يواصل الحزب جاهداً صناعة صورة “الزعيم” للأمين العام للجماعة الإسلامية محمد طقوش. بداية، من استقبال الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله له بعد انتظار لعدّة أشهر، وصولاً إلى استضافة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لطقوش خطيباً في أحد المجالس العاشورائية وما تلاها من مقالات ودراسات حول أهمّية واستراتيجية هذه الخطوة حتى يخيّل للمراقب أنّها تكاد تلامس أهمّية غزوة بدر أو فتح القسطنطينية.
تسعى الجماعة الإسلامية بالمقابل إلى تبرير هذا المسار الشخصي للطقوش في مجالسها مع الشخصيات السنّية وغير السنّية عبر مسارين:
1- عدم الدخول بنقاش حول نشاط الطقوش مع الحزب.
2- تركيز خطابها على تسويق صوابيّتها كما تدّعي في الانخراط بالمواجهات الحاصلة على الحدود الجنوبية، من إطلاق للصواريخ وخلافه، وما حملته من تداعيات تمثّلت في خسارة أبرز الكوادر بفعل الاغتيالات الإسرائيلية.
فقه الأولويّات
تضع الجماعة الإسلامية نشاطها وحراكها العسكري والسياسي منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023 حتى هذه اللحظة تحت عنوان “فقه الأولويّات”. ترى أنّ الأولويات اليوم تختصر في العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة التي يشنّها الجيش الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني وقضيّته في غزة والضفة الغربية.
تنظر إلى حرب غزة على أنّها نقطة تحوّل دولية من شأنها أن ترسم مستقبل المنطقة برمّتها لأنّ تداعياتها ستطال كلّ الدول العربية والإسلامية، واستناداً إلى هذه الأولوية تبرّر قيادات الجماعة الإسلامية انفتاحها على الحزب بالحوار والتنسيق الميداني واللوجستي، واصفة ذلك بالقول إنّه “أولوية حاكمة”. وترى أنّ في هذا التوصيف دافعاً للعمل وتعزيز مصلحة البلاد العليا التي لن تكون بمنأى عن تداعيات ما يحصل في غزة. وتذهب الجماعة الإسلامية أبعد من ذلك بالقول إنّ “الانفتاح على الحزب من قبل الجماعة يضمن عدم انزلاق الوضع اللبناني إلى فتنة مدمّرة إن وقعت فسيكون الجميع خاسراً فيها”.
يواصل الحزب جاهداً صناعة صورة “الزعيم” للأمين العام للجماعة الإسلامية محمد طقوش
التّنسيق مع القيادات السُّنّيّة
تنفي الجماعة الإسلامية ما تتّهم به من أنّها سلكت مساراً خطيراً دون التشاور مع القيادات السنّية البارزة، وتؤكّد أنّها تتشاور دوماً وبشكل منتظم مع كلّ القيادات السنّية وغير السنّية من مسيحيين ودروز.
على الصعيد السنّي تؤكّد الجماعة أنّ ما تقوم به على صعيد الساحة السنّيّة يمرّ عبر ثلاث قنوات:
1- التنسيق الكامل مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وأفضل تعبير عن ذلك أنّ المفتي دريان كلّف رسمياً مفتي عكار الشيخ زيد بكار أن يؤمّ صلاة الجنازة على شهداء الجماعة في عكار. كما كلّف رسمياً مفتي البقاع الشيخ علي الغزاوي أن يمثّله في صلاة الجنازة على الشهداء في بلدتَي “لالا” و”المنارة”، والمفتيان بكار وغزاوي قاما بهذا الواجب ممثلين لسماحة المفتي دريان. كما أنّ البيانات الصادرة عن المجلس الشرعي الأعلى منذ عملية طوفان الأقصى لم تحمل أيّ انتقاد لعمل الجماعة، لا بل حملت تأييداً لأهل غزة وضرورة الوقوف متضامنين مؤازرين لهم.
2- هناك تنسيق منتظم مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولقاءات عديدة جمعت الطرفين، وتصريح ميقاتي الأخير من الجنوب بأنّ الحكومة تقوم بدورها والمقاومة تقوم بدورها هو تأكيد لهذا التنسيق.
3- هناك تشاور دائم مع العديد من نواب السنّة في مجلس النواب، مثل حسن مراد وفيصل كرامي وأسامة سعد.
بالمقابل، تؤكّد الجماعة الإسلامية أنّها في لقاءات دائمة مع كلّ القوى السياسية غير السنيّة كالحزب التقدّمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي والتيار الوطني الحر وحزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية.
تنفي الجماعة الإسلامية ما تتّهم به من أنّها سلكت مساراً خطيراً دون التشاور مع القيادات السنّية البارزة
*عرّف الدكتور نهاد اسحاق في كتابه فقه الاولويات السياسية والاقتصادية بالقول: ” هو وضع كل شيء في مرتبته بالعدل من الأحكام والقيم والأعمال، ثم يقدَّم الأولى فالأولى بناءً على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي وسلامة العقل، فلا يقدم غير المهمِّ على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح، بل يقدَّم ما حقه التقديم ويؤخر ما حقه التأخير، ولا يكبر الصغير ولا يصغر الكبير، بل يوضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم.
إقرأ أيضاً: سُنّة لبنان وفتنة غزّة (3/1)
فالقيم والأحكام والأعمال والتكاليف متفاوتة في نظر الشرع تفاوتًا بليغًا، وليست كلها في مرتبة واحدة، فمنها الكبير ومنها الصغير، ومنها الأصلي ومنها الفرعي، ومنها الأركان ومنها المكملات، وفيها الأعلى والأدنى، والفاضل والمفضول. أن فقه الأولويات هو العلم بالأمور التي ثبت لها حق التقديم وفق الأدلة الشرعية.
غداً: هل تجيب الجماعة الاسلامية على الاسئلة المحرجة؟
لمتابعة الكاتب على X: