قبل التطوّرات الأخيرة في لبنان، وموجة الاغتيالات وبدء العدوان الإسرائيلي، قام الزميل أمين قمّورية بجولة في الأردن، للوقوف على حجم التغييرات والتحدّيات التي يواجهها، والهجمة الإيرانية والإسرائيلية عليه، ولمحاولة فهم إلى أين يتّجه الأردن.
في الحلقة الثانية، أسئلة حول المعارضة، التي انتقلت من الشارع إلى البرلمان، تحت أنظار الملك عبد الله الثاني، وبموافقته؟ ومحاولة لفهم أفق التقدّم الكبير، بفوز الإسلاميين بربع مقاعد البرلمان… فهل يصلّون إلى الحكومة؟
انتهت الانتخابات النيابية الأردنية مع لحظة اغلاق صناديق الاقتراع. لكن صور المرشحين واللافتات ظلت معلقة عند مفارق الطرق والشوارع العامة وشرفات المنازل. وطغى الفوز غير المسبوق لـ”الاخوان المسلمين” على ماعداه، ولا سيما على تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة برئاسة مدير مكتب الملك جعفر حسان.
من صوّت للإسلاميين؟
لم يعر الناشطون السياسيون أي اهتمام لتركيبة هذه الحكومة ولم يعلّق أحد عليها الآمال لتحسين الظروف السياسية أو المعيشية الخانقة في البلاد، على اعتبار أنّه “ليس في يد هؤلاء حيلة”. ذلك أنّ تراكم المشكلات “أكبر من يحلها” وزراء شباب من التكنوقراط مجهول معظمهم من العامة، ما عدا وزيري الخارجية أيمن الصفدي والداخلية مازن الفراية.
الفوز النسبي لـ”الاخوان” الذين رفعوا شعار “التضامن مع غزة”، لم يرَ فيه البعض مجرد تعبير عن تأييد المقاومة الفلسطينية. بل كان رسالة استياء من مهادنة الدولة الأردنية السياسات الأميركية وغياب رؤية مواجهة الخطر الإسرائيلي على الأردن.
خرجت التظاهرات الليلية أمام السفارة الاسرائيلية في عمان عن إطارها الهادىء في شهر نيسان الماضي وامتدت إلى مختلف المدن الأردنية
ذلك أنّ نتيجة الانتخابات أفادت بأنّ فوز “الإخوان” لم يرتكز فقط على أصوات الأردنيين من أصل فلسطيني في مخيمات اللاجئين، بل امتدّت أصوات المؤيدين إلى مناطق العشائر. أي إنّ التصويت لم يكن إسلامياً بالضرورة، بل دعماً عاماً اردنياً وفلسطينياً للمقاومة. كما أظهرت النتائج أنّ تدني نسبة التصويت إلى ما دون الـ12 في المئة في مناطق الشرائح الاجتماعية العليا والنخبة المهنية والمثقفة، وخسارة مرشحي الأحزاب الليبرالية الموالية للسلطة، مؤشر إلى غياب الثقة لدى هذه الشرائح بسياسات الدولة. تلك التي تتجاهل تداعيات الحرب الاسرائيلية والتوحش الاستيطاني في الضفة الغربية، وبسبب الخوف على الأردن من هذه التداعيات. حتى أنّ مسؤولين سابقين كبار في الأجهزة الأمنية والدولة باتوا يجدون في المقاومة في فلسطين نوعاً من الحماية للأردن نفسه من اسرائيل.
لماذا “أوصل” الملك الإسلاميين؟
لكن في راي البعض أنّ “القصر” الذي أصر على إجراء الانتخابات النيابية في هذه الظروف الصعبة والمعقدة، ينظر إلى الأمر بطريقة مغايرة. اذ أصرّ على اجرائها بحرية مطلقة وبنزاهة وعدم التدخل فيها. ولم تُفاجأ أوساطه بالنتائج.
ذلك أنّ الدولة لا ترى ضيراً في ظل الضغوط الشديدة، بوجود مجلس نواب قوي يحظى بشعبية ويشغل الاسلاميون فيه نسبة جديّة من المقاعد، لأنّ من شأن ذلك توجيه رسالة للأميركيين لتوجيه ضغوطهم على اسرائيل بدلاً من توجيهها إلى الأردن، ولتنبيه الدول العربية الغنية من عدم ترك الأردن وحيداً في ظل أزمته المالية.
الأهم من ذلك، أنّ “وجود المعارضة تحت قبة البرلمان أفضل من وجودها في الشارع لدرء المخاطر، ولأنّ عكس ذلك سيشعل الشارع. أما الآن فيمكن احتواء الشارع واحتواء الضغوط الخارجية”، على ما يقول عضو مجلس الأعيان الأردني جميل النمري. يضيف: إنّ الحالة الاسلامية الأردنية متأرجحة شعبياً صعوداً وهبوطاً. فكلما هبطت شعبيتها جاءت أحداث داخلية أو خارجية لتعطيها زخماً على غرار ما يحصل في فلسطين اليوم والسياسات الأميركية المنحازة والإحساس بالمظلومية”.
أما عن الحالة الاسلامية المتطرفة فلا ينكر أحد من “الأعيان” وجودها في مناظق متفرقة من الأردن
“أعيان” يتحدّثون… بلا أسمائهم
لا يفرّق “عين” آخر، من الأعيان الأردنيين، طلب عدم نشر اسمه، بين جماعة “الأخوان” الأردنية وبين حركة “حماس” الفلسطينية، فهم “واحد عندما يريدون وهم اثنان عندما تقتضي الحاجة. في زمن الحرب واحد. وفي زمن زمن السلم تأخذ “الجماعة” مسافة وتظهر كطرف أردني معني بالاصلاح والأحوال الأردنية من دون غيرها”.
أما عن الحالة الاسلامية المتطرفة فلا ينكر أحد من “الأعيان” وجودها في مناظق متفرقة من الأردن، ولا سيما في المخيمات وأحزمة الفقر حول بعض المدن. ويقول شهود إنّ بعض المساجد في بعض هذه المناطق “لايمكن حتى للأخوان دخولها”.
لكن “عيناً” ثالثاً يؤكد أنّ موجة المتطرفين الاسلاميين، رغم وجود بنية حاضنة لها، انحسرت كثيراً بعدما صفى الأمن الأردني جيوبها، إثر حرق تنظيم “داعش” الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً بعد سقوط طائرته الحربية أثناء قيامها بمهمة عسكرية على مواقع التنظيم في محافظة الرقة شمالي سوريا.
إيران تحاول التسلّل… وتفشل
خرجت التظاهرات الليلية أمام السفارة الاسرائيلية في عمان عن إطارها الهادىء في شهر نيسان الماضي وامتدت إلى مختلف المدن الأردنية. وارتفعت سقوف شعاراتها وتحولت في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة مع الشرطة الأردنية، ما أثار المخاوف من وجود مساع خارجية لتأجيجها والعبث بالأمن الأردني. وتوجّهت أصابع الاتهام إلى حركة “حماس” وايران التي قال البعض انها تسعى إلى اظهار مملكة الأردن على أنها ساحة جديدة تضاف إلى سوريا والعراق واليمن ولبنان ضمن استراتيجية “وحدة الساحات”.
على رغم المساعي الايرانية لاختراق البيئة الأردنية عبر العلاقة مع بعض الأوساط الإسلامية واستخدام المهربين ومجموعات من البدو الرحل لتهريب السلاح إلى من العراق وسوريا إلى الأردن ومنها إلى الضفة، فإنّ ثمة اجماعاً بين المهتمين بالشأن الداخلي الأردني، على لا يمكن تأسيس بيئة مواتية في الأردن للنشاط السياسي الايراني.
الأردن ليس سوريا ولا لبنان ولا العراق من حيث تركيبته الاجتماعية الطائفية. إذ لا يوجد شيعة في الأردن ولا علويين
الأردن ليس سوريا ولا لبنان ولا العراق من حيث تركيبته الاجتماعية الطائفية. إذ لا يوجد شيعة في الأردن ولا علويين. بل أكثر من ذلك، فالأردن خط تماس بين “الهلالين الشيعي والسني” اذا جازت التسمية. فضلاً عن خبرة المؤسسة الأمنية والعسكرية الأردنية في التعامل مع “حالة المنطقة الرمادية” مثل تهريب المخدرات والسلاح واختراق الأجواء الأردنية بالطائرات المُسيّرة، وإنشاء الحسابات الوهمية.
ماذا يريد الإسلاميون من الانتخابات؟
هل في امكان انتصار “الأخوان” في مجلس النواب أن يغيّر السياسات وأن يحدث فرقاً ويأخذ بالأردن في اتجاه مواقف أكثر جذرية؟
تؤكّد النائبة عن الإسلاميين ديمة طهبوب أنهم لن يكونوا “الثلث المعطّل” في مجلس النواب. ما يوحي بأنّ هناك تفاهماً مع الدولة سبق الانتخابات، وأنّه لدى القصر حاجة توظيف موجة غضب الشعب الأردني ضد إسرائيل. والخلاصة هنا، أنّ فوز “إخوان” الأردن هو من تحصيل الحاصل.
سبق قرار الذهاب إلى صناديق الاقتراع، سلسلة تعديلات على الدستور أعادت ترسيم العلاقة بين السلطات الثلاث، على نحو حجّم دور السلطة التشريعية، وعظّم دور السلطة التنفيذية، ثم عاد وسحبها من السلطة التنفيذية وحولها إلى القصر، عبر تعزيز صلاحيات “الديوان”، وتأسيس مجلسٍ للأمن القومي يُعنى بالسياسة الخارجية والأمن وملفّات داخلية.
إقرأ أيضاً: الأردن: بين “الوطن البديل”.. والحصار الإيرانيّ
كما وضعت سقوف للعمل البرلماني، ليبقى بعيداً عن ممارسة أيّ دور سياسي سيادي وتبقي صلاحياته تحت السيطرة، وضمن المُرتّب له دستورياً وقانونياً. وهكذا أثارت الانتخابات هواجساً بقدر ما أثارت من آمال. وأعطت المحافظين فرصة للتخويف من الإسلاميين وصعودهم وانفلات الأمور والدعوة إلى العودة إلى الوراء.
“القصر” ثبّت قبضته ونفّس الإحتقان الشعبي ولو بشكل موقت. أمّا الإصلاح والتغيير وتطوير المنظومة السياسية وتحديثها… فتلك مسألة اخرى.