فتنة غزّة: الجماعة والأسئلة المحرجة (3/3)

2024-07-28

فتنة غزّة: الجماعة والأسئلة المحرجة (3/3)

الأولوية الحاكمة التي وضعتها الجماعة الإسلامية كستارٍ ومبرّر لنشاطها العسكري تحت مسمّى قوات الفجر تضع قيادات الجماعة بمواجهة أسئلة محرجة، وربّما أبرزها: ماذا عن اليوم التالي؟

 

 

ارتباك لا يمكن إخفاؤه، إذ ترى الجماعة الإسلامية أنّ اليوم التالي محكوم بإعادة تصنيف الأولويّات، وعبر هذا التصنيف يمكن أن نلتقي أو لا نلتقي مع الحزب أو مع أيّ طرف سياسي آخر في الساحة اللبنانية.

إلا أنّ السؤال الذي لم يجد جواباً عند الجماعة وقيادتها: كيف تحدّد هذه الأولويّات؟ ومن يحدّدها؟ وهل كلّ القضايا العالقة بين الحزب وسُنّة لبنان هي في سياق هذه الأولويات، سواء ما حصل في سوريا من قتل وتهجير، وقبله دماء الرئيس رفيق الحريري، وبينهما أحداث 7 أيار 2008 عندما احتُلّت بيروت التي يقع فيها مركز الجماعة الإسلامية الرئيسي بعيداً بضعة أمتار عن دار الفتوى التي طُوّقت في اليوم المجيد كما وصفه الأمين العام للحزب في حينه.

مشاركة الجماعة الإسلامية في “المشاغلة” في الجنوب وإعلان تنظيمها العسكري يخالفان منطق أهل السُّنّة بغالبيتهم العظمى الداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة

نقاش حول الأولويّة الحاكمة

هذا المنطق يجرّ السائل إلى البحث في عنوان الأولوية الحاكمة.

– أوّلاً: مشاركة الجماعة الإسلامية في “المشاغلة” في الجنوب وإعلان تنظيمها العسكري يخالفان منطق أهل السُّنّة بغالبيتهم العظمى الداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة وليس بيد تنظيمات مسلّحة غير رسمية ولا شرعية، ويفتحان الباب على مصراعيه لتشريع ما يقوم به الحزب في كلّ المجالات العسكرية بعيداً عن الدولة، وتجاهل مستمرّ للمجتمع العربي والدولي الذي يؤكّد يومياً أن لا قيامة للدولة في لبنان دون استراتيجية دفاعية تضع إمرة السلاح في يد الدولة. وأشكال الانهيارات التي يشهدها لبنان منذ سنوات دون أن يمدّ له أحد يد العون خير دليل على ذلك.

– ثانياً: أين كانت الأولوية الحاكمة للجماعة حين دخل الجيش الإسرائيلي الأراضي اللبنانية قاتلاً وقاصفاً ومحتلّاً في اجتياح عام 2006؟ أليس من وطنية لبنانية تتقدّم أو على الأقلّ توازي الالتزام بالقضية الفلسطينية؟

– ثالثاً: إذا صحّت مقولة إنّ سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان يبارك العمل العسكري للجماعة، فلماذا لا يعلن ذلك من دار الفتوى وعندها لكلّ حادث حديث؟ مع العلم أنّ كلمة سماحة المفتي في عشاء بيروتي أقيم له حدّد سياسة دار الفتوى ودورها في هذه المرحلة بالقول: “لا يزايدن أحد علينا في احتضاننا للقضية الفلسطينية، نحن في لبنان وبالذات في مدينة بيروت من احتضن هذه القضية ودفعنا ثمناً غالياً من أجلها، ونحن من واجهنا العدو الصهيوني في شوارع بيروت، ومن أجبرناه على الانسحاب. هذه هي بيروت الوطنية العربية المقاومة لكل عدو، وهذا هو لبنان العربي الهوية والانتماء، وما يحدث في غزة وفي سائر بلدات فلسطين لا يمكننا كعرب وكمسلمين إلا أن نكون مع أهلنا في غزة وفلسطين. من يراهن على أننا لن نساند هذه القضية فهو واهم وواهن، صندوق الزكاة في لبنان قدم المساعدات التي وصلت إلى قلب غزة، وهيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التابعة لدار الفتوى تقدم المساعدات لأهلنا الموجودين الصامدين المرابطين في بيوتهم وقراهم في الجنوب اللبناني، وأيضاً للذين أجبروا على النزوح من بيوتهم إلى صور وصيدا وإلى قرى وبلدات راشيا، وأحيي صمود أهلنا في الجنوب، الصامدين الصابرين المحتسبين والمهجرين من قراهم وبلداتهم”. وهذا نص واضح لا علاقة له بالعمل العسكري.

لا يمكننا كعرب وكمسلمين إلا أن نكون مع أهلنا في غزة وفلسطين. من يراهن على أننا لن نساند هذه القضية فهو واهم

– رابعاً: ماذا حقّق العمل العسكري للجماعة في تغيير ميزان القوى في جنوب لبنان أو في غزة المنكوبة؟ الجواب ببساطة لا شيء. وإذا كان العمل العسكري للحزب قد أثمر ضغطاً على حكومة العدوّ في شمال إسرائيل فإنّه أيضاً لم يغيّر شيئاً في ميزان القوى في غزّة الصامد شعبها البطل المشرّد من منازله التي أضحت ركاماً، ومقاتلوها القادرون بعد عشرة أشهر على الاستمرار بمقاومتهم في كلّ مكان ظنّ العدوّ أنّه قضى عليهم فيه.

– خامساً: إذا كان من أفكار تسوّق مع الحزب من قبل الجماعة أو من غيرها فأوّل شروط التسوية أن تُحفظ كرامة المعتدى عليه لا المعتدي مهما بلغت قوّته، وما يحصل هذه الأيام في الشكل والمضمون يعطي المعتدي الحقّ المطلق في اعتداءاته المقبلة والسابقة منها ويترك المعتدى عليه يلعق السّمّ.

إقرأ أيضاً: فتنة غزّة: الجماعة الإسلاميّة و”فقه الأولويّات”..(3/2)

من المؤكّد أنّ الحفاظ على كرامة المعتدى عليه لا يمكن أن يكون من المعتدي، بل المطلوب من هذا المعتدي الاعتراف والاعتذار. وهنا تُكشف كلّ الأسرار.

وللحديث صلة…

لمتابعة الكاتب على X:

@ziaditani23

مواضيع ذات صلة

لبنان ضحيّة المفهوم الخاطئ للانتصار!

يُخشى تحوّل لبنان ضحيّة أخرى للمفهوم الخاطئ للانتصار، وهو مفهوم رائج لدى قسم كبير من الأنظمة السياسية في المنطقة. ليس مفهوماً إلى الآن كيف يمكن…

“علوّ اليهود في الأرض”.. كيف نواجهه؟

“إعصار البايجر” هو النقطة الفاصلة في هذه الحرب، الإسنادية في شكلها، الاستنزافية في جوهرها. هو ليس تفصيلاً بسيطاً، بل رأس الجبل من تجويف خطير لخطاب…

بزشكيان ابن مهاباد يفعّل كرديّته في العراق !

لا تطلب إيران المساعدة من أحد لمعالجة مشاكلها الداخلية والخارجية، لكنّها لا تتردّد في فرض خدماتها على الآخرين في الإقليم.   قرار الرئيس الإيراني مسعود…

نكسة لبنان الرقمية

هل يمكن، بالمعنى العسكري، إلحاق الهزيمة بإسرائيل، من طرف “حزب الله”، أو حتى الأم الراعية، إيران، ناهيك، حتى لا ندخل في دائرة المزح، من طرف…