آن الأوان للتخلّص من نوري المالكي

مدة القراءة 5 د

يوم وقف أعضاء الكونغرس الأميركي عام 2006 مصفّقين لنوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، كان ذلك الحدث واحداً من أسوأ أحداث تلك المؤسّسة الديمقراطية وأكثرها انحطاطاً وبعداً عن القيم الإنسانية. فالرجل الذي قاطعوا خطابه غير مرّة معبّرين عن إعجابهم به تصفيقا،ً سيجرّ بلاده بعد عامين من الحرب الأهلية التي لا تزال ملفّاتها طيّ الكتمان إلى نفق فساد غير مسبوق في التاريخ البشري، وسيضع بنفسه ألغاماً لن تقوم في ظلّ وجودها دولة عراقية جديدة، ليس في حياته وحسب، بل وفي مستقبل مظلم، ستسوده النزاعات بين فئة حزبية قليلة استولت على ثروات العراق بحكم القوانين التي سنّها وبين الغالبية المحرومة من التمتّع بثروات بلادها وستظلّ تنزلق إلى هاوية الفقر، جيلاً بعد جيل.

ليس احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش الإرهابي بعد هزيمة القوات العراقية عام 2014 إلا واحدة من ثمار مزرعة الفساد التي أشرف نوري المالكي بنفسه على إقامتها وتوسيعها لتغطّي مساحة العراق كلّه. لقد مهّد المالكي لذلك الحدث الحزين بسياسات تمييز اعتمدها في إطار نزعته المعادية للوعي الوطني.

يوم وقف أعضاء الكونغرس الأميركي مصفّقين لنوري المالكي، كان ذلك الحدث واحداً من أسوأ أحداث تلك المؤسّسة الديمقراطية

حماية إيرانيّة وطوق نجاة أميركيّ

على الرغم من أنّ كلّ التقارير التي كتبتها اللجان الرسمية قد أكّدت مسؤوليّته المباشرة عمّا حدث، وهو ما دفعه يومها إلى الهرب إلى إيران، وكانت الحماية الإيرانية كفيلة بإعادته إلى العراق من غير أن يكون مهدّداً بأيّة ملاحقة قانونية. ولم يكن ذلك ليحدث بمعزل عن الموقف الأميركي الذي وهب في الوقت نفسه تنظيم داعش ثلاث سنوات انتظار من أجل أن يعلن دولته في سوريا والعراق وينصّب خليفته ويؤسّس سوقاً للسبايا ويفرض النقاب على النساء ويفتك بالمدنيين ويؤسّس جيشاً من المهمّشين ويدمّر ما يقع بين يديه من آثار الحضارة العراقية القديمة.

ومثلما مُنح نوري المالكي فرصة استئناف حياته السياسة من جديد كما لو أنّ شيئاً لم يقع، فقد تمّ منح داعش ثلاث سنوات راحة يستعدّ فيها التنظيم لحرب ستدمّر الجزء الأكبر من المدينة التاريخية. كانت تلك الخطّة أشبه باستبطان للعقل التآمري الذي وضع المالكي كلّ أسلحته في خدمة مشاريعه. فالرجل الذي تلقّى علومه الحزبية في أقبية حزب الدعوة يكره الموصل مثلما يكره الكثير من مدن العراق التي يعرف أنّ سكّانها يعتزّون بعراقهم العربي.

هرب المنتصر واستعاد المهزوم سلطته

إذا ما كان أنصاره قد قدّموه باعتباره مختار العصر المنتصر فإنّ نوري المالكي كان عنواناً لهزيمة لم تُمحَ آثارها حتى اليوم. غير أنّ استمراره عرّاباً للعملية السياسية إنّما يؤكّد سخرية الأميركيين من ديمقراطيتهم التي وضعوها في خدمة الدولة الدينية الحاكمة في إيران. فمثلما هناك انتخابات في إيران هناك انتخابات في العراق. ترعى الولايات المتحدة ديمقراطيتها في العراق التي تسمح لرجل تحوم حوله شبهات الفساد ومتّهم بارتكاب جرائم في حقّ وطنه مثل المالكي باستعادة سلطته بحيث يكون زعيم الكتلة الكبرى في مجلس النواب، وهي الكتلة التي يحقّ لها تنصيب رئيس حكومة في وقت فرضت إيران على الآخرين التخلّي عن كلّ استحقاقاتهم الدستورية.

مثلما مُنح نوري المالكي فرصة استئناف حياته السياسة من جديد فقد تمّ منح داعش 3 سنوات راحة يستعدّ فيها التنظيم للحرب

لقد انسحب مقتدى الصدر من البرلمان، وكان منتصراً، من أجل أن يكون المالكي، وهو عدوّه الشخصي، الرجل الأوّل الذي يقرّر المصير السياسي للبلاد. لم يكن ذلك الانقلاب ليحدث لولا وجود تسوية إيرانية أميركية تهدف إلى إعادة المالكي، وكان مهزوماً، إلى الواجهة.

المالكي رجل من الماضي الكئيب

أمّا حين تمّ تعيين محمد شياع السوداني رئيساً للحكومة فقد قيل إنّه رجل المالكي. وعلى الرغم من أنّ السوداني لم يخرج عن الحدود المرسومه له، ذلك لأنّه مقيّد بالقوانين التي سبق أن وضعها المالكي بنفسه، غير أنّ حرب الشائعات أضفت عليه هالات رجل الدولة المستقلّ، وهو كلام غير دقيق.

ليست هناك إنجازات حقيقية، بدليل أنّ برنامج الحكومة يخلو من أيّة إشارة إلى خطط تنمية حقيقية ولا إلى تطوّر ملحوظ في خدمات البنية التحتية. وانسجاماً مع حرب الشائعات، هناك مَن يسعى إلى أن يضع المالكي في مقدّمة المشهد باعتباره عرّاباً للعملية السياسية. وهي محاولة لتلميع صورة المالكي الذي يشعر أنّ هناك أطرافاً في تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يتزعّمه قد تجاوزته ولم تعد تنظر إليه إلا باعتباره جثّة محنّطة آن الأوان للتخلّص منها.

إقرأ أيضاً: البرلمان العراقيّ من غير رئيس.. ولكن هل وجوده ضروريّ؟

المالكي رجل تجاوزه العراق. بل إنّ المحيطين به صاروا يتمنّون أن يختفي من المشهد السياسي في أيّة لحظة. وليست الخلافات داخل تحالف “الإطار التنسيقي” الحاكم، الذي يسعى المالكي إلى توريطه في انتخابات تشريعية مبكرة قد يخسرها، إلا مؤشّراً إلى قرب نهاية الرجل الأسوأ في حياة سياسية فخّخت حياة وعقول العراقيين وضمائرهم بألغام فساد ليس من المتوقّع أن تكفّ عن الانفجار في المستقبل. لكنّ المالكي حتى لو اختفى فإنّ التاريخ سيخلّده باعتباره واحداً من أهمّ مخترعي الفساد عبر العصور.

 

 

*كاتب عراقي

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…