الهجوم على رفح: فصل جديد من حرب طويلة

مدة القراءة 5 د

الأسبوع الفائت توقّفت المفاوضات في القاهرة. غادرت الوفود المشاركة. ليس للتشاور مع قياداتها. إنّما بسبب الفشل في التوصّل إلى اتّفاق على هدنة أو وقف للنار وتبادل الأسرى وإصرار قادة إسرائيل على الهجوم على رفح. هل توقّفت المفاوضات كلّيّاً؟ لماذا لم تنجح بعد خمسة أشهر على بدايتها؟

 

حرب وجود

منذ انطلاقتها، في كانون الثاني 2023، بدت المفاوضات بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية – مصرية – أميركية صعبة لأنّ طرفَي الصراع يخوضان حرب وجود:

– القادة الإسرائيليون، وفي مقدّمهم بنيامين نتنياهو، يخوضون معركة وجودهم في السلطة لأنّهم يدركون أنّ لجان التحقيق في ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) تنتظرهم لحظة توقّف أصوات المدافع. ويسوّقون منذ بداية الحرب على أنّها “حرب وجوديّة” لإسرائيل أيضاً، كما قال نتنياهو بالأمس.

– حركة حماس في الداخل والخارج تخوض معركة وجودها في غزّة وفي المشهد الفلسطيني، خاصّة بعد شبه الإجماع العربي والدوليّ على إخراجها منه.

بعيداً عن دوافع الحرب لدى كلّ طرف، عادةً ما يوجد سببان يدفعان بالمتحاربين للقبول بهدنة أو بإيقاف الحرب: الخسارة أو عدم القدرة على الاستمرار بالحرب. وهذان العاملان غير متوفّرين. حماس لم تخسر الحرب. وإسرائيل قادرة على الاستمرار بها.

حماس لم تخسر كلّيّاً

“إدارة بايدن تشكّك في إمكانية إسرائيل الانتصار كلّياً في غزّة” هو عنوان مقال نشرته مجلة “بوليتيكو” (14 أيار 2024) الأميركيّة وفيه تفيد مصادر في البيت الأبيض بأنّ إسرائيل لم تتعلّم من تجارب أميركا في حربها في العراق. وجاء في مقال نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”( 15 أيار) إنه وبعد 7 أشهر من الحرب لم تُهزم حماس “مما يثير المخاوف في اسرائيل من أنّ الأمر قد يتطور لحرب إلى الأبد”.

بعد مضيّ سبعة أشهر على الحرب لا شكّ أنّ حماس فقدت الكثير من قدراتها العسكريّة بيد أنّها لا تزال تحتفظ بالكثير منها أو أقلّه ببعض منها

بعد مضيّ سبعة أشهر على الحرب لا شكّ أنّ حماس فقدت الكثير من قدراتها العسكريّة. بيد أنّها لا تزال تحتفظ بالكثير منها أو أقلّه ببعض منها. منذ أيام قصفت كتائب القسّام معبر كرم بو سالم. وها هي المعارك تعود إلى مخيّم جباليا في شمال القطاع!

رفح

بشريّاً، لا تزال الحركة تحتفظ بأكثر من ثلثَي عناصرها. إسرائيل تقول إنّها قتلت أكثر من 10 آلاف من عناصر حماس البالغ عددهم 30 ألفاً. بيد أنّ غالبية التقارير العالميّة تتشكّك في هذا الرقم. في تقرير أعدّه قسم تقصّي الحقائق في “بي.بي.سي” نشر بتاريخ 1 آذار 2024 يقول الكاتبان إنّ القليل من الفيديوهات التي نشرها الجيش الإسرائيليّ “يحتوي على أدلّة مرئية على مقتل أعداد كبيرة من المقاتلين”. وما ينفي ادّعاءات إسرائيل أيضاً تقارير وزارة الصحّة في غزّة التي تفيد أنّ المدنيين الـ 35 ألفاً الذين سقطوا، 70% منهم من النساء والأطفال، و30% من الرجال، وقسم كبير منهم من المسنّين.

إضافة إلى ذلك لم تستطع إسرائيل استهداف قيادات حماس الأساسية باستثناء مروان عيسى نائب قائد الجناح العسكري لكتائب القسّام. يحيى السنوار ومحمد الضيف لا يزالان على قيد الحياة ويقودان المعارك. ويشاركان في المفاوضات التي تجري في الدوحة والقاهرة من خلال الرسائل. وفي تقرير استخباري نُشر أخيراً ورد أنّ السنوار ليس في رفح.

أمّا الأنفاق، سلاح حماس الأساسيّ، فلم يعثر الجيش الإسرائيلي إلّا على القليل منها. وهذا يعني أنّ قيادات حماس وعناصرها يتنقّلون بحرّيّة داخل الأنفاق من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، وربّما خارج القطاع. وفي حال مهاجمة مدينة رفح سينتقلون إلى مناطق أخرى في القطاع. عودة المعارك إلى مخيّم جباليا تؤكّد ذلك. وعدم تدمير شبكة الأنفاق يعني أنّ حماس لا تزال تحتفظ بمخازن الذخيرة لديها.

نتنياهو يقول إنّ الهجوم على رفح ضروريّ للقضاء كلّيّاً على حماس هل هذا صحيح؟ الشكوك كبيرة. نحن أمام فصل جديد من حرب طويلة

إسرائيل تخوض حرباً طويلة

من جهتها إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر ليست كما قبله، وهذا ما لم تدركه حماس منذ بداية الحرب. لذلك رفعت سقف مطالبها عالياً لتحرير الرهائن منذ ما قبل بداية المفاوضات.

الإسرائيليون شعروا للمرّة الأولى منذ تأسيس دولتهم بخطر وجوديّ ما جعلهم يقبلون بحرب طويلة. ويستعدّون لتقديم التضحيات اللازمة لها. صحيح أنّ غالبيّتهم مع إقالة نتنياهو وفريقه المسؤول عن فشل 7 أكتوبر، بيد غالبيتهم مع استمرار الحرب، ومع توسيعها لتشمل الحزب في لبنان. هذا ما تؤكّده العديد من استطلاعات الرأي التي أُجريت في إسرائيل خلال شهرَي آذار ونيسان.

أمّا الخسائر الاقتصاديّة، على الرغم من تقديرها بالمليارات وتراجع قيمة “الشيكل” أمام الدولار الأميركي، فإسرائيل قادرة على تعويضها بدعم من الولايات المتّحدة الأميركيّة.

أمّا في ما خصّ الضغوط لعدم الهجوم على رفح، فيبدو أنّها جزء من الحملات الانتخابيّة للرئيس جو بايدن أكثر منها ضغوطات حازمة لمنع الهجوم على رفح. فالرئيس الأميركي يسعى إلى كسب النقاط في الحملة الانتخابيّة للتقدّم على منافسه دونالد ترامب. وقد نجح نسبياً. بالتالي لن تؤثّر الضغوط الأميركيّة على سير المعارك ولن تمنع الهجوم على رفح. نتنياهو قال: “سوف نحارب بأظافرنا”. التجارب التاريخيّة تؤكّد أنّ الضغوطات الأميركيّة على إسرائيل محدودة. ففي عام 1982 قرّرت إدارة رونالد ريغن تأخير تسليم طائرات إف 15 وإف 16 لإسرائيل بسبب سقوط أعداد كبيرة من الفلسطينيين المدنيين خلال اجتياح لبنان. إلا أنّ حكومة مناحيم بيغن أكملت الاجتياح وطوّقت بيروت وحقّقت هدفها بإخراج منظمة التحرير منها.

إقرأ أيضاً: غزّة: نتنياهو و”الحركة” يرفضان تنفيذ قرار مجلس الأمن

نتنياهو يقول إنّ الهجوم على رفح ضروريّ للقضاء كلّيّاً على حماس. هل هذا صحيح؟

الشكوك كبيرة. نحن أمام فصل جديد من حرب طويلة سيكون أكثر دمويّة. فالمدينة تكتظّ بحوالي 1.4 مليون نسمة. هذا ما يحذّر منه العالم ويخيفه. ولكنّ “وحوش” تل أبيب لا يأبهون.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…