يستبعد ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق نشوب حرب واسعة بين إسرائيل والحزب على خلفيّة حادثة مجدل شمس لسببين: الأوّل أنّها حادثة غير مقصودة، والثاني أنّ الطرفين لا يريدان التورّط في حرب موسّعة.
حاور “أساس” ديفيد شينكر الذي يعرفه اللبنانيون والإسرائيليون جيّداً، وهو الحاضر في كلّ التفاصيل التي تعني الطرفين.
يصفُ ما حصلَ في مجدل شمس بأنّه “حادث، وإن كانَ غير مقصود، فإنّ الحزبَ له تاريخٌ في قتل الأطفال منذ دخوله الحرب السّوريّة في 2013 لخدمة إيران”. يرى شينكر أنّ أحداً لا يُمكنه أن يجزمَ إن كانت “الحوادث غير المقصودة قد تجرّ إلى حربٍ أوسع أو لا”. لكنّه يعتقد أنّ تل أبيب ستلجأ إلى ردّ مُتناسب مع ما حصلَ.
لبنان بين هاريس وترامب
لأنّ الانتخابات الرّئاسية الأميركيّة هي الحدث الأبرز المُقبل على العالم، كانَ محور الحوار مع ديفيد شينكر حول تأثير الانتخابات على مجريات الأحداث في لبنان والمنطقة. بالنّسبة إلى شينكر، فإنّ مُرشّحة الحزب الدّيمقراطيّ كامالا هاريس لا يُعرَف توجّهها الحقيقي في السّياسة الخارجيّة. ذلكَ أنّها لم تكُن منخرطة بشكلٍ فاعل ضمن فريق إدارة جو بايدن للسّياسة الخارجيّة.
لكنّ “إرهاصات” سياسة هاريس ظهرَت في تصريحاتها حول الحرب الجارية في قطاع غزّة. من هذا المُنطلق يقول شينكر لـ”أساس” إنّ هاريس ستستمرّ في “سياسة خفض التّصعيد واستكمال جهود وقف الحرب”. ويقول: “لا أعتقد أنّ أحداً في الإدارة الحاليّة، وحتّى في إسرائيل، يُريد الحرب الواسعة”. وبحسب قراءته فإنّ هاريس لن يكونَ لديها التركيز الكامل على لبنان أو لن يكون لبنان على جدول أعمال سياستها الخارجيّة بشكلٍ فاعل.
يستبعد شينكر نشوب حرب واسعة بين إسرائيل والحزب على خلفيّة حادثة مجدل شمس لسببين
لبنان يواجه “الضّغط الأقصى” مجدّداً
لكنّ قراءة شينكر تختلف في حال كانَ دونالد ترامب هو الرّئيس المُنتخب في تشرين الثّاني المُقبل. يرى أنّ لبنان سيكون حاضراً على جدول أعمال إدارة ترامب، تماماً كما كانَ الحال في الولاية السّابقة. يومها كانَ وزير الخارجيّة مايك بومبيو ووكيل الوزارة للشّؤون السّياسيّة ديفيد هايل ومعهما ديفيد شينكر في منصب مساعد الوزير لشؤون الشّرق الأدنى من العاملين بشكلٍ أساسيّ على الملفّ اللبنانيّ.
بالنّسبة لشينكر، فإنّ كثيراً من المحيطين بدونالد ترامب والذين عملوا معه في السّابق يرونَ أنّ لبنان في الحقيقة هو الحزب. يستفيض شينكر بالشّرح ويقول: “في ولاية ترامب السّابقة، كان هناك الكثير من الفاعلين في السّياسة الخارجيّة يريدون وقف المُساعدات للجيش اللبنانيّ، وكانَت هناك نقاشات في الإدارة حول هذه المسألة الشّائكة”.
يجزم ديفيد شينكر أنّه في حال عادَ ترامب إلى الرّئاسة، فسنرى سياسة “الضّغط الأقصى” التي صاغها مايك بومبيو تجاه إيران ومناطق نفوذها، وفي مُقدّمها لبنان. يصف هذه السّياسة بأنّها للضّغط على طهران للذّهاب نحوَ التّفاوض حول برنامجها النّوويّ وسلوكها في المنطقة.
ترامب رجل صفقات..
يؤكّد أنّ دونالد ترامب هو رجلُ صفقات، وعنده القدرة على إبرام صفقات ذات جدوى سياسيّة. لكنّه في الوقت عينه يقول: “من الصّعب التّوقّع إن كانَ ترامب سيستطيع إبرام “صفقة سريعة” مع إيران لأنّه لو كان الأمر متاحاً لأبرمَ اتفاقاً في ولايته السّابقة”.
يعتقدُ كثيرٌ من المتابعين أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ينتظر إدارة ترامب للحصول على ضوء أخضر لإطلاق حربٍ شاملة في المنطقة. عن هذه المسألة، يجيبُ شينكر بالنّفيّ مرّتيْن ويشرح: “في ولاية الرّئيس السابقة، كان هناك العديد من الفرص للتصعيد العسكريّ ضدّ إيران، لكنّ ترامب فضّل عدم الذّهاب بعيداً”.
يقول شينكر لـ”أساس” إنّ هاريس ستستمرّ في “سياسة خفض التّصعيد واستكمال جهود وقف الحرب”
يستشهدُ شينكر بواقعتَيْن:
الأولى: حين أسقطت إيران طائرة استطلاع أميركيّة في منطقة الخليج العربيّ، ولم يلجأ ترامب للرّدّ العسكريّ.
الثّانية: كانت بعد الرّد الإيراني على اغتيال قاسم سُليماني، ويقول في هذا الصدد: “يومها أصيبَ 100 جندي أميركيّ في قاعدة عين الأسد، لكنّ الرّئيس ترامب فضّلَ عدم الانجرار إلى تصعيد عسكريّ”.
يعودُ شينكر إلى ما يحدث في المنطقة، ويقول إنّ ترامب دعا نتنياهو إلى ضرورة إنهاء الحرب مع حماس بسرعة، وأن يخفض التصعيد بالمنطقة تمهيداً لإعادة عمليّات التّطبيع في إطار ما عُرِف بـ”الاتفاقيّات الإبراهيميّة”.
إيران لا تريد الحرب.. ونتنياهو يريد صفقة
في الوقت نفسه يُعرِبُ عن اعتقاده أنّ نتنياهو لا يريدُ حرباً مع الحزب ولا الأخير يُريدها. كذلك فإنّ إيران لا تريد أن ترى الحزبَ يصابُ بخسائر فادحة. والأهمّ أنّ الإدارة الأميركيّة الحاليّة لا تُريد أن ترى حرباً واسعة قبل موعد الانتخابات الرّئاسيّة. ويعتبر أنّ تل أبيب تنتظر كيفَ سيتصرّف الحزب في حال توصّلت الجهود إلى وقفٍ لإطلاق النّار في غزّة: هل ينخرطُ في المحادثات التي يجريها آموس هوكستين؟ أم يُكمل العمل العسكريّ؟
سأل “أساس” ديفيد شينكر عن اعتقاده إن كان هوكستين لا يزال قادراً على التّوصّل إلى اتفاقٍ بين الحزب والإسرائيليين. أجابَ أنّ فرص التّوصّل إلى اتّفاقٍ على الجبهة الجنوبيّة لا تزال قائمة. لكنّ الأهمّ بالنّسبة له إن كانَت إيران جاهزة لاتفاق كهذا، خصوصاً بعد الأضرار التي أصابت البنية العسكريّة للحزبِ، وفقدانه لقياديين عسكريين أساسيّين بفعل الغارات الإسرائيليّة.
إقرأ أيضاً: الحزب و”دفاعه الجوّي”: مضادّ للطائرات المسيّرة.. لا الحربية
يعتقد المساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ أنّ نتنياهو يُريدُ اتفاقاً مع حماس لكن وفقَ “الشّروط والوقت الصّحيحيْن”. هُنا يكشف شينكر أنّ “التوقيت الصّحيح” بالنّسبة لنتنياهو هو دخول الكنيست الإسرائيليّ في العطلة الصّيفية التي تبدأ من نهاية تمّوز الحالي إلى ما بعد الأعياد اليهوديّة في تشرين الأوّل. هذه “العطلة” تمنع سحب الثّقة من الحكومة، وبالتّالي سيكون محدوداً تأثير المُعارضين للصّفقة مثل كتلة “القوّة اليهوديّة” التي يرأسها إيتامار بن غفير.
لمتابعة الكاتب على X: