إردوغان – الأسد: الاختبار روسيّ – أميركيّ أيضاً!

مدة القراءة 8 د

أوجز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حصيلة الرسائل الانفتاحية التي وجّهها في الآونة الأخيرة إلى بشار الأسد بقوله: “خطوة إيجابية يقدم عليها الأسد باتجاه أنقرة، ستقابلها على الفور خطوة تركيّة باتّجاه تسوية العلاقات بين الجانبين”.

 

ذهب الرئيس رجب طيب إردوغان بعيداً عندما قال: “هناك خلّاط يحاول عرقلة الانفتاح التركي السوري. بقدر ما سيحاول أن يفعل ذلك ستكون الصفعة التركية بانتظاره”. لا تحدّد أنقرة من هو “الخلّاط”، لكنّ هناك أكثر من طرف محلّي وإقليمي يهمّه الحؤول دون جلوس إردوغان والأسد حول طاولة ثلاثية بحضور “الضامن” الروسي.

حتى لو كانت رسائل الرئيس التركي انفتاحية مصحوبة بالكثير من الحماسة نحو دمشق، وحتى لو قال إردوغان: “قد نوجّه دعوة لقمّة ثلاثية تركية روسية سورية تكون بداية لمسار جديد في التعامل مع الملفّ السوري.. فتركيا تقف إلى جانب سوريا التي تتعاضد على أساس عقد اجتماعي جديد عادل وشامل”، إلا أنّ بين العاصمتين 13 عاماً من التباعد وتضارب مصالح كثيرة في ملفّات سورية وإقليمية عديدة.

ما هو موقف “العدالة والتنمية”؟

حدد عمر شليك المتحدّث باسم “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا أبرز ما تنتظره أنقرة من دمشق خلال تطبيع العلاقات معها:

1 – جعل سوريا آمنة بالنسبة للملايين ممّن اضطرّوا إلى النزوح من ديارهم.

2 – لن نسمح بأيّ شكل من الأشكال بأن يتضرّر أيّ أحد يثق بنا ويتحرّك معنا.

3 – وحدة الأراضي السورية وإرادة الشعب السوري.

4 – تحديد خطّة واضحة قبل توجيه الدعوة للرئيس السوري بشار الأسد.

في اليوم نفسه دخلت صحيفة “يني شفق” التركية المقرّبة من الحزب الحاكم على الخطّ لتكشف النقاب عن أنّ محادثات بين تركيا والنظام السوري بهدف تطبيع العلاقات ستبدأ تحت إشراف روسيا، على أن يسبقها لقاء على مستوى وزراء الخارجية بعد انتهاء اللجان الفنّية المشتركة من إنجاز تقدّم في المسائل المطروحة على طاولة الحوار.

خريطة الطريق التركية باتجاه لقاء الأسد ومحاورته واضحة تقريباً: علينا تحقيق اتفاق بين المعارضة والنظام في سورية بطريقة ما

ألقى عبد القادر عزوز المستشار برئاسة مجلس الوزراء السوري الضوء على محدّدات دمشق لبدء مسار تطبيع العلاقات مع أنقرة بقوله إنّ “مستقبل العلاقات وجهود المصالحة بين سوريا وتركيا يتوقّف على الجانب التركي والتزامه بالقرارات الدولية وبمبادئ القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار” .

إذا ما سارت الأمور على هذا النحو فهذا يعني أنّ القمّة التركية السورية لن تتمّ بمثل هذه السرعة، وأنّ المفاوضات بين أنقرة ودمشق ستكون مشابهة لمسار التفاوض على طريق تطبيع العلاقات التركية الخليجية والتركية المصرية.

أولويّات تركيا تبدّلت

تبدّلت أولويات تركيا في التعامل مع الملفّ السوري بالمقارنة مع ما كانت تقوله قبل 13 عاماً عند اندلاع الثورة السورية. لم تصل إلى ما كانت تراهن عليه، وهو التغيير السياسي والدستوري خلال 6 أشهر من انفجار الوضع في البلد الجار. تسعى أنقرة اليوم إلى الحدّ من التهديدات الأمنيّة على حدودها الجنوبية وإفشال مخطّط الحكم الذاتي في شرق الفرات، وحلّ أزمة ارتدادات اللجوء السوري على الداخل التركي سياسياً واجتماعياً، والتنسيق مع العواصم العربية لوضع خطط لممرّات تجارية إقليمية وأسواق تسهّل خروج تركيا من أزماتها الاقتصادية والمالية.

إردوغان

بالمقابل ليس بين أولويّات النظام الإيقاع بين تركيا وحلفائها المحلّيين في سوريا، ولن يطالب القوات التركية بمغادرة الأراضي السورية في هذه الآونة أو مساعدته على استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية لأنّه يدرك أنّ مثل هذه الملفّات متداخلة ومتشابكة وتتعلّق بأكثر من قرار داخلي وخارجي.

تقول الوقائع إنّه لن يكون سهلاً على إردوغان وحزبه تجاهل ما وصل إليه النظام في دمشق من خلال الدعم الروسي والإيراني والتطبيع العربي الحاصل معه في العامين الأخيرين، وإنّ ما يريده من أنقرة في المرحلة الأولى هو الاعتراف بشرعيّته عند الذهاب إلى طاولة التفاوض معه ومساعدته على تحطيم العزلة الغربية المفروضة عليه، وتسريع خطط التعاون الاقتصادي بين البلدين ووضع خطط للاستثمارات المشتركة لمساعدته على الخروج من أزماته وإطلاق برامج إعادة إعمار ما دمّرته الحرب.

خيّبت منصّات الآستانة وسوتشي والطاولة الرباعية آمال أنقرة في الوصول إلى ما تريد في سوريا

ثلاث مواجهات بالانتظار

ستنتقل التفاهمات بين أنقرة ودمشق بعد ذلك إلى ثلاث مواجهات:

– المواجهة الأولى: حسم موضوع “قسد” وسيطرتها على جزء كبير من الأراضي السورية بغطاء أميركي وتحت ذريعة محاربة مجموعات داعش.

– المواجهة الثانية تتعلّق بملفّ إدلب التي شهدت موجات احتجاج متزايدة ضدّ مجموعات “هيئة تحرير الشام” والجولاني على خلفيّة الاستياء المتزايد من سياسات الهيئة وممارساتها.

– المواجهة الثالثة: سحب ورقة داعش وفلولها وملفّ المحتجزين من عناصر داعش من يد مجموعات “قسد” واللاعب الأميركي المتمسّك بتجاهل مصالح حليفه التركي على حساب شريكه “قسد”.

خيّبت منصّات الآستانة وسوتشي والطاولة الرباعية آمال أنقرة في الوصول إلى ما تريد في سوريا. عجزت أيضاً عن تحقيق حلم الطاولة الثلاثية التركية الروسية الأميركية لإيجاد مخرج للأزمة هناك. البديل المطروح اليوم هو طاولة ثلاثية جديدة تجمع الأتراك والروس والنظام السوري قد تكون مخرجاً لها يساعدها على تجاوز تعقيدات المشهد السوري وارتداداته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنيّة. الضامن الروسي مجدّداً سيكون اللاعب الأقوى الذي سيمسك بالمزيد من خيوط اللعبة في سوريا. فهل تسمح واشنطن لتركيب وترتيب منصة جديدة من هذا النوع؟ أم لا تملك القدرة على عرقلتها لأنّ ارتدادات ذلك ستكون أكثر كلفة عليها؟ أم ستطرح على الجانب التركي العودة إلى صيغة التفاهمات الثلاثية مع موسكو من أجل رسم خارطة طريق جديدة باتجاه الحلحلة وتسهيل المرحلة الانتقالية في سوريا؟

أميركا واليد القصيرة

لا تملك الإدارة الأميركية من ناحيتها سوى ورقة “قسد” وذريعة محاربة داعش في سوريا. الطاولة الثلاثية الجديدة ستسحب هذه الورقة من يدها حتماً. ستدفع ثمن الرهان على التخبّط التركي والتردّد الروسي والتوغّل الإيراني والغياب العربي، وهو ما كانت تستثمر فيه حتى اليوم في سوريا.

تقول الوقائع إنّه لن يكون سهلاً على إردوغان وحزبه تجاهل ما وصل إليه النظام في دمشق من خلال الدعم الروسي والإيراني والتطبيع العربي

ستجد واشنطن نفسها بين خيارين أحلاهما مرّ: الانسحاب من سوريا أو الجلوس إلى الطاولة الثلاثية. قد تختار أمراً ثالثاً، وهو إشعال الجبهات العسكرية في سوريا لقلب الطاولات السياسية والأمنيّة كلّها. قد تتمكّن من ذلك، لكنّها لن تغامر لأنّها تدرك أنّ ارتدادات سيناريو من هذا النوع ستكون مكلفة على حلفائها ومصالحها وحساباتها في المنطقة ككلّ.

خريطة الطريق التركية باتجاه لقاء الأسد ومحاورته واضحة تقريباً: “علينا تحقيق اتفاق بين المعارضة والنظام في سورية بطريقة ما، إلى جانب ضرورة وجود إرادة قويّة لمنع انقسام سورية، وما يفعل ذلك هو وحدة الصف” التي ستسهّل “عودة الذين اضطرّوا إلى ترك ديارهم وتحقيق سلام دائم في سورية”، كما تردّد القيادات التركية.

بين أوّل من سيدفعون ثمن التقارب بين أنقرة ودمشق إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية والمجموعات المتطرّفة والمتشدّدة والانفصالية الأخرى على خطّ شمال غرب وشمال شرق سوريا. حصّة قوى المعارضة السورية التي تنتظر نتائج التفاهمات المفترضة بين أنقرة ودمشق، ومصير الجيش الوطني السوري الذي دعمته وموّلته ودرّبته تركيا غامضان حتى الآن.

حماسة إردوغان للجلوس مع بشار الأسد على هذا النحو السريع سببه المتغيّرات الإقليمية التي تطال سياسة أنقرة ومصالحها في المنطقة

السهم غادر القوس حتى لو رفضت قيادات حكومة الإنقاذ في إدلب ما يدور على خطّ أنقرة – دمشق وأعلنت أنّ المنطقة المحرّرة لها وضعها الخاص وأنّها “ما زالت تخوض حرباً ضدّ النظام المجرم والمحتلَّين الروسي والإيراني، وتمرّ الآن بمرحلة هي من أصعب مراحل الثورة المتمثّلة بدعوات المصالحة والتطبيع” .

إقرأ أيضاً: مصالحة إردوغان والأسد: موسكو تتهيّأ لعهد ترامب؟

حماسة إردوغان للجلوس مع بشار الأسد على هذا النحو السريع سببه المتغيّرات الإقليمية التي تطال سياسة أنقرة ومصالحها في المنطقة. والمسألة هذه المرّة أبعد من أن تكون مناورة أو اختباراً وجسّ نبض واشنطن وإدارة بايدن خلال القمّة التركية الأميركية على هامش اجتماعات حلف شمال الأطلسي. نتائج لقاء إردوغان – بايدن ينتظرها أكثر من لاعب محلّي وإقليمي. احتمال أن يكون إردوغان أبلغ واشنطن أنّ سياسة تركيا السورية وصلت إلى المنفذ الأخير قبل دخول الطريق السريع وأنّ على واشنطن أن تحسم أمرها في قبول أن تجلس إلى الطاولة الحقيقية في سوريا جنباً إلى جنب مع اللاعبين الروسي والتركي، أو تتحمّل ارتدادات جلوس القيادات في أنقرة ودمشق إلى طاولة برعاية روسيّة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Profsamirsalha

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…