيق نقاط حاسمة في سوريا كما في لبنان. توسع في الجنوب السوري. ومماطلة في تنفيذ اتفاق الجنوب اللبناني.

هكذا، بين 27 تشرين الثاني و8 كانون الأول، تأكد للسعودية أنّ الأزمة في لبنان لم تعد لبنانية وحسب. وأنّ المعالجة باتت ضرورية وداهمة. فكانت الاندفاعة السريعة من الرياض، صوب دمشق وبيروت معاً.

سورياً، المضمون والمتوقَّع متروكان لأهل سوريا والسعودية.

 بدا أنّ اتفاق الجنوب، لا يمكن أن يكون ويصمد وينفَذ، إلّا إذا كانت السعودية حبل سرته الوجودي، لبنانياً وعربياً ودولياً

أمّا في لبنان، فكانت الرؤية السعودية الإنقاذية، المؤيدة بدعم عربي ودولي بالإجماع، واضحة جلية:

لنبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، قادر على أداء التالي:

1- الالتزام بتطبيق اتفاق وقف النار. وإلزام المعنيين بذلك.

2- حماية حدود لبنان من البحر إلى البر. ومن الجنوب إلى الشمال.

3- وضع مهل زمنية واضجة دقيقة وملزمة لتطبيق كل خطوة.

4- إعادة بناء الدولة وفق إصلاحات جذرية تؤمن خير اللبنانيين.

5- منح الشعور بالثقة والأمان والأمن والاطمئنان وضمانة الاستقرار، لكل لبناني. فرداً أو جماعة. بأنّ هناك دولة تحمي الجميع. لا تستقوي على أحد. ولا تسمح لأحد بالاستقواء عليها. لا تتفرّد ولا تستفرد. لا تُقصي ولا تُقصى.

6- إعادة لبنان إلى العرب والعرب إلى لبنان. وفتح علاقة الاثنين معاً على رحاب العالم كله. بكل ما في العالم ولدى العرب من خير للبنانيين.

ماذا يريد اللبنانيون سوى ذلك؟ وهل يُعقل للبناني واحد، مواطناً كان أو مسؤولاً، أن يرفض خيره وخير بلاده؟!

ماذا بعد ذلك؟ كل آفاق المستقبل مفتوحة للجميع. فنحن أمام حقبة زمنية استثنائية غير مسبوقة في تاريخ لبنان. حيث تتكثف في أقل من 18 شهراً، خمسة استحقاقات مكوّنة لدولته ونخبه ومجموع مسؤوليه على شتى المستويات:

رئاسة جمهورية. ثم حكومة جديدة. بعدهما انتخابات بلدية. ولا يستخفنّ أحد بهذا الاستحقاق التنموي الأساسي. بعده انتخابات نيابية. تليها حكومة ثانية …

كل المستقبل يبدو مفتوحاً. بكل فرصه وآماله وإمكانات العالم كله لمساعدة لبنان واللبنانيين.

إقرأ أيضاً: ماذا تريد السّعوديّة من لبنان؟

كل ذلك، تلبية لاندفاعة سعودية، بحرص الشقيقة الكبرى، لطي صراعات الشقاق ومشقاتها.

شكراً للسعودية؟!

يجدر قولها ويجب. بلا تملّق ولا تزلّف. يكفينا إنقاذ لبنان دليلاً وبدلاً.

مواضيع ذات صلة

2024…عام الزّلازل (3/3)

إذا زلزلت السياسة زلزالها، وأخرجت الدول أثقالها، وقالت الشعوب متسائلة ما لها، يومئذ تتفرّغ الشاشات والفضائيّات لنقل أخبارها. منهم من يتلطّى خلف نظرية المؤامرة وما…

2024…عام الزّلازل (2/3)

إذا زلزلت السياسة زلزالها، وأخرجت الدول أثقالها، وقالت الشعوب متسائلة ما لها، يومئذ تتفرّغ الشاشات والفضائيّات لنقل أخبارها. منهم من يتلطّى خلف نظرية المؤامرة وما…

لبننة “الحزب”؟

منذ نشأته كانت لبنانية “الحزب” مسألة إشكالية، في الشكل كما في المضمون. والمضمون والشكل هنا متلازمان متساويان في الدلالة والمعنى. اليوم لم يعد من هامش…

“سمفونيّة الأمل” في السعوديّة.. والقوّاس: لعودة لبنان للحضن العربي

“لبنان جريح، وشفاؤه بالعودة إلى الحضن العربي”. هذه خلاصة كلمة رئيسة المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى السوبرانو هبة القوّاس في حفل موسيقي ضخم نظّمته في…