البرلمان العراقيّ من غير رئيس.. ولكن هل وجوده ضروريّ؟

مدة القراءة 5 د

منذ أن تمّ استبعاد محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب العراقي بقرار من المحكمة الاتحادية والبرلمانيون، يهدرون الكثير من أوقاتهم ويتعبون أنفسهم في محاولة لاختيار رئيس جديد لمجلسهم الموقّر. ليست هناك على جدول أعمالهم قوانين أو مسائل ملحّة يناقشونها أو يبتّونها. وإذا ما كان منصب رئاسة المجلس من نصيب المكوّن السنّي حسب العرف المعمول به في سياق نظام المحاصصة الطائفية، فإنّ حسم ذلك الأمر لم يُترك للكتل والأحزاب التي تحتكر تمثيل المكوّن، فهي لا تمتلك القدرة على الدفاع عن حقّها في ما يُسمّى بـ”الاستحقاق الدستوري”.

 

كلّ المرشّحين الذين تقدّمت بهم الكتل والأحزاب (السنّية) لنيل منصب رئاسة مجلس النواب العراقي لم يوافق عليهم ممثّلو تحالف “الإطار التنسيقي”، وهو الكتلة الشيعية الكبرى والأكثر ثقلاً في البرلمان. وعلى الرغم من أنّ رئاسة مجلس النواب لا تقدّم ولا تؤخّر في مسألة إقرار القوانين التي تفرضها الكتلة الكبرى، فإنّ هناك مَن ينظر بحساسية مبالغ فيها إلى نوع الشخص الذي يحتلّ ذلك المنصب وتوجّهاته التي يجب أن تكون متطابقة بشكل كلّي مع السياسات التي يفرضها التحالف (الشيعي) الذي يقوده نوري المالكي. والمعروف بنزعته الطائفية التي أغرقت العراق بالعديد من الكوارث والمآسي، التي كان احتلال داعش للموصل وغرب العراق عام 2014 أشدّ تلك الكوارث عبثيّة وأقساها على المستويين الوطني والأخلاقي.

منذ أن تمّ استبعاد محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب العراقي بقرار من المحكمة الاتحادية والبرلمانيون، يهدرون الكثير من أوقاتهم

تخادم بين برلمان عاطل وحكومة معطّلة

برلمان العراق كما حكومته يعملان في ظلّ هيمنة تحالف على الدولة بكلّ مؤسّساتها، وهذا التحالف هو عبارة عن مجموعة من الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران. وهو ما يعني أنّ السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، خاضعة بشكل أو بآخر لقرار إيراني حتى لو تعلّق الأمر بمسألة شكليّة هي رئاسة تلك السلطات. وليس من المبالغة القول إنّ رئاسة تلك المؤسّسات الحسّاسة والأساسية في بناء الدولة مسألة شكليّة. فلا رئيس مجلس النواب ولا رئيس الحكومة ولا رئيس المحكمة الاتحادية يملكون اتّخاذ قرار خارج إملاءات التحالف الحاكم.

من دواعي السخرية المريرة أن يكون البرلمان هو المكان الذي تُنتهك فيه أبسط قواعد الديمقراطية. النواب الذين تمّ اختيارهم على أساس ديمقراطي، حسب ما يُقال، محرومون من ممارسة حقّهم الديمقراطي في ظلّ هيمنة كتلة حزبية، لم تعد قادرة على تحمّل شروط النظام الطائفي الذي وضعها في الواجهة حين وهبها حقوقاً تقع خارج الاستحقاقات السياسية.

لهذا يمكن القول إنّ الديمقراطية الطائفية تُدار بطريقة تُلغى من خلالها حقوق طائفة بغضّ النظر عن الاستحقاق الدستوري. وهو ما جرّبه اللبنانيون لعقود من غير أن يشعروا بالفرق. وهذا يعني أنّ فراغاً رئاسياً في أيّ سلطة من السلطات الثلاث لا يؤثّر على وقائع العيش بكلّ تشاؤمه.

كلّ المرشّحين الذين تقدّمت بهم الكتل والأحزاب (السنّية) لنيل منصب رئاسة مجلس النواب العراقي لم يوافق عليهم ممثّلو تحالف “الإطار التنسيقي”،

لا فرق إن كان هناك رئيس لمجلس النواب أو لم يكن. تلك مسألة شكلية، يسخر البرلمانيون من أنفسهم حين يظهرون حماسة لحسمها والانتهاء منها. غير أنّهم في كلّ استعراضاتهم الهزلية إنّما يحاولون قتل الوقت من أجل تأجيل النظر في المسائل والمشكلات التي تعيق عمل الحكومة. غير أنّ الثابت أنّ الحكومة سعيدة بما يجري. فهي ثابتة عند خطّ الانطلاق. لا برامج تنمية في ظلّ تعليق الخدمات الأساسية إلى أجل غير مسمّى. حكومة من ذلك النوع لا ترى في تعطيل البرلمان إلا فرصة لقضاء الوقت وهي توزّع الامتيازات على أفرادها الذين صاروا تلقائياً جزءاً من فرق الفساد التي تخصّصت بالتصرّف بالثروة في أسرع وقت ممكن. وفي ظلّ غياب صحافة حرّة لا أحد يمكنه مساءلة مجلس النواب أو الحكومة عمّا يجري.

عبث في الوقت الضائع

لو لم يكن الأمر كذلك لتمّ اختيار أيّ شخص لرئاسة مجلس النواب الذي كان محمد الحلبوسي يديره بكفاءة. وهو شخص لا يملك أيّة موهبة سياسية. فالمسألة لا تتعلّق بمَن يُدير جلسات المجلس. المسألة تتعلّق بالمجلس نفسه. فهل هو مؤسّسة نافعة تعمل لتصريف شؤون المواطنين أم مجرّد كيان فارغ من أيّ محتوى إيجابي؟

عبر ما يقارب عشرين سنة، وهي عمر الديمقراطية التي فرضها الأميركيون على العراق بمواصفات خاصة، لم يقرّ مجلس النواب قانوناً واحداً كان له معنى مؤثّر في حياة العراقيين. لم ينتظر أحد من العراقيين بلهفة يوماً ما صدور قرار ما من المجلس، بل إنّ الحكومات المتتالية لم تربط عملها بما يمكن أن يقرّه البرلمان من قوانين يمكن أن تسهّل عملها.

إقرأ أيضاً: كما فشل العراق الأميركيّ سيفشل العراق الإيراني

برلمان العراق هو كيان معلّق في الفضاء. وهو لذلك مقطوع الصلة بحياة العراقيين، بل إنّه لا يراقب عمل الحكومة إلّا بطريقة كيدية. وهي طريقة الانتقام الحزبي والطائفي، وتلك طريقة ليست غريبة على العراقيين. لذلك البحث عن رئيس له هو عمل عبثيّ يليق به.

*كاتب عراقي

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…