إنّه “النجم” اليوم في فرنسا. نجم الشاشة، والسياسة، والإعلام المرئي والمكتوب. ونجم مواقع التواصل الاجتماعيّ.
تتصدر صوره الصحف. يستضيفه كبار الإعلاميين في برامجهم السياسيّة التلفزيونيّة. ويدعونه لمناقشته عبر أثير الإذاعات. لديه ملايين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعيّ. منذ أشهر لمع “نجم” جوردان بارديلا في السياسة كما يلمع نجوم هوليود في الفن. فأصبح “البطل” على المسرح السياسيّ. أرعب خصومه. فاتحدّوا كلّهم لمواجهته. حشدوا قواعدهم الناخبة حتى بلغت نسبة المشاركة في التصويت ٦٧،٥٪ (حتى كتابة هذه السطور). لكن من هو؟ ومن أين جاء ابن الـ ٢٨ عاماً طالباً أن يقاسم إيمانويل ماكرون حكم فرنسا؟
فرض نفسه الحزب الفرنسيّ الأوّل في الجمهوريّة الخامسة. ومع بداية عام 2024 أصبح جوردان بارديلا نجم السياسة في فرنسا. فهو حقّق لحزب اليمين المتطرّف قفزة نوعيّة. بعدما كان حزب “التجمّع الوطنيّ” على هامش الحياة السياسيّة الفرنسيّة يتمّ استحضاره للتخويف منه.
منذ بدء حملة الانتخابات الاوروبيّة تقدّم “التجمّع الوطنيّ” على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون وعلى باقي الاحزاب في كافة استطلاعات الرأي. حاول ماكرون كبح تقدّم الشاب وحزبه. فعيّن غبريال أتال، الشاب أيضاً، رئيساً للحكومة لمواجهة “ظاهرة” بارديلا. واستمرّ الفارق ١٠ نقاط بين الحزبين. نظّمت مناظرة تلفزيونيّة بين أتال وبارديلا. فاز الأول في مقاربة الملفات. بينما زادت شعبيّة الثانيّ! في النهاية حصد حزب لوبان ٣١،٣٪ من الأصوات. بينما نال حزب ماكرون ١٤،٦٪.
منذ بداية عام 2024 أصبح جوردان بارديلا نجم السياسة في فرنسا
“ثالوث” بارديلا
منذ إعلان إيمانويل ماكرون حلّ الجمعيّة الوطنيّة في 9 حزيران، راح جوردان بارديلا يقود حملة حزبه الانتخابيّة النيابيّة ويخوض معركة وصوله إلى رئاسة الحكومة وعنوانها: القوّة الشرائية للفرنسيين، الأمن والهجرة. وهو الثالوث الذي يتصدّر اهتمامات الفرنسيين.
يسوّق رئيس “التجمّع الوطنيّ” أنّه “القائد” الذي يريد إعادة بناء فرنسا، “المنقذ” الذي بإمكانه إنقاذ فرنسا من الأزمات التي أغرقها فيها إيمانويل ماكرون، “البطل” الذي بإمكانه تحرير فرنسا من “الماكرونيّة” السياسيّة وغرورها ومواجهة خطر “الميلانشونيّة” السياسيّة وعبثيّتها.
فمن هو جوردان بارديلا؟
بين الفقر والرّخاء
ولد جوردان بارديلا في 1995 من أب لم يتزوّج وأمّ عزباء. هذا ليس بالغريب في الغرب. إنّما الغريب أنّه عاش في مستويين اجتماعيَّين مختلفين وفي منطقتين متناقضتين في المستوى الاجتماعيّ والانتماء السياسيّ.
عاش مع أمّه في مدينة “درانسي” في منطقة “سين سان دوني” اليساريّة في شقّة ضمن المساكن الشعبيّة التي توفّرها الدولة لفقراء الحال. وهذه كانت حال أمّه. فهي عاملة. بالكاد كان راتبها يكفيها لإعالة ابنها. يقول بارديلا إنّه عاش هناك “العنف في المدن”. فـ”سين سان دوني” تجمع العديد من المهاجرين من إفريقيا العربيّة والسوداء. غالبيّتهم مسلمون. ربّما انطلاقاً من هذا الواقع اجتذبه الخطاب السياسيّ للجبهة الوطنيّة ضدّ المهاجرين والإسلام السياسيّ.
في المقابل عاش بارديلا مع والده حياة رخاء. فهذا الأخير مدير شركة لتوزيع المشروبات. يقطن منزلاً في مدينة “مونمورانسي” في الضواحي الشماليّة لباريس. بيار – ستيفان فور يقول في كتابه عن بارديلا إنّ “والده اصطحبه في رحلة إلى الولايات المتحدة الأميركيّة. واشترى له سيارة وهو بعمر الـ 19. كما قدّم له شقّة في منطقة “فال دواز”. إلا أنّ كلّ ذلك لا يتناسب مع المسيرة السياسيّة. فتمّ محوه” (من حياة بارديلا) بحسب المؤلّف.
ولد جوردان بارديلا في 1995 من أب لم يتزوّج وأمّ عزباء. هذا ليس بالغريب في الغرب. إنّما الغريب أنّه عاش في مستويين اجتماعيَّين مختلفين
صعود كالبرق
صعود جوردان بارديلا في حزب التجمّع الوطنيّ كان سريعاً كالبرق. اختلطت فيه الكفاءة والموهبة والكاريزما بالعلاقات العائلية.
في 2012 انتسب بارديلا إلى “الجبهة الوطنيّة” (الاسم السابق لـ “التجمّع الوطنيّ”). لم يكن قد تجاوز الـ 16 من عمره. وهو ما اضطرّه إلى إقناع والدته بإعطائه الإذن. كانت مارين لوبان قد أصبحت رئيسة الجبهة خلفاً لوالدها جان ماري لوبان. تأثّر بها. “لديها شيء لا يملكه الآخرون. شُجاعة. تقول بصوت عالٍ ما لا يجرؤ على قوله أيّ إنسان. لديها شخصية (قويّة)، طاقة، صراحة، صدق، وشجاعة حاكتني”، يقول بارديلا. هل هو فعلاً صادق في ما يقول أم يقوله تملّقاً في حزب الرئيس فيه هو الآمر الناهي على الطريقة اللبنانيّة؟!
لا شكّ أنّ الشابّ يعرف جيّداً من أين تُؤكل الكتف. وهذا ما ساعده على تسلّق السلّم الحزبيّ حتى وصل إلى رأس الهرم.
بداية نشاط بارديلا الحزبيّة كانت في حركة الشباب في “الجبهة الوطنيّة”. هناك لمع نجمه وحماسته وموهبته في السياسة. فأصبح أمين سرّ الحزب في القضاء الـ93 الواقع في الضاحية الشماليّة لباريس.
قربه من العاصمة جعله قريباً من مركز القرار في الحزب. عمل فترة قصيرة في مكتب جان – فرانسوا الجلخ (أصله لبنانيّ)، النائب عن الجبهة في البرلمان الأوروبيّ. وفي عام 2015 أصبح الناطق الرسمي باسم “التجمّع الوطنيّ” في منطقة “إيل دو فرانس”، وهي المنطقة الأهمّ في فرنسا وتضمّ العاصمة باريس.
في عام 2017 اختارته مارين لوبان ناطقاً باسم حزبها بعد أوّل لقاء جمعها به في منزل فريدريك شاتيون، القياديّ في “التجمّع الوطنيّ”. كان بارديلا عشيق ابنة شاتيون. تلك العلاقة فتحت أمامه الباب واسعاً ليصبح في الصفّ الأوّل في الحزب.
اليوم يحوز بارديلا أكبر كتلة نيابيّة في الجمعيّة الوطنيّة. وهو يطمح إلى رئاسة الحكومة
تجدر الإشارة الى أن بارديلا لم يكمل دراسته الجامعيّة في السوربون حيث كان يتابع اختصاص الجغرافيا. فضّل السياسة على الدراسة. والعمل الحزبيّ على العمل باختصاصه.
نائباً فــ”صهراً” فرئيساً
في عام 2019 انتخب جوردان بارديلا نائباً عن “التجمّع الوطنيّ” في البرلمان الأوروبيّ. وفي عام 2020 بدأت علاقته مع نولوين أوليفييه، ابنة شقيقة مارين لوبان وحفيدة لوبان المؤسّس. أصبح “صهر” العائلة. وهي علاقة ستوصله إلى قمّة الهرم الحزبيّ.
في عام 2022 اختارته مارين لوبان رئيساً للحزب وهو في سنّ الـ 27. وكرّست اختيارها بانتخاب حزبي حصل بنتيجته بارديلا على 84.84% من الأصوات. بينما حصل منافسه لويس إليوت، رئيس بلدية بربينيان، على 15.16% من الأصوات! انتخاب يذكّر بانتخاب ورثة رؤساء الأحزاب في لبنان (ابناً كان أم صهراً). حينها كتبت الصحافة الفرنسيّة أنّ بارديلا هو أوّل رئيس للتجمّع الوطنيّ من خارج عائلة لوبان! في الواقع هو في قلب العائلة ولو لم يكن فرداً منها.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الفرنسيّة: إعادة 87% من المقاعد.. لن تتغيّر النتيجة؟
كالعادة صدرت النتائج الأوليّة للانتخابات النيابيّة في تمام الساعة 8 بتوقيت فرنسا. أتت مفاجئة للمراقبين ومخالفة لاستطلاعات الرأي ومخيّبة لآمال جوردان بارديلا. فقد حصلت “الجبهة الشعبيّة الجديدة” اليساريّة على أكبر كتلة نيابيّة. وحلّ التحالف الرئاسي ثانياً. بينما حلّ “التجمّع الوطنيّ” ثالثاً.
السؤال اليوم من سيشكّل الحكومة؟ وأي حكومة ستُشكَّل؟ الجواب في القادم من الأيام.
الأكيد اليوم أن آمال جوردان بارديلا بأن يكون هو رئيس الحكومة العتيدة سقطت. ولكنّه لم يفقد الأمل. في كلمته بعد صدور النتائج قال بأن الشعب الذي لديه أمل لا يمكن لأحد منعه من تحقيقه. فهو أعطى موعداً جديداً للمنافسة الديموقراطيّة في 2027، موعد انتخابات الرئاسة الفرنسيّة.
لمتابعة الكاتب على X: