لبنان بلد يرفض تحمّل مسؤولياته

مدة القراءة 5 د
توجد حلقات عدة مفقودة في الخطاب الرسمي اللبناني الذي يصدر حالياً عن نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي مثل البلد في مؤتمر باريس… أو عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يوفّر لميقاتي الغطاء السياسي الذي يحتاج إليه شيعيا، حتى لا نقول من الحزب.
أبرز الحلقات المفقودة في الخطاب الرسمي اللبناني هي إضاعة المسؤولية عن فتح جبهة الجنوب التي تسببت بالحرب الإسرائيلية على لبنان. يصدر عن رئيس الحكومة، كذلك عن رئيس مجلس النواب، كلام مبهم عن استعداد لبنان لتنفيذ القرار 1701. كما لو أنّ شيئا لم يتغيّر نتيجة الحرب الدائرة التي تبدو جزءا لا يتجزّأ من الحرب الإيرانية – الإسرائيلية التي بات لبنان مسرحا لها. يعرف العالم، كلّ العالم، أنّ على لبنان تحمّل مسؤولياته أخيرا والإعتراف بأنّ الحزب ومن خلفه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران وراء الكارثة التي حلّت بلبنان. وهي كارثة يعبّر عنها تحوّل مليون ونصف مليون نازح، تقريبا، إلى قنبلة موقوتة لا بدّ أن تنفجر في أيّ لحظة ما مستقبلا.

أبرز الحلقات المفقودة في الخطاب الرسمي اللبناني هي إضاعة المسؤولية عن فتح جبهة الجنوب التي تسببت بالحرب الإسرائيلية على لبنان

نهاية اللعبة القديمة
لماذا لا يتوقف لبنان عن التهرب من مسؤوليته والإعلان صراحة أنّ الحزب وراء الحرب؟ وأنّ إسرائيل استغلت فتح جبهة الجنوب يوم ٨ أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، بحجة “إسناد غزّة” كي تسعى إلى جعل لبنان مكانا خاليا من الحزب وصواريخه. كانت هناك لعبة ذات قوانين محدّدة وقواعد معروفة التزمتها إسرائيل والحزب، أي إيران. لم يعد لهذه اللعبة وجود في اليوم الذي أعلن فيه الحزب فتح جبهة الجنوب التي وضعت إسرائيل أمام أزمة وجوديّة.
من المفيد أخذ العلم بتغيّر أمور كثيرة على الأرض، بما في ذلك أنّ الحزب الذي تحكّم بلبنان منذ إغتياله لرفيق الحريري في العام 2005 ومنذ خروج الجيش السوري منه، لم يعد هو نفسه. يمكن قول هذا الكلام، خصوصاً بعد تصفية إسرائيل لأمينه العام وكبار القيادات. بمن في ذلك هاشم صفي الدين ومن كان معه وآخرين لجأوا إلى سوريا.
لا يمكن الإستهانة بالتغيير الكبير الذي أحدثته جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة. ثمّة كارثة حصلت. لا تقتصر الكارثة على تدمير جزئي أو كامل لقرى وبلدات جنوبية وصولا إلى النبطية وبنت جبيل وصور. هناك أيضاً، تركيز على الضاحية الجنوبيّة لبيروت التي تتعرّض لضربات إسرائيلية مدروسة إلى أبعد حدود.

لا يمكن الإستهانة بالتغيير الكبير الذي أحدثته جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة. ثمّة كارثة حصلت

تبدو هذه الضربات جزءا من جهد دولي لجعل لبنان خاليا من “أوكار الإرهاب” حسب التعبير الغربي. هناك تركيز أيضا على وجود الحزب في البقاع. وعلى طرق إيصال السلاح إليه عبر الأراضي السورية. ليس صدفة إعتماد النظام السوري وضع الغائب عن الأحداث بعد تلقيه إنذارات مباشرة من إسرائيل.
فكّ ارتباط الخطاب الرسمي بالحزب
في حال كان لبنان يريد الخروج من الحرب، يستحيل تجاهل النتائج الكارثية المترتبة على ما ارتكبه الحزب وما لا يزال يرتكبه تحت شعار “المقاومة”. آن أوان فكّ أي ارتباط بين خطاب الحزب والخطاب الرسمي اللبناني. إنّه فكّ إرتباط يهرب منه الحزب والحكومة ورئيس مجلس النواب. يوجد إصرار على َرفض إحترام ذكاء اللبنانيين من جهة ورفض تحمّل المسؤوليات تجاه المواطنين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية الكريمة من جهة أخرى. يجد لبنان نفسه أمام وضع لا يُحسد عليه بعدما تبيّن للمرّة الألف أنّ الحزب لا يستطيع أن يكون أكثر من أداة ايرانية.
فلو كان الحزب صادقاً مع نفسه ومع اللبنانيين، لكان إعتذر عن كلّ ما قام به في الفترة الماضية. ذلك أن كلّ تصرّفاته صبّت في خدمة مشروع إفقار لبنان ونشر البؤس فيه وتهجير أهله واثارة الغرائز المذهبية.
ما الهدف من جريمة إغتيال رفيق الحريري المدان الحزب بها؟ ما الهدف من افتعال حرب صيف العام 2006؟ ما الهدف من الإعتصام وسط بيروت؟ ما الهدف من دعم النظام السوري، الذي افتعل حرب مخيّم نهر البارد في شمال لبنان وراهن عليها، بواسطة فصيل “داعشي” إسمه “فتح الإسلام”؟ ما الهدف من غزوة الحزب لبيروت والجبل التي ولّدت جرحا مذهبياً قد لا يندمل؟ ما الهدف من إسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في 2011 وتشكيل حكومة تابعة لإيران برئاسة نجيب ميقاتي؟ ما الهدف من التدخل في سوريا إلى جانب نظام يذبح شعبه يوميا؟ ما الهدف من منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان؟ ما الهدف من الوصول إلى حرب 2024  التي تضع لبنان عند مفترق طرق؟
إقرأ أيضاً: يحيى “كان يعلم”… فعلامَ راهن؟
ما هو المخرج اللبناني؟
هذا غيض من فيض ارتكابات الحزب الذي وافق على كلّ كلمة في القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي أوقف العمليات العسكرية صيف العام 2006 وما لبث أن تنكر للقرار بالتفاهم الضمني مع إسرائيل؟
يبدأ البحث اللبناني عن مخرج من الأزمة المصيريّة التي تهدّد وجود لبنان عبر تفادي إنفجار قنبلة النازحين. مثل هذا البحث غير ممكن من دون التخلي عن اللغة الخشبية التي تتفادى الإشارة إلى مسؤولية الحزب ومن خلفه إيران عن اندلاع الحرب. خطا الرئيسان ميقاتي وبرّي خطوة لا أس بها إلى أمام عندما بدأ الإثنان الحديث عن ضرورة تنفيذ القرار 1701. هذا ليس كافياً في غياب اعتراف بمسؤولية الحزب عن الحرب أولا وضرورة وقفه إطلاق الصواريخ والمسيرات من جهة والسعي إلى إنتخاب رئيس للجمهوريّة من جهة أخرى. كانت دعوة الرئيس أمين الجميّل والرئيس ميشال سليمان والرئيس فؤاد السنيورة في محلها. اتفق الثلاثة على وقف النار وانتخاب رئيس للجمهوريّة لبلد عليه إلتقاط أنفاسه قبل أي شيء آخر، لبلد عليه أن يعرف أنّ ما قبل حرب “إسناد غزة” ليس كما بعد تلك الحرب التي أطاحت القرار 1701 بالمفهوم الذي كان متعارفاً عليه بين الحزب وإسرائيل…

مواضيع ذات صلة

هل تدركون ماذا يعني 1 تشرين الثاني الآن؟

 إنّه واحد تشرين الثاني 2024. اليوم الأوّل، من السنة الثالثة من الفراغ الرئاسي الرابع في ما بقي من دولة لبنان. وللمصادفة، هو عيد جميع القدّيسين،…

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط، حيث حلّ في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من تشرين الأوّل 2024، مجرّد “زيارة دولة” عاديّة التقى خلالها…

إيران لإسرائيل: لبنان ساحة الحرب بيننا

حصل الردّ الإسرائيليّ الموعود والمنتظر. صباح 26 تشرين الأول استفاق العالم على خبر قيام الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة بالهجوم على إيران. بحسب بيان للجيش الإسرائيليّ، فإنّ…

إسرائيل تعيد لبنان إلى القرار 425…

في كلّ يوم يمرّ، تزداد المأساة اللبنانيّة خطورة واتّساعاً وعمقاً. يظلّ أخطر ما في المرحلة الراهنة التي تمرّ بها المأساة التي يعبّر عنها انهيار مستمرّ…