المواجهة المباشرة المؤجّلة بين إسرائيل وإيران

مدة القراءة 6 د

ليس الهجوم الذي شنّته إسرائيل على إيران سوى تعبير عن رغبة متبادلة لدى الجانبين في تفادي مواجهة شاملة بينهما. تحدّثت الدولة العبريّة عن تحقيق الهجوم أهدافه، فيما تحدّثت طهران عن إفشالها الهجوم وعن أضرار جانبيّة خلّفها من دون أن تشير إلى ضرورة الردّ. تبدو المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل مؤجّلة، في الوقت الحاضر، لأسباب مرتبطة برغبة الطرفين المعنيَّين بذلك. يعود ذلك إلى ظروف تتحكّم بكلّ منهما.

تفضّل “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران خوض حروبها عبر أدواتها في المنطقة، أكان ذلك عبر الأدوات الموجودة في العراق أو في سوريا أو في لبنان… أو في اليمن. في المقابل، تفضّل إسرائيل الانتهاء من حربَي غزّة ولبنان قبل الانصراف إلى الموضوع الإيراني الشائك، وهو موضوع لا تستطيع مقاربته من دون تنسيق مع الولايات المتحدة.

جاء “طوفان الأقصى” نتيجة لرهان “بيبي” نتنياهو على حماس. ما حصل يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، غيّر المنطقة كلّها، بما في ذلك إسرائيل

إذا كان من درس تعلّمته إسرائيل من “طوفان الأقصى”، فإنّ هذا الدرس يتعلّق بالصفقات والتسويات والرهانات التي تستطيع التوصّل إليها أو عقدها مع الإسلام السياسي بأيّ شكل من أشكاله، أكان هذا الإسلام شيعياً أو سنّيّاً.

رهان إسرائيل على حماس

في النهاية، راهن بنيامين نتنياهو طويلاً على حماس. اعتبرها ضمانة لاستمرار الانقسام الفلسطيني وضرب المشروع الوطني الفلسطيني الهادف إلى قيام دولة مستقلّة تضمّ الضفة الغربيّة وغزّة. خدم حصار غزّة حماس التي أقامت في القطاع “إمارة إسلاميّة” منذ منتصف عام 2007. كانت إسرائيل تضمن وصول الأموال القطرية إلى “حماس” عبر مطار بن غوريون شهراً بشهر. كان المهمّ تكريس الانقسام الفلسطيني، وهو انقسام خدم بقاء محمود عبّاس (أبي مازن) على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية عن طريق تفادي أيّ انتخابات رئاسيّة أو اشتراعيّة.

جاء “طوفان الأقصى” نتيجة لرهان “بيبي” نتنياهو على حماس. ما حصل يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، غيّر المنطقة كلّها، بما في ذلك إسرائيل التي اكتشفت أن ليس في استطاعتها التعايش لا مع حماس ولا مع الحزب، وأنّ عليها في نهاية المطاف ضرب ما بات يسمّيه المسؤولون الإسرائيليون “رأس الأفعى” في طهران.

صار الحزب في حاجة إلى ضبّاط من “الحرس الثوري” الإيراني لمتابعة الحرب مع إسرائيل وإبقاء الوضع اللبناني معلّقاً

عمليّاً، ضربت إسرائيل حماس. قضت على غزّة وعلى “إلإمارة الإسلاميّة” واغتالت يحيى السنوار الذي كان وراء “طوفان الأقصى” الذي أخذ إسرائيل كلّها على حين غرّة وأدخلها في أزمة وجودية. تكمن أهمّية “طوفان الأقصى” في أنّ الهجوم لم يؤدِّ إلى قتل 1,200 إسرائيلي ومواطنين من دول أخرى في خلال ساعتين فحسب، بل كان أيضاً ضربة لقوّة الردع الإسرائيليّة.

وحشيّة إسرائيل التي لا يمكن تبريرها

لم تكن الوحشيّة، التي لا يمكن تبريرها بأيّ مقياس من المقاييس، التي لجأت إليها إسرائيل في غزة سوى دليل على رغبة في استعادة قوّة الردع التي أفقدها إيّاها “طوفان الأقصى”. لجأت إسرائيل إلى الوحشيّة كي تستعيد هيبتها.

لم تعد غزّة موجودة. ما فعلته إسرائيل في غزّة تفعله حالياً في لبنان حيث دمار كبير في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة. خلقت الدولة العبريّة قنبلة موقوتة ستنفجر عاجلاً أم آجلاً في ضوء تهجيرها لمليون ونصف مليون لبناني، معظمهم من الشيعة، من قراهم وبلداتهم. أكثر من ذلك، إنّها تحوّل الضاحية الجنوبيّة وما يحيط بها إلى مكان غير صالح للعيش. لم تكتفِ بالقضاء على عدد كبير من قيادات الحزب فحسب، بل حوّلت الحزب إلى جسم من دون رأس. صار الحزب في حاجة إلى ضبّاط من “الحرس الثوري” الإيراني لمتابعة الحرب مع إسرائيل وإبقاء الوضع اللبناني معلّقاً في ظلّ فراغ سياسي تصرّ إيران على استمراره. لم يعد من همّ لبناني لإيران غير استخدام ما بقي من الحزب لاستمرار الإمساك بالبلد بصفة كونه ورقة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة”.

تحتاج المرحلة الإسرائيلية المقبلة إلى تفاهم إسرائيلي – أميركي في العمق. بكلام أوضح، ليس في استطاعة إسرائيل وحدها وقف البرنامج النووي الإيران

تغيير الوضع في جنوب سوريا

في وقت تستمرّ الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية على أرض لبنان، يبدو واضحاً أنّ الدولة العبريّة تعمل على الإعداد للمرحلة المقبلة. لم يعد سرّاً أنّها في صدد تغيير الوضع في الجنوب السوري والمناطق التي تعتبر أنّها ذات طابع استراتيجي، مثل قمّة جبل الشيخ التي تشرف على العمقين السوري واللبناني.

ما المرحلة المقبلة إسرائيليّاً؟

ليس العنوان الأساسي لتلك المرحلة الهجوم الذي شنّه سلاح الجوّ الإسرائيلي على مواقع إيرانية مع تركيز خاصّ على مصانع الصواريخ والمسيّرات. سيكون العنوان الأساسي البرنامج النووي الإيراني. هذا البرنامج الذي صار هاجساً إسرائيلياً بعد “طوفان الأقصى” وفتح إيران لجبهة جنوب لبنان “إسناداً لغزّة”. ما بعد “طوفان الأقصى” سقوط لرهان “بيبي” على “حماس” وعلى الحزب وعلى قواعد الاشتباك التي توصّل إليها مع الإسلام السياسي السنّي والشيعي. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ لما فعلته حماس وما فعله الحزب ترجمةً وحيدة. ستكون “الجمهوريّة الإسلاميّة” مستعدّة لاستخدام سلاحها النووي في حال حصولها عليه. تماماً مثلما استخدمت حماس صواريخها ومسيّراتها لضرب عمق إسرائيل، وتماماً مثلما فعل الحزب الذي تكفّلت صواريخه بضرب منزل نتنياهو وبنزوح نحو مئة ألف إسرائيلي من مستوطنات الجليل.

تبدو المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران مؤجّلة لا أكثر، مؤجّلة في انتظار الإدارة الأميركيّة الجديدة

تحتاج المرحلة الإسرائيلية المقبلة إلى تفاهم إسرائيلي – أميركي في العمق. بكلام أوضح، ليس في استطاعة إسرائيل وحدها وقف البرنامج النووي الإيراني. الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى مشاركة أميركيّة في مواجهة إيران بشكل مباشر. من هذا المنطلق، يمكن فهم مسايرة الحكومة الإسرائيلية والمؤسّسة العسكرية لإدارة جو بايدن التي أرادت أن تتفادى الضربة الأخيرة التي وُجّهت إلى إيران المنشآت النفطية والبرنامج النووي. من هذا المنطلق، أيضاً، يمكن فهم انتظار إسرائيل لنتائج الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة قبل بدء البحث الجدّي في كيفية التعاطي مع احتمال حصول إيران على القنبلة النووية.

إقرأ أيضاً: رباعيّ نتنياهو في واشنطن… ونصيحة لبيروت!

سيكون دونالد ترامب أكثر من مستعدّ لتعاون مشترك في العمق في التصدّي للقنبلة الإيرانية. ستكون إدارة على رأسها كامالا هاريس منفتحة على فكرة أنّ من غير المسموح لإيران امتلاك السلاح النووي.

في هذا السياق، تبدو المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران مؤجّلة لا أكثر، مؤجّلة في انتظار الإدارة الأميركيّة الجديدة.

مواضيع ذات صلة

هل تدركون ماذا يعني 1 تشرين الثاني الآن؟

 إنّه واحد تشرين الثاني 2024. اليوم الأوّل، من السنة الثالثة من الفراغ الرئاسي الرابع في ما بقي من دولة لبنان. وللمصادفة، هو عيد جميع القدّيسين،…

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط، حيث حلّ في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من تشرين الأوّل 2024، مجرّد “زيارة دولة” عاديّة التقى خلالها…

إيران لإسرائيل: لبنان ساحة الحرب بيننا

حصل الردّ الإسرائيليّ الموعود والمنتظر. صباح 26 تشرين الأول استفاق العالم على خبر قيام الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة بالهجوم على إيران. بحسب بيان للجيش الإسرائيليّ، فإنّ…

إسرائيل تعيد لبنان إلى القرار 425…

في كلّ يوم يمرّ، تزداد المأساة اللبنانيّة خطورة واتّساعاً وعمقاً. يظلّ أخطر ما في المرحلة الراهنة التي تمرّ بها المأساة التي يعبّر عنها انهيار مستمرّ…