عام على 7 أكتوبر: حروب التّفاسير و”مكانك راوح”

مدة القراءة 5 د

بعد عام كامل على عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس في غلاف قطاع غزة، وجرّت حرباً إسرائيليةً وحشيةً على الشرق الأوسط برمّته، لا على غزّة وجنوب لبنان فحسب، يحقّ لنا أن نسأل عن جدوى هذه العملية. يحقّ لنا، نحن الذين ندفع أثماناً باهظةً لسياسات لم نشارك في صنعها ولم نؤيّدها بل فُرضت علينا فرضاً، أن نسأل عن تفسير مآلات أحوال المنطقة، لكنّ الواقع يعطي إجابة حازمة ألا وهي “مكانك راوح”. صار لزاماً على كلّ امرىء في المنطقة وخارجها أن يخوض مشاغبة “حرب التفاسير”. كلّ سؤال وله جواب مضادّ. هو منطق التناقضات والأحقّيات غير المشروعة وغير المبرّرة.

 

أيّ شرق أوسط يريد العالم؟

يحقّ لنا أن نسأل إيران ونظامها ومحورها وأذرعها العسكرية وحلفاءها، تماماً كما يحقّ لنا أن نسأل العالم كلّه، خاصةً الدول الكبرى فيه حليفة إسرائيل وداعمتها: هل مكتوب على الشرق الأوسط برمّته أن يدفع ثمن قرار استعماري غربي مطلع القرن العشرين أو مطلع أفول عصر الاستعمار المباشر، إلى أبد الآبدين؟ ما المطلوب من الشرق الأوسط أو فيه، حتى تتوقّف آلة القتل المستمرّة هذه منذ قرن كامل؟ أن يصير الشرق الأوسط بكامله دولة إسرائيل الكبرى؟ أن يصير مجرّد آبار نفط وحقول غاز عليها شرطي أو حارس اسمه إسرائيل، وشعوبه مجرّد عمّال يشرف عليهم ربّ عمل هو إسرائيل؟

ما الذي تريده الدول الكبرى تلك من هذه المنطقة؟ طبعاً لن نسأل ماذا تريد إسرائيل، فأهدافها واضحة، قبل السابع من أكتوبر وبعده وخلاله، بل أهدافها واضحة منذ ما قبل قيامها، وهي أهداف تتنافى وتتناقض جملةً وتفصيلاً مع كلّ هدف لشعوب الشرق الأوسط. فمع كلّ حرب تؤكّد إسرائيل بما لا يدع مجالاً لشكّ أنّها كيان غير قابل للتعايش معه. ما تراكمه من حروب ووحشية وإجرام وإبادة منذ قيامها حتى الآن، واتفاق سلام تلو اتفاق سلام، يقطع الشكّ باليقين: إسرائيل كيان غير قابل للتعايش معه، لا سلماً ولا حرباً، لا اليوم ولا غداً ولا بعد طول سنين.

إسرائيل لا تقبل بأيّ آخر، فرداً كان أو حزباً أو جماعةً أو طائفةً أو ديناً أو دولةً. لا تقبل حتى أن تكون معها، والدليل مخطّطها لترحيل عرب الـ48

إسرائيل لا تقبل بأيّ آخر، فرداً كان أو حزباً أو جماعةً أو طائفةً أو ديناً أو دولةً. لا تقبل حتى أن تكون معها، والدليل مخطّطها لترحيل عرب الـ48، وإعلانها يهودية الدولة، ورفضها القاطع لأيّ حلّ فيه ذكر لدولة فلسطينية وإن شكليّة، بل رفضها القاطع لكلّ حلّ.

رفض كلّ آخر على الضّفّتين

على المقلب الآخر، القوى والأحزاب والدول التي تتصدّى لمشروع إسرائيل لا تختلف عنها كثيراً. هي أيضاً ترفض كلّ آخر. تاريخها يقول هذا. ترفض حركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. يرفض الحزب كلّ آخر في المقاومة وخارجها، وما تحالفه مع حركة أمل إلّا تجنّباً لفتنة داخل الطائفة والبيئة الحاضنة. يحتكر المقاومة منذ تسعينيات القرن الماضي لنفسه، ويرفض إشراك أحد معه فيها، كما يرفض كلّ سؤال أو استفسار أو نقد ويجابهه بالتخوين. كذلك الأمر مع الحوثيين في اليمن الذين يرفضون كلّ آخر يمني أو غير يمني.

الشرق الأوسط

فصائل الحشد الشعبي في العراق ترفض كلّ عراقي خارج أطرها، حتى إنّها ترفض بعض من هم فيها. أمّا النظامان الراعيان لهذ الحركات، وإن بنسب متفاوتة، أي النظام الإيراني والنظام السوري، فيرفضان أيضاً كلّ آخر. يقمع الأوّل كلّ رأي آخر من داخل النظام كما حدث مع حسين مير موسوي والرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي وحتى وزير الخارجية الأسبق ونائب الرئيس الحالي محمد جواد ظريف… وصولاً إلى مهسا أميني وثورتها. ويرفض النظام السوري كلّ رأي آخر، بل كلّ كلمة أو مفردة من خارج قاموسه منذ نصف قرن ونيّف.

بعد عام كامل على عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس في غلاف قطاع غزة، وجرّت حرباً إسرائيليةً وحشيةً على الشرق الأوسط برمّته

… ويستمرّ الصّراع

وعليه، بعد عام كامل على أحداث السابع من أكتوبر، ما الذي تغيّر؟ لا شيء. لا يزال الرفض المطلق سارياً على الجبهات كلّها وعلى ضفّتَي الصراع الذي بلا نهاية. هنا متشدّدون مغامرون ومتعصّبون يرفضون كلّ آخر، وهناك كذلك وإن بلباس مختلف وهويّات مغايرة. عام على 7 أكتوبر، ولا يزال السلام بعيداً عن الشرق الأوسط، بل ممنوعاً فيه. أمّا القتل والدمار والعودة قروناً إلى الخلف فعُدّة الصراع، بل في صميم عقائد وأيديولوجيات الطرفين. “المقاومون” هنا جميعهم إسلاميون، هدفهم الأسمى العودة إلى السلف الصالح والزمن الأصلح والأمثل والأقرب إلى الإسلام والله. والمجرمون المعتدون الصهاينة وهم جميعاً من اليهود، هدفهم الأسمى العودة إلى “أرض الميعاد” زمنياً وقد عادوا إليها مكانياً، والعودة إلى الشريعة اليهودية وأبطالهم الجبابرة والاقتداء والامتثال بهم. في آخر تصريحاته استعان بنيامين نتنياهو بجملة توراتية: “سألاحق أعدائي، وسأقضي عليهم”.

عام كامل على السابع من أكتوبر والنتائج جليّة وواضحة للعيان:

1- غزّة مدمّرة ولبنان كذلك الأمر، وفي أحسن حالاته على طريق غزّة.

2- حركة حماس والحزب وإخوتهم على حالهم، مهما كانت نتيجة المعركة. يضعفون قليلاً أو كثيراً لا فرق.

3- إسرائيل أكثر إجراماً وأقلّ قبولاً، وإن تضرّرت عسكرياً واقتصادياً فسرعان ما ستعوّض خسارتها، وهي ستستمرّ ككيان مهدّد بوجوده ومرفوض في محيطه.

إقرأ أيضاً: “الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

4- الشرق الأوسط أقلّ أمناً وأماناً، وأشدّ فوضى، وأكثر خطراً وأقلّ استقراراً.

5- السلام أبعد ما يكون عن المنطقة كما كان دائماً، ومنذ عام 1948، تاريخ قيام إسرائيل، وعليه الحرب مستمرّة والصراع سيبقى على أشدّه، سواء سكتت المدافع والطائرات أو أطلقت العنان لمدافعها وقنابلها وصواريخها.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@jezzini_ayman

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…